جاب الجزيرة العربية في القرون الماضية المئات من الرحالة الغربيين، والذين تختلف أهداف رحلاتهم ودوافعها من واحد إلى آخر. وقد يكون الرحالة والمستشرق التشيكوسلوفاكي ألويس موزل، أهم رحالة غربي من الناحية العلمية وطأت قدماه شمالي الجزيرة العربية، ومؤلفاته الكثيرة والعميقة عن هذه المنطقة وقبائلها وتاريخها أكبر دليل على ذلك، فهي تتميز بالشمول، والتنوع، وغزارة المعلومات، والريادة في كثير من جوانب المعرفة.
ولد ألويس موزل عام 1868، وأجاد اللغة العربية، ومارس الحياة الأكاديمية في جامعة تشارلز، في براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا سابقا، والتشيك حاليا، واستوعب كل ما كتب عن تاريخ وأحوال المناطق الواقعة شمال نجد، والأردن وبادية الشام والفرات الأوسط. حظي موزل بكثير من المساعدات من قيادة الجيش الألماني، ومن الحكومات التركية والنمساوية، وهذه المساعدات مكنته من دراسة شؤون القبائل والأحوال الطبيعية في القسم الشمالي من جزيرة العرب، كما قام بتصوير بعض الأماكن المهمة ورسم خرائط دقيقة لها، وقد عمل جاهدا لكسب ود رؤساء القبائل، ودفعهم للتعاون مع العثمانيين والألمان، فقد كانت رحلته ذات هدفين: علمي وسياسي.
ارتحل موزل رحلات عديدة امتدت لأكثر من 20 عاما، كانت الرحلة الأولى ما بين عامي 1896 و1902، للتنقيب في البتراء وأطراف الحجاز الشمالية، واكتشف بعض القصور التي تعود إلى أوائل العهود الإسلامية، أما الرحلة الثانية فكانت ما بين عامي 1908 و1909 إلى بادية الشام وتدمر، وأتبعها برحلة ثالثة ارتاد فيها الأطراف الشمالية من الحجاز، ثم عاد في عام 1912م ليرتاد المنطقة الممتدة من شرق تدمر إلى أواسط الفرات، أما رحلته الأخيرة فكانت في صحراء النفوذ والدهناء، ما بين عامي 1914 و1915.
إن هذه الرحلات الميدانية عززت قدرته على الربط بين الماضي والحاضر. والتعامل مع البيئة العربية بأبعادها البشرية والنباتية والحيوانية مع الاهتمام بالمعالم الطبوغرافية والآثار. وقد تميز موزل بالاستقامة والأمانة والإخلاص وتحري الدقة في كل ما كتب، مع سعة الأفق وعمق التفكير وشمول المعرفة، ما جعل آثاره ومؤلفاته مصادر موثوقة وصادقة عن دراسة تاريخ وأحوال العرب.
قامت الجمعية الجغرافية الأمريكية بطبع كتبه بالإنجليزية في نيويورك ما بين عامي 1926 و1928، ضمن سلسلة الاكتشافات والدراسات الشرقية في طباعة فاخرة مزينة بالصور والرسوم والمخططات، وهي تتضمن رحلات موزل، وقد جاءت على النحو الآتي:
1 – شمال الحجاز.
2 – العربية الصحراوية.
3 – الفرات الأوسط.
4 – بادية تدمر.
5 – شمال نجد.
6 – أخلاق الرولة وعاداتهم.
وكل هذه الكتب تجري على نسق واحد، يخصص القسم الأول منها لوصف المنطقة التي يبحثها وصفا دقيقا مستوعبا، ويورد في القسم الثاني المعلومات التاريخية لبعض المواضع الواقعة في المنطقة التي يدرسها، فيورد جميع ما يتيسر من المعلومات المذكورة في النقوش البابلية والآشورية والكلدانية، وما في كتب الإغريق والرومان والآراميين والسريان، ثم ما في الكتب الجغرافية والتاريخية العربية المؤلفة في عهود الازدهار الإسلامي، ثم يعقب ذاك بما ذكره الرحالة المحدثون.
وكان موزل يجيد التحدث بلهجة البدو، ويعرف الكثير عن أحوالهم، وقد استطاع أن يعيش ويتنقل كواحد منهم، فتوثقت عرى الصداقة بينه وبين بعض شيوخ القبائل منهم: النوري بن شعلان، الذي تآخى مع موزل واعتبره من الرولة فصار يعرف باسم موسى الرويلي. كان موزل يرحل وينزل مع الرولة ويتحمل خشونة العيش البدوي، وعندما تنصب القبيلة خيامها ينكب على البحث والتأليف وتدوين المشاهدات، ورسم الخرائط والمناظر، وأحوال الناس والعادات والتقاليد.
كان ألويس موزل يكن للرولة جل الاحترام، فكم من مرة تدخل لإخراج بعضهم من السجون العثمانية، وكان ينصح الرولة وعموم القبائل بأن يصوبوا بنادقهم إلى الإنجليز بدلا من استخدامها في الحروب العشائرية، وضد العثمانيين، ذلك أنه مندوب للعثمانيين والألمان. وفي آخر مهمة رسمية له جاء موزل إلى دمشق في عامي 1914 و1915 فوجد الشيخ نوري الشعلان معتقلا في سجن الضمير قرب دمشق، فتوسط له لدى العثمانيين وأخرجه من السجن، فتعاهدا على الحرب ضد الإنجليز ولكن الشيخ نوري بن شعلان كان يحن إلى البادية، ويريد الابتعاد عن مسرح الأحداث الحربية، فرحل ملتحقا بجماعته في الحماد بعيدا عن مواطن الصراعات، وعندما علم موزل بذلك تبعه بقافلة طافت طويلا في الصحراء، حتى وجدت مضارب الرولة فحل ضيفا على النوري.
قصيدة نبطية في مدح موزل
للشيخ النوري بن شعلان قصيدة في مدح ألويس موزل، يبدي فيها إعجابه بهذا المستشرق، وهناك قصيدة أخرى لشاعر نبطي يمدح موزل أيضا، يتضح منها التقدير الكبير له، والإعجاب بثقافته ومعارفه، يقول فيها:
ابدى بذكر الله على كل نيه
رب كريم عالم بالخفيات
يا راكب من فوق حمرا ثنيه
حره هميمة من ركاب الشرارات
ماسامها الشراي بعداد ميه
ولا نوخت للشيل دوم معفاة
مرباعها بأطراف نجد العذية
ترعى زهر نوار ورد الذوابات
فوقه شداد والميارك زهية
وسفايفه لب البريسم حليات
ويمضي فيها إلى أن يقول في مدح موزل:
قل حر لفى من عندكم له نويه
نجم شبيه سهيل مابه غبارات
باج البلاد العامرة والخليه
بعقل رجيح ما يهاب العسيرات
الشيخ موسى اللي علومه شفيه
حافظ علوم من دهور مزمنات
ما جابت الخفرات مثله حليه
ولا له شبيه (في) شيوخ البداوات
حاكم وزير عارف كل شيه
ولا له مثيل كود أبازيد بصفات
حلو المثايل (والكفوف) السخيه
شبيه حاتم ما يهاب الخسارات
سنه ضحوك وجرعته باسليه
فرز القناصل والمشاور صعيبات
ليث غضنفر ما يداني الرديه
درعا حسينا يذخرونه لعازات
وإن يسر المولى وزانت النيه
لازم يجيكم بعلوم مثمنات
علوم البوادي وحضرها والرعيه
ديار الرولة فدعان وأرض العمارات
وديار نجد والفروع الخليه
مع ديرة الصوان وأرض الحويطات
هذي أفعال اللي خصاله وفيه
كنز الفخر بحر الندى والمروات
[RIGHT][/RIGHT]
[RIGHT][/RIGHT]