ركزت جلسات ملتقى الجمعية التاريخية السعودية في نسخته السادسة عشرة التي أقيمت في مقر جامعة الحدود الشمالية على مدى يومين برعاية الأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز بن مساعد أمير منطقة الحدود الشمالية، على الوثائق والموضوعات المهتمة بتاريخ منطقة الحدود الشمالية تحت عنوان: “تاريخ وحضارة مناطق شمال السعودية” بإشراف ومتابعة من الدكتور سعيد آل عمر مدير جامعة الحدود الشمالية الذي أكد أهمية الملتقى التاريخي لضمه الموضوعات التاريخية الخاصة بمنطقة الحدود الشمالية بحضور عدد من الأكاديميين والمهتمين بتاريخ منطقة الحدود الشمالية، الجوف، وتبوك.
وناقشت أوراق العمل في الملتقى العصور المختلفة عن المنطقة الشمالية، حيث سُجلت بحوث في التاريخ القديم، والتاريخ الإسلامي، والتاريخ الحديث والمعاصر.
وسجل الملتقى تنوعا في مصادر الأوراق البحثية بين مصادر محلية، وكتب الرحالة والرحلات، ووثائق الأرشيفات كالأرشيف العثماني والفرنسي، فبرزت البحوث المعتمدة على كتب الرحالة باعتبارها من أهم مصادر تاريخ الجزيرة العربية، على اعتبار أن الرحالة الغربيين سجلوا تفاصيل دقيقة عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أيضا.
واعتمد بحث الدكتور صالح السنيدي الذي حمل عنوان “مشروع عباس باشا في شمالي الجزيرة العربية لإيجاد تحالف عربي ضد الغرب عام 1264هــ/1848 من منظور وليم بلجريف”، على مذكرات الرحالة وليم جيفور بلجريف، حيث عرف بسيرته والهدف من رحلته، ثم تطرق لعباس باشا وعلاقته بالدولة السعودية الثانية.
في حين ركز بحث الدكتور نايف الشراري: “رحلة الدكتور ماكس رايش عبر الحدود الشمالية خلال منتصف القرن العشرين”، على الرحالة النمساوي ماكس رايش في كتابه المعنون بـ “ملك في المشرق رحلة إلى السعودية”، حيث تعود أهمية هذه الرحلة في مقابلة الملك سعود بن عبد العزيز، إذ كان خط سير الرحلة مبتدئا من لبنان حتى وصل إلى السعودية، متتبعا في ذلك لخط التابلاين، فقدم معلومات جيدة حول الخط وانتعاش المنطقة حتى أنها أصبحت محط أنظار التجار والحرفيين، وتحدث عن منفذ طريف والجمارك، وسكانها وقدم وصفا كاملا عن ملبسهم، وسكنهم، والمنتمين للعمل في الشركة، والعقود المبرمة وعن محطة بدنة، وعن محافظها محمد بن أحمد السديري، إضافة إلى إلقاء الضوء عن الحياة الفطرية، والطب الشعبي وكيفية التداوي في المنطقة.
وطرحت بعد ذلك الدكتورة مها اليزيدي بحثا بعنوان “الجوف من خلال رحلة جورج أوغست فالين عام 1261هـ/1845″، جورج أوغست فالين عرف بفالين العربي وغير اسمه إلى عبد الولي بعد إعلان إسلامه، ويعد أول رحالة زار المنطقة الشمالية، الذي تطرق كعادة كتب الرحالة إلى الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وقدم وصفا لدومة الجندل وسكاكا، وجاء البحث الأخير للدكتور خالد حسين محمود الذي حمل عنوان “كاف على ضوء كتابات الرحالة الغربيين خلال القرن التاسع عشر”.
وجاءت أبرز البحوث التي وجهت أنظار الباحثين لأهم الوثائق في الأرشيفات العالمية التي تطرقت لمنطقة شمال السعودية، لما لها من قيمة علمية دقيقة، هما بحث الدكتور سهيل صابان بعنوان “التوعية الدينية الحكومية للرولة في وثائق الأرشيف العثماني عام 1329هــ/1911″، وبحث الدكتور محمد خير البقاعي بعنوان “منطقة الجوف إبان حكم الملك عبد العزيز في الوثائق الفرنسية”.
وتنوعت الموضوعات المطروحة بين موضوعات اقتصادية تناولت أهمية مشروع خط التابلاين اقتصاديا واجتماعيا، الذي أسس بعد الحرب العالمية الثانية لضرورة إنشاء خط أنابيب يربط شرق المملكة العربية السعودية بالبحر المتوسط لتسهيل وصول النفط إلى أوروبا، كورقة بحث محمد العبد اللطيف بعنوان “خط التابلاين وأثره في تنمية الحدود الشمالية”، وورقة بحث مطر العنزي بعنوان “التابلاين وبداية التحول الاقتصادي في منطقة الحدود الشمالية”، بجانب تقديم بحوث تطرقت للحياة الاقتصادية في الجوف كورقة الدكتور خليف الشمري بعنوان “الحياة الاقتصادية في الجوف خلال القرن التاسع عشر الميلادي”، وورقة الدكتورة نورة التويجري بعنوان “الأهمية التاريخية والاقتصادية لمدينة عرعر”، وغيرها من البحوث. ولم يخل الملتقى من التطرق لموضوع التعليم ومن أبرزها ما طرحه الدكتور محمد النعيم بعنوان “بدايات التعليم النظامي الحكومي في الحدود الشمالية”.
وذكر الشخصيات الوطنية المؤثرة لم تغب عن هذا الملتقى فقدم الدكتور خليفة المسعود ورقة بعنوان “الأمير عساف بن حسين العساف ودوره في تثبيت حكم الملك عبد العزيز للجوف عام 1340هـ/1922″، وقد تطرق لحنكة الأمير في ضم الجوف دون إراقة الدماء، وبعدها طرح الدكتور علي المهيدب بحثه بعنوان “محمد بن أحمد السديري ودوره كأمير للجوف والحدود الشمالية”، وقد عين الأمير محمد بن أحمد السديري أميرا على المنطقة منذ عام 1357هــ/1938 لمدة سبع سنوات، وبعدها طرح الدكتور عبد الرحمن العجلان بحثا بعنوان “قاضي الجوف الشيخ فيصل آل مبارك وأثره في المنطقة”، ومن أهم أعماله سعيه الدائم لفتح المدارس لتعليم الطلاب.
بعد ذلك خصصت ندوة بعنوان الأمير الراحل عبد الله بن عبد العزيز بن مساعد آل سعود، شارك فيها كوكبة من الأساتذة المهتمين كالدكتور عبد اللطيف الحميد، والدكتور نايف الشراري والدكتور خليف الشمري، والدكتورة سلطانة الرويلي، وقدموا معلومات قيمة حول سيرة الأمير، وأعماله، وقصصا مؤثرة من حياته.