تناول خطيب مسجد الامام محمد بن عبدالوهاب بمحافظة طريف الشيخ الدكتور عماد بن صادق المحمد في خطبة اليوم الجمعه ما حدث الاسبوع الماضي من جريمة بشعه بطريف هزت المنطقة الشمالية والمجتمع السعودي حين اقدم شاب عشريني على قتل والديه واصابة اخته واخاه بطعنهم بساطور حاد بسبب تعاطيه المخدرات وقال الشيخ عماد المحمد في خطبته :
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة إقرار به وتوحيدا ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا ،
أما بعد عباد الله :
خطبة اليوم لا تحتاج إلى مقدمات ولا إلى تمهيد فما فجعنا به في الأسبوع الماضي من قتل شاب لوالديه وطعنه لإخوته قد أدهش العالم بأسره وطارت بتفاصيله البشر ليعتبروها جريمة لا تشابه إلا الخيال وكادوا ألا يصدقوها لولا أنها وللأسف واقعة حقيقية بلغت العلقم في مُرها ، ومرها في ضيرها وقسوتها ووحشيتها بل حتى الوحوش كما نعرف تفترس لوالديها وبنيها لا تفترس أبويها ، رحمهما الله عز وجل برحمته وأسكنهما فسيح جناته وجعل مثواهما في الفردوس الأعلى من الجنة وتغمدهما بعفوه ورضاه ورضوانه ،
ياعباد الله : المخدرات من جديد تطل بقذرها وشرها وسمها وآلامها ومآسيها لتخرج لنا مشهدا مأساويا جديدا للأسف سيسجله التأريخ أبدا ، وقدرنا أن يكون هذا المشهد في هذه المرة بين أظهرنا أنا وأنت ،
ياعباد الله : المخدرات والمسكرات ليست جديدة لا بآثارها ولا بمآسيها ، وعليه فمن الطبيعي أن هذه المأساة المفجعة المؤلمة ليست الأولى ولن تكون وللأسف بمنأى عن بقية الذين يتعاطون المخدرات الآن في بعض البيوت ، ودعوني أرجع بكم في التأريخ قليلا ، فإن نسيتم فلم أنسى مانشرته الصحف في سنوات مضت عن قصة أحد المدمنين في أحد أحياء الرياض وكان عمره قد ناهز الخمسين أدمن المخدرات فترك العمل وفصل منه ثم طلق زوجته وله منها سبعة أبناء وبنات وفي يوم وقد تسلطت عليه الهلوسة والهيجان دخل على بيت أهله بمسدسه ليقتل الزوجة ثم بناته الواحدة تلو الأخرى : الأولى في عمر الثالثة عشرة والثانية في عمر الخامسة عشرة والثالثة في عمر الثامنة عشرة والرابعة في عمر الرابعة والعشرين أصيبت وأدخلت في العناية المركزة لينفجع الجيران بكارثة إنسانية في بيت شهدوا له بالصلاح والأخلاق والتميز عدا عذروب واحد وهو أن الوالد قد أدمن على المخدرات ،
ياعباد الله : ودعوني أرجع بكم في التأريخ أكثر لأقف معكم على إحدى الخطب لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الرابع عثمان بن عفان رضي الله عنه كما أخرجه النسائي وابن ماجة في صحيحه : أن عثمان رضي الله عنه قام خطيبا في يوم فقال : ” أيها الناس اتقوا الخمر فإنها أم الخبائث وإن رجلا ممن كان قبلكم من العباد كان يختلف إلى المسجد فلقيته امرأة سوء فأمرت جاريتها فأدخلته المنزل ، فأغلقت الباب وعندها باطية خمر وعندها صبي فقالت له : لا تفارقني حتى تشرب كأسا من هذا الخمر أو تواقعني أو تقتل الصبي ، وإلا صحت وقلت دخل علي في بيتي فمن الذي يصدقك ؟ فضعف الرجل عند ذلك ، وقال : أما الفاحشة فلا آتيها ، وأما النفس فلا أقتلها ، فشرب كأسا من الخمر ، فقال : زيديني فزادته فوالله مابرح حتى واقع المرأة وقتل الصبي ، قال عثمان رضي الله عنه : فاجتنبوها فإنها أم الخبائث ، وإنه والله لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجل إلا ويوشك أحدهما أن يذهب الآخر ،
ياعباد الله : لا أظن أن المقام مقام تبيين حكم تعاطي الخمور والمخدرات فالقاصي قبل الداني يعلم بأنه حرام ، ويعلم بأنه كبيرة ، ويعلم بأنه إثم فاحش ، وأنه إتلاف للعقل والبدن ، وأنه جالب لسخط الرب وغضبه ، وأنه في الدنيا ملعون ، وأن سقياه في الآخرة طينة الخبال – عرق وعصارة أهل النار – أظن أن هذا كله معلوم وإنما المقام الآن مقام لفت الأنظار إلى ما يقوم به أعداء الإسلام من زج كميات رهيبة من جميع أصناف وأنواع المخدرات والمهلوسات إلى بلاد المسلمين ، وتمكنوا وللأسف بمساعدة بعض أبناء جلدتنا الأغبياء المعاتيه الخونة الذين لم يرعوا حقا لدين أو أمنا لوطن أو كرامة لمجتمع – تمكن هؤلاء الأعداء بمساعدة هؤلاء الخونة – من نشرها وترويجها بين أوساط الشباب بل وللأسف حتى الفتيات بل وللأسف حتى صغار السن ، ولا أعلم أنا كإنسان كيف لا يستشعر هؤلاء الخونة بأنهم بخيانتهم هذه قد أزهقوا أرواح الكثيرين ، وأتلفوا عقول الكثيرين ، ودمروا حياة الكثيرين ،
لا أعلم أنا كإنسان كيف لا يستشعر هؤلاء المروجون الخونة بأنهم قد أحرقوا الكثير من الأسر والمجتمعات ،
ثم لا أدري كيف لم يسائلوا أنفسهم عن مصيرهم عند وقوفهم بين يدي ربهم عز وجل وهم مثقلون بالكثير من الأرواح التي أزهقوها والأجسام التي أتلفوها ، والأعراض التي فضحوها ، والأسر التي شردوها ، والمجتمعات التي دمروها ،
ياعباد الله : إن الذين يروّجون المخدرات خونة وهم مارقون على دين الله عز وجل ، مارقون على النظام ، مارقون على ثوابت المجتمع وأمنه ،
والذين يتعاطون المخدرات ضحايا أغبياء لأنهم اختاروا طريقا يزهقون فيه أرواحهم بأنفسهم ، ويحفرون فيه قبورهم بأيديهم حتى صاروا أشباحا بلا أرواحا وأجساما بلا عقول ،
ياعباد الله : ما من شيء في الدنيا إلا وله طرفان : ما من شاري إلا وله بائع وما من آخذ إلا وله معطي ، وجرائم المخدرات ومسارحها فيها قاتلان : قاتل المسرح – مسرح الجريمة – والمخرج ،
أما قاتل المسرح فدائما يعرف بل إنه دائما يفيق بعد سكره أو هلوسته فينوح ويبكي ، أما المخرج الذي يؤلف ويرسم ويخطط آلاف المشاهد المأساوية فكثيرا ما يبقى يسرح ويمرح بل ربما تلوم على القاتل بدم بارد كونه زاد في الجرعة أو أساء الاستخدام – قبحه الله -،
ياعباد الله : نداء لكل من يعنيه الأمر : والذين يعنيهم الأمر هنا فئتان فئة مسؤولة أمام الله عز وجل ثم أمام الدولة عن مكافحة المخدرات وتعقب المروجين فعليهم أن يتقوا الله عز وجل وأن يؤدوا واجبهم على أكمل وجه ديانة لله عز وجل وطاعة لولاة الأمر وحفظا لأمن البلد ورعاية للبشر وحياتهم وشفقة على الأمهات والآباء والمحارم والضعفاء من الناس ،
وإن وقع الصغير بأيديكم ياأبطال رجال مكافحة المخدرات فهنيئا لكم عند ربكم والناس إن وقع الكبير بأثره ،
وإن وقع الشاري بأيديكم ياأبطال رجال مكافحة المخدرات فهنيئا لكم عند ربكم والناس إن وقع البائع بأثره ،
وإن وقع المتعاطي بأيديكم ياأبطال رجال مكافحة المخدرات فهنيئا لكم عند ربكم والناس إن وقع المروج بأثره ،
والفئة الثانية المعنية بالأمر ياعباد الله : المجتمع بأسره كل بحسبه : المعلمون في تعليمهم ، الأئمة في مساجدهم ، الرجال العاديون في مجالسهم : لم يعد هناك مجال للمجاملة وبعض التوصيفات المعتوهة كالسماح لأحد بالتفاخر في جريمة التهريب أو التباطل في جريمة الترويج والتفلت من قبضة رجال الأمن ومغامرة الخروج على النظام ، أو قرن الرجولة بالتعاطي أو نحو ذلك مما يذكر بمفاخر الجاهلية ومخازيها ، وليعلم أن الخمور والمسكرات كانت تلازم الجاهلية وربما كان لها ولمعاقرتها مجالس شعر وفخر فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن نظامه العظيم بقوله ” ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ” كانت الخمرة من أول الأشياء التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم تحت قدمه ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ” لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ”
فاتقوا الله ياعباد الله وصونوا أنفسكم وأبناءكم ومجتمعكم من رذيلة قد بلغت الغاية في قبحها وخزيها ،
اللهم ربنا احمنا جميعا من هذا الشر والبلاء ،
اللهم ربنا رد من ضَل طريقه من أهل الإسلام إليك ردا جميلا ،
اللهم ربنا أعن رجال الأمن وسددهم في خدمة دينهم ووطنهم وولاة أمرهم والناس في محاربة هذا الداء العضال ،
أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الكريم الرحمن الرحيم
24 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓