هذا القلق عززته تصريحات منسوبة لزعيم حركة التغيير الكردية المعارضة، نوشيروان مصطفى، تفيد بأن رئيس إقليم كردستان وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، يعتزم إعلان استقلال الإقليم بعد سنتين. وكانت وكالة «باسنيوز» الكردية نقلت عن شخصية لم تسمها حضرت لقاء مع مصطفى في المقر الرئيسي لحركة التغيير بالسليمانية أنهم خلال اللقاء تحدثوا عن موضوع الدولة الكردية المستقلة، فأبلغهم مصطفى بأن بارزاني ينوي إعلان الدولة المستقلة بعد سنتين من الآن وأنه بصدد الإعداد لذلك حاليا.
وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع أحد المشاركين في الاجتماع أكد أن موضوع الدولة الكردية «نوقش كاحتمال». وأضاف المصدر، طالبا عدم نشر اسمه، أن حركة التغيير «ستدعم إعلان الدولة إذا جرى التحضير لها جيدا وفي حال تهيئة الأرضية الاقتصادية والمؤسساتية اللازمة لها وما إذا كان مشروع الدولة سيتحقق عبر الحرب أو بدعم إقليمي». واستطرد قائلا: «نحن لا نريد في كردستان وضعا مثل (جمهورية شمال قبرص) القائمة على دعم تركيا فقط». وتابع: «كما أننا لا نريد التضحية بما حققه إقليم كردستان حتى الآن من مكاسب».
وكان بارزاني قد هدد خلال الفترة القليلة الماضية «باتخاذ خطوات غير متوقعة إذا استمرت الحكومة ورئيسها نوري المالكي بمحاولة كسر هيبة الأكراد وجعلهم على الهامش». وأضاف بارزاني في لقاء صحافي معه إنهم «يريدون التعامل معنا كأننا محافظة عادية»، مشيرا إلى أن ذلك «من المحال بعد كل هذا التحرر، ولن نخطو إلى الوراء وإنما إلى الأمام».
وجاءت تصريحات بارزاني بعد يوم من إعلان المالكي أنه سيصرف من الموازنة العامة من دون انتظار إقرارها في البرلمان الذي عده «فاقدا شرعيته»، واتهم رئيسه أسامة النجيفي بـ«التآمر على الدولة»، مؤكدا الادعاء عليه لدى المحكمة الاتحادية بتهمة عرقلة عمل الحكومة. يذكر أن الأكراد يعارضون تمرير مشروع الموازنة في البرلمان لما تتضمنه من عقوبات بحق الإقليم الذي يريد الإشراف على صادراته النفطية وتعارض الحكومة الاتحادية ذلك.
وفي السياق ذاته، أكد بارزاني في تصريح آخر له أن الوقت ينفد أمام الحكومة العراقية لاتخاذ قرار بشأن اتفاق تقاسم السلطة لإنهاء الأزمة السياسية التي تجتاح البلاد. وأضاف بارزاني أن عدم الوصول لاتفاق قد يؤدي إلى تمرد سياسي في العراق، وهو ما قد يحبط الآمال في تكوين دولة موحدة ومستقرة بعد أشهر قليلة من رحيل القوات الأميركية. وقال بارزاني في حوار مع وكالة «أسوشييتد برس» جرى في مكتبه بمصيف صلاح الدين قرب أربيل: إن صبر أحزاب المعارضة العراقية وكرد العراق بشكل عام قد بدأ ينفد بسبب تهميشهم في الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة بقيادة نوري المالكي، مشيرا إلى أن «البلاد تمر بأزمة سياسية خطيرة للغاية».
من جانبهم، فإن السياسيين العراقيين من السنة والشيعة الذين استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم بشأن هذه التصريحات وتهديدات بارزاني التي سبقتها لم تفاجئهم مثل تلك الأنباء، عادين أن خطوات الأكراد كلها تؤكد نيتهم الانفصال بينما عد الأكراد أن الحل الوحيد أمام العرب لضمان بقاء الأكراد ضمن عراق موحد هو الالتزام بالدستور.
وقال عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون ورئيس لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية، علي الشلاه بأن «طموح السيد مسعود بارزاني يقوم على هذا الأساس بل إنه يتصرف في كل شيء على أنه أكبر من الدولة العراقية». وأضاف الشلاه أن «الائتلاف العراقي (الشيعي) الموحد كان قد تنبه منذ مرحلة كتابة الدستور إلى مساعي الكرد بهذا الاتجاه فأصر على وضع فقرة في الدستور العراقي وكان الفضل في وضعها بالدستور يعود للدكتور حسين الشهرستاني وهي أن الثروات النفطية هي لكل الشعب العراقي، إذ أن هذه الفقرة هي إحدى ضمانات الوحدة الوطنية وهو ما جعل الكرد يضطرون إلى الموافقة عليها». ويشير الشلاه إلى أن «بارزاني لا يريد العودة إلى سقف حكومة محلية في ظل دولة اتحادية بل إنه أكبر من ذلك بكثير»، مشيرا إلى أن «طموحاته هذه ستقابل بمتاعب كثيرة أبرزها الموقف الأميركي غير الداعم لذلك بقوة حتى أن الأميركيين كانوا قد رفضوا تصدير النفط من دون موافقة الحكومة الاتحادية وأرغموا الأتراك على ذلك وهو ما جعل بارزاني يعدل عن زيارة الولايات المتحدة، يضاف إلى ذلك أن تحويل الإقليم إلى دولة يحرج حتى الأطراف العربية المتحالفة مع بارزاني الآن». وأكد الشلاه إنه «في حال أصر بارزاني على إعلان دولته فستكون في حدود التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003. وهو ما يعني ليس منها كركوك ولا مناطق متنازع عليها».
من جهته، أكد عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية، الدكتور طلال حسن الزوبعي، أن «العراق اليوم يكاد يكون كونفدرالية وليس حكومة اتحادية كما أن الدولة الاتحادية لا تستطيع أن تأمر الإقليم بأي شيء إلا ما يرغب فيه الإقليم فلا جيش يتحرك ولا برلمان يدخل في إطار لجنة ولا شيء». ويضيف الزوبعي أن «المشكلة أن الدستور العراقي يعطي أرجحية للأقاليم والمحافظات على الحكومة المركزية وهو ما جعل إقليم كردستان يتطور على كل المستويات بحيث صار أهم من المركز وهي مفارقة لم تحصل إلا في العراق». ويرى الزوبعي أن «العراق هو أصلا اليوم عبارة عن كانتونات والأقوى فيها هم الأكراد بكل شيء بما في ذلك القوة العسكرية للبيشمركة فضلا عن الاقتصاد والاستثمارات»، مشيرا إلى أن «هناك اتفاقات منذ زمن المعارضة تفضي إلى مثل هذا اليوم ويحتمل أن تكون القوى التي تعارض سياسات الأكراد اليوم قد وقعت على كل شيء في السابق».
بدوره، يرى عضو مجلس الحكم السابق ووزير شؤون المحافظات الأسبق، وائل عبد اللطيف، أن «الأكراد لن يتنازلوا عن حلمهم بدولة كردية مستقلة وقد وضعوا ذلك في دستور كردستان بما في ذلك حق تقرير المصير». ويضيف عبد اللطيف أن «هناك عبارة في الدستور العراقي تتيح للأكراد الانفصال وهي عبارة الاتحاد الاختياري التي وضعت بموافقة التحالف الشيعي في ذلك الوقت لمجرد أن وافق الأكراد بأن تتضمن ديباجة الدستور العراقي الطقوس الشيعية والمرجعيات الدينية وبالتالي أستطيع القول إنه منذ عام 2005 بدأ التخطيط الحقيقي لاستقلال كردستان». ويتابع عبد اللطيف أن «الأزمة النفطية الآن هي جزء من ذلك، ناهيك عن أن الأكراد ومنذ عام 2003 لم يسددوا واردات الجمارك كما أن القضاء الكردي مستقل»، مشيرا إلى أن «الأكراد يخططون لأن يكونوا واحدة من أكبر دول الشرق الأوسط بواردات نفطية فيما لو أخذوا كركوك تصل إلى نحو 3 ملايين برميل لنحو 4 ملايين نسمة كما أنهم يخططون لإقامة نحو 10 سدود مائية وبالتالي فإنهم يتجهون إلى الدولة الكردية المتكاملة».
لكن عضو البرلمان العراقي عن التحالف الكردستاني برهان محمد فرج يقول: إن «الكرد هم الذين اختاروا الاتحاد الاختياري مع العرب في إطار عراق موحد»، مشيرا إلى أن «الطريق الوحيد لضمان وحدة العراق هو الالتزام بالدستور العراقي وتطبيقه بالكامل».