وقال كازنوف خلال عرضه للأسباب الموجبة للخطة، بحسب بيان صادر عن قصر الإليزيه، إن فرنسا «كغيرها من البلدان الأوروبية تواجه تهديدا خطيرا بسبب انخراط مئات الأشخاص (الفرنسيين أو المقيمين في فرنسا) في تيارات متطرفة عنيفة مرتبطة غالبا بحركات إرهابية سورية». وأشار إلى الارتفاع «المتسارع والمثير للقلق» لأعداد هؤلاء الذين يقدرهم وزير الداخلية بـ740 شخصا منهم 300 موجودون حاليا في سوريا و130 قيد التوجه إليها والعدد نفسه عاد من سوريا، بينما بلغ عدد القتلى الذين يحملون الهوية الفرنسية 25 شخصا.
بيد أن الخطر الذي يشخصه الوزير الفرنسي يكمن فيما يسميه «بروز جيل جديد من الإرهابيين المتمرسين على القتال»، الذين قد يستهدفون الأراضي الفرنسية، الأمر الذي يتطلب «ردة فعل حازمة، متشددة وفاعلة». لكن المسؤول الأمني الفرنسي يعترف سلفا أن التدابير «القمعية» لن تكون كافية، بل يتعين معالجة «وقائية» فضلا عن جهد تعليمي وتثقيفي لمقارعة «دعاة الحقد» الذين تبدأ عندهم شبكة التجنيد للمنظمات الإرهابية.
وتنقسم الخطة إلى أربعة أجزاء أولها يستهدف إعاقة أو منع توجه الجهاديين، أحداثا وغير أحداث، إلى سوريا عن طريق تشديد الرقابة وسحب وثائق السفر، الأمر الذي يفترض سن قانون جديد يتيح منع الجهاديين كبارا وصغارا من مغادرة الأراضي الفرنسية. ووفق القانون المنتظر، فإن من حق الأهالي أن يطلبوا من السلطات الأمنية منع أبنائهم أو بناتهم القاصرين من الخروج من فرنسا في حال توافر مؤشرات تدل على نزعات جهادية لديهم. وبعكس المعلومات التي وزعتها مصادر رسمية أمس، فإن الحكومة الفرنسية تخلت عن فكرة إلغاء القانون الذي يتيح للقاصرين السفر من غير إذن عائلي. وقال وزير الداخلية إن تدبيرا كهذا «لن يكون فاعلا».
ويتمثل القسم الثاني بتشديد الحرب على الخلايا التي قد تكون ذات نزعات جهادية عن طريق توفير مزيد من الإمكانيات للأجهزة الأمنية الفرنسية التي ستعمد إلى طرد الأجانب الضالعين في خلايا كهذه ووضع اليد على ممتلكات المؤسسات أو الجمعيات الضالعة في هذه الأعمال. وبالنظر إلى الدور الذي تلعبه شبكة الإنترنت في تجنيد الجهاديين خصوصا الأحداث، فإن الحكومة الفرنسية قررت تشديد الرقابة على الشبكة من أجل رصد المواقع المروجة. وتريد باريس الاستعانة بمشغلي شبكات الإنترنت على المستويين الفرنسي والأوروبي مساعدتها لمنع المواد والمحتويات التي تعتبر مشجعة على الانخراط في الشبكات الجهادية أو داعية للعنف والإرهاب ومتفرعاته.
وفي المقام الثالث، تعول باريس على التعاون الدولي وخصوصا الدول التي «تصدر» هي أيضا جهاديين أو التي تستخدم أراضيها للوصول إلى سوريا. فضلا عن ذلك، تنوي فرنسا تعبئة الاتحاد الأوروبي والأسرة الدولية لمساعدة المناطق السورية المحررة لمنع استغلال مآسي السكان من أجل تجنيد الجهاديين أو حرف المساعدات المرسلة واستغلالها لأهداف بعيدة عن هدفها الأصلي.
أما القسم الرابع من الخطة الحكومية فيلحظ مجموعة من البادرات «الاستباقية» عن طريق العمل على مساعدة العائلات التي تجد نفسها عاجزة عن مواجهة انحراف أبنائها. وعمليا سيتم ذلك عبر إيجاد «مكتب وطني للاستماع والإرشاد» وظيفته مد يد العون للعائلات والمساعدة على إعادة تأهيل ودمج الأفراد الذين تستشف لديهم توجهات جهادية في المجتمع.
وكان رئيس الجمهورية فرنسوا هولند قد أوجز «الفلسفة العامة» للخطة بقوله إنها تهدف لـ«ردع ومنع ومعاقبة كل الذين تسول لهم نفسهم الذهاب لخوض معارك (في سوريا) لا مكان لهم فيها».
ومن الناحية العملية ستناط بالمحافظين والمدراء الأمنيين وأجهزة المخابرات الداخلية مهمة التحري عن الراغبين بالجهاد وتسجيلهم على اللوائح الفرنسية والأوروبية للأشخاص الممنوعين من السفر مع تمكين الأجهزة المعنية من حرمانهم من جوازاتهم وتمكين الأهل من الاعتراض على خروج أولادهم من الأراضي الفرنسية. فضلا عن ذلك، سيمكن المحافظون من طلب طرد الأجانب ذوي العلاقة بالتيارات الجهادية وتجميد أموال الجمعيات التي توفر لهم الغطاء القانوني. وفي كل الحالات، فإن الحكومة الفرنسية، وفق خطتها الأخيرة، تشدد على الحاجة لمزيد من الرقابة على الإنترنت والتمكن من إغلاق المواقع المخالفة مستعينة بالشركات المشغلة.
وفي حديث إلى إذاعة «فرانس إنفو» صباح أمس، أبدى وزير الداخلية مخاوف جدية من الجهاديين العائدين من سوريا الذين لا تستطيع الدولة منعهم قانونا من دخول الأراضي الفرنسيين لأنهم مواطنون فرنسيون.
وقال كازنوف: «ثمة خطر ماثل ويتعين علينا أن نعيه تماما» مشددا على الحاجة «لعزيمة قوية» من أجل محاربة هذه الظاهرة وتلافي آثارها على أمن الأراضي الفرنسية وراحة الفرنسيين. وما يزيد من حيرة السلطات الفرنسية أن الجهاديين ليسوا بالضرورة من المتحدرين من عائلات إسلامية مهاجرة إلى فرنسا بل بينهم الكثيرون ممن اعتنقوا الإسلام حديثا كما أن الظاهرة لم تعد مقصورة على الشباب، بل إن عددا من الفتيات حاولن الوصول إلى سوريا للانضمام لمنظمات جهادية.