تنفسوا بعمق.. شهييييييق.. زفيييييير.. فكل ملذات الدنيا تقف عندما تتعثر أنفاسنا قبل أن تتشبع الرئة بما فيها من أكسجين.. وما زلنا بخير ما دامت لم تقف الحياة بعد، احتراما لعجزنا عن التنفس”.
كلمات أخيرة تركتها شاعرة العامية التي رحلت عصر أول من أمس، مستورة الأحمدي على صفحتها بالـ”فيس بوك”، معقبة وراء كلماتها 326 تعليقًا، سرعان ما تحولت إلى مرثيات على كلماتها الأخيرة، تبكيها من شعراء وشاعرات، وتكثر الدعاء لها بالرحمة والمغفرة، والسلوى لابنها وبنتها الصغيرين اللذين تركتهما ليتيتما مبكرا.
توقف عدد أصدقاء صفحة الشاعرة على الـ”فيس بوك” عند 4991 صديقاً وصديقة، ولن يزيد هذا العدد بعد اليوم، لأن من تملك كلمة السر، قد غيّبها الموت مساء أول من أمس الاثنين 3 أكتوبر 2011، إثر معاناة مع مرض مفاجئ ألمَّ بها منذ أسبوع، ولم يمهلها طويلاً ليسبق تنفيذ توجيهات أمير منطقة المدينة المنورة الأمير عبدالعزيز بن ماجد لصحة المنطقة بسرعة عرض تفاصيل حالتها الصحية، وتحديد مكان علاجها وتقديم الخدمة الطبية اللازمة لها.
ودخلت الأحمدي – معلمة اللغة العربية في إحدى مدارس المدينة المنورة – الأسبوع المنصرم في غيبوبة إثر معاناتها من التهاب في عضلة القلب وقصور في الصمامات التاجية نقلت على إثرها إلى قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد بالمدينة المنورة.
وقال شاعر العامية مجري المطيري “إنه علم من خلال رسالة عبر الفيس بوك أن الشاعرة الراحلة كانت تنوي المشاركة في الموسم الخامس لمسابقة شاعر المليون، وأنه قرأ أربعة أبيات لها، كانت أروع ما تكون”.
كانت أسرة الشاعرة قد ناشدت قبل أيام من وفاتها المسؤولين في وزارة الصحة سرعة نقلها إلى إحدى المستشفيات المتخصصة لتلقي العلاج اللازم، نظرا لحالتها الصحية الحرجة، الأمر الذي دفع الجهات المختصة إلى إصدار توجيهات بنقلها إلى مدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني في مدينة جدة لتلقي العلاج اللازم؛ إلا أن الأحمدي فارقت الحياة قبل الانتهاء من إجراءات النقل.
كانت الأحمدي التي شاركت في الدورة الرابعة من مسابقة “شاعر المليون” في أبو ظبي العام الفائت؛ نقلت مطلع الأسبوع الماضي، وهي في حالة غيبوبة إلى قسم العناية المركزة في إحدى المستشفيات الخاصة في المدينة المنورة؛ حيث لم يصل الأطباء إلى تشخيص دقيق لحالتها الصحية.
وبعد تلقيها نبأ رحيل الشاعرة مستورة الأحمدي، قالت عضوة رابطة الأديبات في منطقة المدينة المنورة، فاطمة سعد الدين لـ”الحياة”، وقد بدا عليها التأثر الشديد، إن “الأمسيات الشعرية التي كانت تحييها الشاعرة مستورة محفورة في أذهاننا، وخصوصا تلك التي نظمتها الرابطة قبل ثلاثة أشهر، وتميزت بحضور غير مسبوق”.
((عين)) أصابت شاعرة المليون
أثار رحيل شاعرة المليون مستورة الأحمدي المفاجئ، جدلا واسعاً بين المتابعين، وأرجعت المصادر فشل الأطباء في تشخيص حالتها ربما لإصابتها بالعين عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن: «العين حق تدخل الجمل القدر والرجل القبر»، وبينت مصادر مشاركة في المسابقة، أن الحال الذي آلت إليه الشاعرة سببه العين في أغلب الظن، وذلك لعدة دلالات أهمها الإطلالة القوية والثقة العالية التي ظهرت بها أثناء إلقائها الشعر، فضلاً عن عجز الأطباء في تحديد الحالة بدقة.
ووفقا ل«عـكاظ» ناقشت العين، انتشارها، وحقيقة ما حدث لمستورة الأحمدي:
مناطق شهيرة
في البداية، كشف مواطن (فضل عدم الكشف عن اسمه)، عن وجود مناطق تكثر فيها العين بشكل كبير ــ على حد قوله، مستشهدا على ذلك بقصص أبرزها: مرور رجل على ظهر حماره، ما أثار حفيظة اثنين من المعروفين بالعين حتى دخلا في تحد للنيل من الرجل، فتمكن أحدهما من إسقاطه من على دابته، بينما تمكن الآخر بعد معاودة الرجل الصعود، من إسقاط الدابة والرجل، وأيضا دخول أحدهما بسيارته الجديدة إلى مناطق تشتهر بالعين، فلما خرج إذ بسيارته في حال يرثى لها.
أهمية الذكر
وهنا أكد، عضو هيئة كبار العلماء الدكتور علي الحكمي أن وفاة الشاعرة مستورة ربما بعين صادفت الأجل، قائلا: «العين أحيانا أحد أسباب الموت»، مبيناً أن الإنسان يمكن أن يعرف في نفسه أنه عيان ـ أي يصيب غيره بالعين، مشيرا إلى أن ذلك يتضح من خلال التجربة والتكرار، مضيفا: أن الإنسان لو أعجب بشيء ثم أصابه، وتكرر الأمر معه مرات عدة، وفي مواضع مختلفة، فيمكن أن يكون عيانا، محذرا في الوقت ذاته من خطورة العين، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما بال أحدكم يأتي أخاه فيسلم عليه ثم يجيء بعد ذلك فيقتله».
ونادى الحكمي إلى عدم تحرج «العائنين» من التداوي، إن اكتشفوا في أنفسهم هذا المرض، حتى لا يصيبوا الغير، موضحاً بأن العين نوع من الحسد وتمني ما عند الغير، مطالبا بذكر الله في حال رؤية ما يسر.
الأعمار بيد الله
من جهته، أكد عضو هيئة التدريس في جامعة القصيم الدكتور خالد المصلح صعوبة الجزم والإثبات بإصابة الفقيدة بالعين، ويضيف: «لا يمكن في الوقت ذاته ادعاء العصمة لأي شخص من الإصابة بهذا الداء»، أما بخصوص وفاتها فإن الأعمار بيد الله.
صاحب النعمة محسود
إلى ذلك، نوه الراقي الشرعي عمر العاطفي، بأن مستورة الأحمدي مصابة بعين قاتلة، مستشهدا بأن الإصابة في القلب نوع من العين تقتل أحيانا، مشيراً إلى أن العين يمكن أن تسبق القضاء، مستغربا تباطؤ أهلها عن رقيتها سريعا حال مكوثها في المستشفى، لافتا إلى أن الطب الحديث يعجز عن العلاج في مثل هذه الحالات، خصوصا المشكوك في تعيينها، مستغربا ممن يلجأ مباشرة إلى الطب الحديث، ولا يفكر في الرقية الشرعية حتى تضيق السبل به، وطالب بوجود رقاة في المستشفيات، يعملون ليل نهار مدى 24 ساعة، موضحاً أن القرآن ليس كما يعتقد البعض للتعبد فقط، بل هو راحة وطمأنينة وأن من هجرانه كما ذكر ابن القيم عدم الاستشفاء به.
وذكر العاطفي بأن كل ذي نعمة محسود، مفيدا بأن مستورة يشار إليها بالبنان، وبالتالي يمكن إصابتها بالحسد والعين.
وتابع: «لو عدنا إلى الخلف قليلا، وعرضت هذه المرأة على الرقيا، لربما كانت في حال أفضل بعد مشيئة الله، ذاكرا أن القرآن ليس عادة يقرأ لأجل الحسنات، بل هو سكن، رحمة، ورفعة»، مشيراً إلى مجاهرة بعض «العيّان» لمن أرادوا إصابته بالقول: «هل تريد أن أصيبك أم أصيب الجوال الذي في يدك؟» ثم يصيب الهدف مباشرة، لافتا إلى أن البعض ينفرون ممن اشتهر بالعين، ويحذرون من مصاحبته.
وقال إن هؤلاء يستطيعون إسقاط من يريدون، مشبها إياهم بالساحر، حيث إن هذا العيان تخدمه الجان من غير طلب، متطرقا في الوقت ذاته، إلى أن أكثر سرطان الثدي سببه العين.
وبين أن الجان يدخلون إلى المعيون، ومن هنا يمكن أن يقتلوا تنفيذا لما في نفس العائن، إلا أن هذه العين إن خلت من إرادة القتل، وكانت للإعجاب، فلا تؤثر كثيرا، وإنما تسبب ضيقا أو ورما، مستشهدا على ذلك بقصة الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما غضب من أحد الصحابة ثم قال: «أيعمد أحدكم أن يقتل أخاه».
مؤكدا بأن من أصاب مستورة حتما أصاب غيرها، مناديا إياه بالتقوى وأن يبارك على ما يعجبه، أي أن يقول تبارك الله، وألا يحسد الناس على ما وهبوا، ولا يزدري نعم الله عليه، كما لا ينظر إلى الناس بعين حارة.
وذكر أن الإنسان يمكن أن يصيب نفسه أو أهله وزوجته، وأحيانا بعض ماله، مطالبا بوجود جمعية مختصة بالرقاة، وقال: لو عدنا إلى حادثة مستورة رحمها الله، وقرئ عليها، لربما كانت في وضع آخر بعد قدرة الله، منوهاً بأن العين أحيانا تصيب، وخصوصا في الوقت الحالي أهل المدن والمناطق الفارهة أكثر من القرى، ذلك أن أهل المناطق النائية، يرتدون أحيانا اللباس ذاته، ووظائفهم متقاربة، مستشهداً بقصة امرأة عمرها 25 عاما، رقيت قليلا ومن أناس قد لا يكونون من أهل الخبرة، فلما وصل إليها إذا بها لا تتحرك لأنها كانت متوفاة.
العين حق
ووافق الراقي الشرعي إبراهيم الردة، فيما ذهب إليه زميله العاطفي، وقال: إذا أعجب شخص ما بشيء فأصابه، فيمكن أن يكون عيانا، نافياً معرفته للحال الذي آلت إليه مستورة، مستطرداً بالقول: «أعلم فقط أن العين حق، وهي تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر»، مطالباً كل من يعجب بشيء أن يذكر الله، مبيناً وجود أناس بإمكانهم إصابة من يريدون، كقولهم هل أصيبك أم أصيب ما في يدك، لكنه أفصح أنهم قلة، ولا يمثلون نسبة في المجتمع، وخلص إلى أن المقصر في التعلق بالله ومداومته على الأذكار، يمكن أن يصاب بالعين سريعا.
الشاعرة ريمية حصة هلال ترثي صديقتها الشاعرة مستورة
وعلقت الشاعرة حصة هلال “ريمية” على صفحة مستورة الأحمدي قائلة حول مقدمتها النثرية لكتابها والتي جاءت ككلمات وداع قائلة:
“لم نفهم قصدك يا مستورة، ظنناها كتابة وجدانية، آه ما أكبر الصدمة سامحينا.. يا مستورة، لم نفهم قصدك ولم نعرف معاناتك، رحمك الله سبحانه وتعالى وغفر لك وتقبلك بعطفه ولطفه وأسكنك جناته.. الله يرحمك.
ورثت صديقتها بقصيدة مؤثرة قائلة:
الله يعظّم في اجركم يا ابو هاني
يا صعبها يا خوي لا قلت اعزيك
ودي كلام يريّحك ما هياني
حار الكلام وعاجزة حيلتي فيك
معقول راحت مننا في ثواني
العلم فاجع والمعاني مداريك
في موتها كل الحروف تعصاني
غاض القصيد وظل دمعي يبكيّك
يرحمك يا بنت الأمل والأماني
كم ازهرن قلوب من غيمة ايديك
وكم ساق حرفك في نفوس ومحاني
واحييتِ بشعرك نفوس المهاليك
في جنة الفردوس لك في مغاني
ملايكتها طايفة من حواليك
عزاي يا مستورة الكل فاني
والا العزا يصعب على نفس ناعيك