قدم الشيخ عماد المحمد في خطبة اليوم الجمعة في جامع المريزيق التعازي في وفاة مؤذن الجامع منذ اكثر من ثلاثين عاماً المؤذن عبدالله الوردي حيث بدأ خطبته قائلاً الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة إقرار به وتوحيدا ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا ، أما بعد عباد الله :
أحسن الله عز وجل عزائي وعزاءكم وعظم الله أجري وأجركم في فقيدنا وحبيبنا الغالي مؤذن هذا الجامع لعشرات السنين غفر الله له ورحمه وتجاوز عنه ورضي عليه وتقبله في واسع رحمته وجزيل عطائه وكريم نزله وفسيح جنته ، عظم الله أجري وأجركم وأحسن الله عزائي وعزاءكم وألهمني وإياكم وذويه حسن الصبر والاحتساب وأكرمني وإياكم وذويه بكريم الأجر والثواب ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، والحمد لله في كل حال
وبعد عباد الله :
حكماء هذه الدنيا وعقلائها كانوا ومازالوا يشبهون هذه الحياة بالمزارع يزرع الناس فيها مايؤملون حصاده في الآخرة وبعقيدة عندهم ويقين يفوز في ذلك المتقون ، ويخسر فيها الغافلون ،
ياعباد الله : وحكماء هذه الدنيا وعقلائها بعقيدتهم ويقينهم هذا كانوا يجزمون ومازالوا بأن هذه الدنيا لم تُخلْق للبقاء والاستمرار والأبدية بل هي عندهم ممر عابر واعتبار ، الرابح من أصلح زرعه فيها ، والخاسر من فسدت ثماره وبار فيها زرعه ،
ولا يجرؤ ياعباد الله جميع من أعرف من البشر ومن لا أعرف أن يدعي بأن الموت لن يصل إليه ، أو أن يكابر في حقيقة الزوال والارتحال ، وفي ديننا العظيم ” وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإئن مت فهم الخالدون ” ، ليبقى البقاء أبدا لله الواحد الأحد القهار ، ” يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ” بهذا قد سدد لسان من نظم :
تزود من التقوى فإنك لا تدري ** إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجـر
فكـم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا ** وقد نسجت أكفانه وهو لا يـدري
وفي المحصلة ياعباد الله :
فمن عـاش ألفـا وألفيـن إنـه ** لابـد من يـوم يسـير إلى القبر
ياعباد الله : لم يعد في المقام مقال إلا أن الله عز وجل قد كتب الفناء على كل شيء وحكم على الحياة والأحياء بذلك ” كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ” ، وأنه سبحانه وتعالى قد حكم بالموت على كل حي إلاه ” كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ” ، وأنه سبحانه وتعالى قد حكم على كل نفس أن تشرب المنون إن سائغا وإن مريرا لا فرق إن صغيرا كان أو كبيرا ، ملكا أو حقيرا ، وزيرا أو وضيعا ، غنيا أو فقيرا ، صحيحا أو سقيما ، ثم في الخاتمة قد حكم سبحانه وتعالى على عبده أن لا يدري متى يفجؤه الأجل ،
وتأريخ البشرية ياعباد الله حافل في المواعظ والأحداث المؤثرة إن بصالحيها وإن بمن دونهم ، وَمِمَّا سجله التأريخ في ذلك أن الإمام المزني قد دخل على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه رحمهما الله جميعا فقال له : كيف أصبحت يا أبا عبدالله ، فقال الشافعي : أصبحت من الدنيا راحلا ، وللإخوان مفارقا ، ولسوء عملي ملاقيا ، ولكأس المنية شاربا ، وعلى الله واردا ، ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها ؟ ، أم إلى النار فأعزيها ،
ياعباد الله : ومن أوعظ ماسجله تأريخ المسلمين في ذلك ما جاء في الأثر عن معاوية رضي الله عنه أنه أمر من حوله فأجلسوه ، فجعل يذكر الله عز وجل ثم بكى وقال : الآن يا معاوية ؟!، الآن جئت تذكر ربك بعد الانحطام والانهدام ، أما كان هذا وغض الشباب نضر ريان ، ثم بكى وقال : يا رب ، يا رب ، ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي ، اللهم أقل العثرة واغفر الزلة ، وجد بحلمك على من لم يرج غيرك ولا وثق بأحد سواك ، ثم فاضت روحه رضي الله عنه ،
ياعباد الله : ومن أوعظ ماسجله التأريخ أن الخليفة المأمون حين حضره الموت أمر من حوله أن ينزلوه عن السرير للأرض ، فوضع خده على التراب وجعل يقول : يا من لا يزول ملكه ، ارحم من زال ملكه ، يامن لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه ،
ياعباد الله : ومن السير العظيمة في تأريخ المسلمين والكون مارواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في شأن موت أبيه عمر بن الخطاب خليفة المسلمين المبشر من ربه بالجنة قال عبدالله بن عمر : كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه ، فقال لي : ضع رأسي على الأرض ، فقلت له ياأبي : ما عليك أكان على الأرض أو كان على فخذي ! فقال عمر : لا أم لك , ضعه على الأرض ، يقول عبدالله : فوضعت رأسه على الأرض ، فإذا به يقول : ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي عز و جل ، ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي عز وجل ،
ياعباد الله : وَمِمَّا سجله التأريخ في أعطر وأعظم سير الحياة وأروعها ماجاء في الأثر عن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه بأنه لما حضرته الوفاة جمع أبناءه وقال لهم : يا بني إني قد تركت لكم خيراً كثيراً ، لا تمرون بأحد من المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقاً – يعني أن الذي تركه لهم وعليهم ليس مالا ولا طين وإنما إيمان ودين – يا بني إني قد خيرت بين أمرين – يعني في حياتي ودنياي – إما أن تستغنوا وأدخل النار أو أن تفتقروا وأدخل الجنة فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي ثم قال : قوموا عصمكم الله ، قوموا رزقكم الله ، قوموا عني ، فإني أرى خلقاً ما يزدادون إلا كثرة ما هم بجن ولا إنس – قال مسلمة – : فقمنا وتركناه ، وتنحينا عنه ، فسمعنا قائلاً يقول : ” تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ” ، ثم خفت الصوت ، فقمنا فدخلنا ، فإذا هو ميت مغمض مسجى ، : ” ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ”
ياعباد الله : لهذا وذاك وبهذه وتلك لم يغفل الصالحون يوما عن الموت ، لم تلههم الدنيا وصروفها عن الاستعداد له ، أقاموا الواجبات ولم يقعوا في السيئات ، أدوا ما عليهم من حقوق الناس ولم يقعوا في الظلم والبهتان والتعدي ،
سعوا في حوائج الخلق ماقدروا ولم ينتهكوا حرمة في مال ولا عرض ولا نفس ، أعانوا وأسعدوا غيرهم ما قدروا ولم يؤذوا جارا ولا غريبا ولا ضعيفا ولا بائسا ولا منكسرا ولا زوجة ولا ولدا ولا صديقا ولا عشيرا ولا قريبا ولا بعيدا ، مشوا في مناكب الحياة كما أمرهم الله وأكلوا من رزقه كما شرع لهم الله لكنهم لم ينسوا الموت يوما ، وما أهدروا حياتهم لهواً ولا لعباً ، وما جعلوا حبهم للمال والجاه والمنصب جما ، بل كان الموت دائما يخطر على بال الصالحين ، و هادم اللذات واعظ بين أعينهم ، ومفرق الجماعات لا يفارق ناظريهم ولا عقولهم ولا قلوبهم ولا أفهامهم ولا تنظيرهم ،
فلله در كل من حاسب نفسه قبل أن يحاسب ووزن عمله قبل أن يوزن ،
لله در الصالحين حين تركوا بصماتهم في هذه الحياة أثرا يعقبهم وشاهد يشهد لهم ، فهذا في حكمه وملكه وإمارته وإدارته قد بلغ الثريا في عدله ، وهذا في بره بأمه وأبيه وصلته في رحمه وذويه وإحسانه في عشرته ومعاشرته وخفظه الجناح للناس في تعاملاته قد سامى النجم في علوه توفيقا وصلاحا ، وهذا في دعوته لله عز وجل وعلمه وتعليمه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر قد عالى المعالي بفضله وبذله وعطائه ،
وهذا في عبادته وإخباته وخشوعه وقيامه الليل ودموعه وصيامه النهار وسلوكه قد ملأ الفضاء روعة وجمالا وعظمة ،
وهذا في أذانه ورعايته بيت الله وصيانته وحفظه حق الله فيه وإجلاله قد طاول بعنقه الأعناق وفاق في فضله وفضيلته الآفاق وأضفى بعبق ذكره ورجيع صوته روحا وسمتا وخشوعا تزين به الفضاء واستغفر به الحجر والشجر والحيوان وكل من دب ،
ومن أجمل مايقال في ذلك ياعباد الله : أن عائشة رضي الله عنها لما سمعت قول الله تعالى ” ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ” قالت : هذه الآية نزلت في المؤذنين ، وفي الحديث ” فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن لا جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ” ، وعند أبي سعيد ” لا يسمع صوته لا شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا إنس إلا شهد له ” ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس ” وفي حديث البراء بن عازب ” المؤذن يغفر له مدى صوته ويصدقه كل من سمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من صلى معه ” وفي حديث معاوية رضي الله عنه ( المؤذنون اطوال الناس أعناقاً يوم القيامة ” وفي حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه ” إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم لذكر الله تعالى ”
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة ”
أسأل الله عز وجل بكرمه ومنه وفضله أن يجعل فقيدنا وحبيبنا مؤذن هذا الجامع لنحو أربعين سنه ممن وجبت لهم الجنة وتنعم بفضله وكرمه وجوده ونعيمه ،
اللهم ارحمه واغفر له وتجاوز عنه ، ولا حرمني الله وإياكم الأجر والنجاة ،،،
أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الكريم الرحمن الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله وحده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،
أما بعد عباد الله :
الخلق مرجعهم جميعا إلى الله عز وجل تلك سنته فيهم وقدره عليهم ، والقدم على النار لا تقوى فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني ” ، فلا يكن نصيبنا ياعباد الله مما علمنا أن يلهينا التكاثر حتى نزور المقابر ،
العود ياعباد الله إلى الله أحمد ، والفرار إليه خير ملاذ وزاد ومأمن ،
ثم اعلموا يرحمكم الله أن الله عز وجل قد أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائل عَلِيما ” إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ”
[SITECODE=”youtube 0YxQlgAYiZE”]https://www.youtube.com/watch?v=0YxQlgAYiZE&feature=youtu.be[/SITECODE]
22 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓