ما برحت المملكة العربية السعودية تنادي بالتروي في معالجة الأمور عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية، وحل القضايا المستعصية في المنطقة عبر الحوار البناء والمشاورات والعلاقات الودية والإنسانية المضبوطة بالقانون الدولي.
حيث في كل أزمة تندلع في منطقتنا العربية وكل حريق يندلع تنادي المملكة، والمعروف عنها الروية والتبصر، بالتعامل مع الأزمات بالحكمة والروية والتأني وبروح الرغبة في حلها وتفادي الصراعات والصدامات والعمل من اجل إحلال السلام في منطقتنا والعالم.
بيد أن بعض القوى الخارجية والإقليمية التي تحتفظ لنفسها بأجندات تآمرية وتخريبية وجدت على ما يبدو في الخطاب السياسي السعودي لينًا يمكنها عبره تمرير أفكارها الخبيثة والاستمرار في سياسة التآمر على المملكة ودول الخليج والعرب عامة، ولم تعلم هذه القوى الخارجية الباغية أن الحلم والتروي، إنما يعكس ثقة وقوة كبيرة، ولا يعكس هوناً وضعفاً كما تريد أن ترى الأمر الذي اضطر المملكة، التي تمثل بثقلها العربي والإسلامي السد المنيع أمام كل محاولات النيل من المصالح العربية والإسلامية، إلى البحث عن الوسائل الأكثر نجاعة في مخاطبة الحاقدين والحاسدين الساعين إلى المساس بالأمن القومي العربي عامة وأمن المملكة خاصة وزعزعة أمن واستقرار الدول العربية عبر بث النعرات الطائفية وتأجيج الصراع المذهبي.
هذه المقدمة في الواقع إنما تأتي بمناسبة المناورات العسكرية الضخمة والكبيرة التي تستضيفها المملكة على أراضيها في الوقت الذي تتصاعد فيه نغمات نشاز، تذكر بعصور الاستعمار القديم، وزمن المؤامرات الكبيرة التي تعرض لها وطننا العربي.
ففي الوقت الذي تتعالى فيه صرخات الحرب والتهديد والوعيد، من أكثر من بوق أجنبي ضد العرب والمسلمين، هاهي المملكة العربية السعودية التي علمتنا على أنها صاحبة المواقف الشجاعة والحكيمة في آن واحد، تخاطب المتآمرين والإرهابيين باللغة التي يفهمونها، ألا وهي لغة القوة والسلاح.
حيث تستضيف المملكة مناورات عسكرية هي الأكبر في المنطقة، بمشاركة عشرين دولة عربية وإسلامية لتوجيه رسالة واضحة وصريحة باستعدادها للحفاظ على أمن المنطقة العربية والعالم الإسلامي.
إنها مناورات رعد الشمال، أو ما يمكن تسميته جزافًا بالقول الفصل، حيث تصل خلال الساعات القليلة المقبلة القوات المشاركة في التمرين العسكري الأهم والأكبر في تاريخ المنطقة.
وتأتي هذه المناورات التي تشارك فيها قوات جوية وبرية وبحرية، في خضم دور سعودي متزايد، شمل إعلان إرسال طائرات حربية إلى تركيا لمحاربة الإرهابيين في سورية والاستعداد للمشاركة بقوات برية للغرض نفسه.
وتشارك في المناورات إضافة إلى المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي كل من مصر وباكستان والمغرب وماليزيا والأردن، ودول أخرى منها السنغال وتشاد وتونس.
ويعد هذا التمرين الأكبر من نوعه من حيث عدد الدول المشاركة، والعتاد العسكري النوعي من أسلحة ومعدات عسكرية متنوعة ومتطورة منها طائرات مقاتلة وأجهزة وتقنيات عسكرية دقيقة، فضلاً عن مشاركة واسعة من سلاح المدفعية والدبابات والمشاة ومنظومات الدفاع الجوي، والقوات البحرية، في محاكاة لأعلى درجات التأهب القصوى للجيوش المشاركة.
إنها رسالة سعودية واضحة، مفادها لكل من يقرأ السياسة جيداً أن المملكة وأشقاءها وإخوانها وأصدقاءها من الدول المشاركة تقف صفاً واحداً لمواجهة كافة التحديات والحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، والتأكيد على أهمية محاربة الإرهاب والداعمين له بكل الوسائل المتاحة.
وتأتي المناورات العسكرية قبل اجتماع يرجح عقده نهاية مارس، هو الأول للتحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب الذي أعلنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع تشكيله في ديسمبر، ويضم خمسة وثلاثين دولة، ويراد منه أن يكون الدرع الحقيقية لحماية المصالح العربية والإسلامية.
إنها رسالة سعودية جديدة تؤكد للقريب والغريب والقاصي والداني، أن رغبة المملكة بالحوار والسلام، لا تعكس ضعفاً بمقدار ما تبرهن على قوة وثقة بالنفس، وان المملكة الحريصة على السلام ومصالحها والمصالح العربية القومية والإسلامية، قادرة عند اللزوم على حماية مصالحها القومية بالقوة، ولذلك تقول الآن للمتربصين: لقد بلغ السيل الزبى واحذروا الحليم إذا غضب.