يُشكِّك البعض في دقة المعلومات المعلنة عن عدد المشاركين من القوات البرية والجوية والبحرية في مناورات «رعد الشمال» التي تقودها المملكة العربية السعودية لترسل رسالة جلية بأنها لن تسكت على ما يجري من ظلم وقتل، بل والقضاء على أهل السنة بسوريا، وإمكانية توحيد جيوش العالم الإسلامي في وجه من يريدون تمزيق دول المنطقة والقضاء على الهوية الإسلامية فيها بل وعلى الإسلام ذاته.
بينما اتضح للمتابعين أن هذا الحدث العسكري الهام في مغزاه وفي إستراتيجيته وفي رسالته القوية الموجهة لكل المعنيين من أصحب التحالفات الجائرة على الإسلام والمسلمين الذين استجلبوا العدد والعتاد للمنطقة لمحاربة الإسلام تحت ستار محاربة صنيعتهم داعش، اتضح أنه هو الأكبر من نوعه في تاريخ منطقتنا الحديث، ويشارك فيه 350.000 مقاتل و20.000 عربة عسكرية ما بين دبابة ومجنزرة و2.500 طائرة مقاتلة وحربية و460 من الهيلوكبتر المقاتلة تم حشدهم من 20 دولة إسلامية كمشاركين في تدريبات «رعد الشمال»، والتي لا تزال تجري حالياً في منطقة حفر الباطن من شمال شرق السعودية وحتى نهاية الشهر الهجري الحالي. الإعلام الغربي الذي عقدت لسانه الدهشة يحاول غض النظر والتظاهر باللامبالاة رغم لهثه أحياناً حتى لمجرد عملية إرهابية واحدة، ومع ذلك فقد تابع الإعلام الإلكتروني الغربي هذا الحدث الأضخم من نوعه في تاريخ المنطقة، فقد غطت مثلاً قناة «دن برو إتش دي» الإخبارية الأمريكية وتناولت الحدث بالتحذير الشديد مما يجرى من تدريبات رعد الشمال في مقطع فيديو موجود على الشبكة ولم تخفِ تخوفها الشديد (على إسرائيل).
الدروس والعبر مما نسمع ونشاهد عن رعد الشمال من أداء عسكري يبعث في النفوس العزة بالله وبدين الإسلام هي نفس العبرة الكبرى في يوم حنين، إذ كان المسلمون في جيش لجب كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة (... ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين)، فما النصر إلا من عند الله، وليس فقط من العدد والعدة وأنواع ودرجات التسلح وحسن التخطيط وروعة الأداء، وكل ذلك مطلوب لا محالة. ومن بين الدروس والعبر هو إمكانية اتحاد الدول المسلمة كما حصل ويحصل حالياً في الواقع الملموس من اتحاد للقوى السياسية والعسكرية بين عشرين دولة في تدريبات رعد الشمال بعد أن كاد العالم الإسلامي أن ييأس من التوحد تحت راية واحدة، هي راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.
البعض لا يزال يتخوَّف من أن المملكة ربما وضعت نفسها في المواجهة مع دول كبرى لا قِبَل للمملكة بها، وربما فات عليهم أن الحرب التفتيتية جارية على قدم وساق منذ 2003 تاريخ الغزو الأمريكي ودولها تتساقط بمعنى أو آخر، كما هو جارٍ من محاولات تقسيم العراق وسوريا واليمن وليبيا... إلخ، ومسألة أن تستهدف دول كمصر والسعودية بهذا المخطط مسألة قائمة، ما لم تستعن بالله ثم بالذات والتاريخ المجيد لهذه الأمة، وبنقل المعركة إلى موقع تواجد الأعداء بدلاً من انتظارهم، هكذا أقرأ ما تفعله المملكة من خطوات جبارة بقيادة خادم الحرمين الشريفين ملك الحزم والعزم سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وأعوانه ولي العهد وولي ولي العهد.