في كل زمنٍ يظن الإنسان أنه اكتمل، يرسل الله له مرآة تُريه كم هو مخلوقٌ صغير أمام عظمة "الأخلاق".
في زمن امتلأت فيه القلوب بالأنانية وتضخم فيه الشعور بالذات حتى صار أحدنا يرى الكون مجرد خلفية لصورته، يطل علينا حديث نبوي شريف يعيد الإنسان إلى حجمه الحقيقي:
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
حديث صغير في ألفاظه، عظيم في أثره، يحمل بين كلماته علاجًا لأمراضنا النفسية والاجتماعية معًا.
فلو أن كل واحد منا وضع نفسه مكان الآخر، لاختفت كثير من أمراض القلوب، وتقلصت مساحة الخلافات، ولساد الاحترام بدل التنافس، والعفو بدل التربص.
لكننا نعيش زمنًا نحب فيه لأنفسنا ما لا نحب لغيرنا، نغفر لأنفسنا ما لا نغفره لأحد، ونبرر زلاتنا بالنيات بينما نحاكم الآخرين على النوايا قبل الأفعال.
نطالب الناس أن يكونوا مثاليين ونحن بالكاد بشر، نضخم زلاتهم بعدسة مكبرة ونخفي عيوبنا بفلتر النية الطيبة، حتى صار الاحترام عملة نادرة والتواضع موضة قديمة.
هذا الحديث ليس مجرد موعظة تُقرأ ثم تُنسى، بل قاعدة أخلاقية لو استقرت في القلوب لأصلحت نصف ما أفسدته الأنانية.
إنه دواء شاف لعقد المقارنة والحسد، ومصل واقٍ من سمّ الغرور الذي يسري في أوصالنا كل يوم.
وكأن الحياة تقول في مشهدها الأكثر درامية:
حين يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه، يبدأ المشهد الإنساني الحقيقي.
فلنجرب أن نعيش هذا الحديث لا كعبارة محفوظة، بل كمنهج حياة يومي.
أن نعامل الناس كما نحب أن يعاملونا، لا كما يستحقون فقط، فربما نكتشف أن أعظم إصلاح للمجتمع يبدأ حين نصلح أنفسنا أولًا.
زلزال
حين يقرأ الإنسان هذا الحديث ويستوعبه، تنهار كل أوهام الكبرياء والأنانية في قلبه، وتبدأ الأرض تهتز من قوة الحقيقة: أن قلبه يستطيع أن يكون منارةً للآخرين قبل أن يكون لنفسه. كل صراع داخلي، كل حسد مخفي، كل كلمة جارحة، كل خيانة صغيرة… تصبح بلا معنى أمام قوة قاعدة أخلاقية واحدة: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
وهنا فقط، عند هذه اللحظة، يدرك الإنسان أن كل تغيير حقيقي يبدأ من داخله، وأن الله كتب لنا الطريق منذ الأزل، في كلمات بسيطة، لكنها تحمل قوة الزلزال.
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438
______________________________
✍ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي
Radi1444@hotmail.com