تحدث فضيلة الشيخ فيصل بن محمد البغيل رئيس المحكمة العامه بطريف وامام وخطيب جامع الراجحي اليوم الجمعة الموافق ٦ / ١ / ١٤٣٨ هـ في خطبة الجمعة عن الأزمة الاقتصادية التي طافت على العالم فتأثر بها الكبير والصغير وعن القرارات الأخيرة التي أتخذتها حكومتنا الرشيدة خلال الفترة الماضية مؤكداً أن ما يحدث الآن هو حرب إقتصادية لحفظ مكانة بلد الحرمين في مقدمة الدول .
إليكم الخطبة :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين فجزاه الله عنا أمة الإسلام بخير ما جزى به نبيا عن قومه ورسولاً عن أمته وبعد عباد الله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد:
إخوة الإسلام … كلنا شعر بما عصف بالعالم من أزمة اقتصادية طافت على العالم فتأثر بها الكبير والصغير … والغني والمعدم وأفلست على إثره دول وشركات ضخمة عملاقة لهم من الأموال ما الله به عليم.
وكما أن هذه البلد في وقتنا الحاضر تخوض حربا في اليمن فإنها في ذات الوقت تخوض حربا أخرى .. لا عدة ولا عتاد فيها ولا طائرات ولا دبابات إنها حرب اقتصادية لحفظ مكانة بلد الحرمين في مقدمة الدول فالجانب الاقتصادي من أهم الجوانب في رفعت الشعوب وعلو شئنها …
وقد طرق أسماعنا جميعا القراراتُ الأخيرة التي جاءت لتوفير الهدر الحكومي فطال ذلك شريحة كبيرة من المواطنين فضاقت صدورهم … ولا عيب في ذلك لأن حب المال فطرة… و من المعلومِ بَداهةً أنَّ المالَ قِوامُ الحياةِ وزِينتُها، والنّاسُ يستقبِلون صباحَهم في كلِّ يومٍ وشؤونُ الرّزق مستولِيةٌ على أفئدتهم، مُستحوِذةٌ على أفكارِهم، المُقِلُّ منهم يريدُ سَعَةً، والموسِع يُريدُ مَزيدًا، فإمّا غنيٌّ فيه طمَع، أو فقيرٌ عنده قَلقٌ، وقَليلٌ مَن هم بَين ذلك.
يامن ضاق صدرك اطمئن فإن أمرك إلى خير بإذن الله واسمع إلى قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سرّاء شكر ؛ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر ؛ فكان خيراً له) . رواه مسلم .
إن القرارات التي صدرت هي قرارات طبيعية ومتوقعة في ظل انخفاض أسعار النفط وما تخوضها المملكة من حروب وتحديات … إضافة إلى كونها الدولة القائدة للدول الإسلامية مما يزيد من مسؤولياتها تجاه اخوتنا المسلمين في كل العالم…
أيها المسلم اعلم أن هذا ابتلاء لك من الله فكن من الصابرين ثم أعلم أن هذه القرارات في صالح أبنائك من بعدك مما يجدر بنا جميعا أن نجعل نظرتنا بعيدة ومتفائلة لغد مشرق ولمزيد من الازدهار لنا جميعا بعون الله…
أما من ناحية حياتك الواقعية فلابد أن يكون المسلم واعيا في إدارته المالية لنفسه وبيته وأن يقتصد حتى لا يتأثر ويلجئ إلى الدين والضيق… وأول ما تبدأ به أهل بيتك فمن الحكمة إشراك الزوجة والأبناء في هذا العبء ليتفهم الجميع التغير الطارئ على مدخول الأسرة ويكونوا خير معينين لك في ظرفك .
واحذر من التكمل بالكماليات كالسفر ونحوه إلا بعد تأمين الضرويات من مسكن وملبس ومأكل وغير ذلك.
والحذر الحذر من أن يجرك ضيق المال إلى الحرام كالربا وبيع المحرمات من الدخان أو غيره فإن الرزق بيد الله فطبيعة النفس أنها لا تشبع ولن تشبع من المال قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: ((لو كان لابنِ آدَم واديان من مالٍ لابتغَى واديًا ثالثًا، ولا يملأُ جوفَ ابنِ آدم إلا الترابُ، ويتوبُ الله على من تاب)) فكن يا رعاك الله ممن سلم فإن لم تكن كذلك فكن ممن تاب فلا تعلم من تغرر الروح وتُسلم إلى ربها.
ولتعلم أن الرزق بيد الله تعالى فقد يبارك الله بالقليل ويمحق بركة الكثير فلا تكن ماديا لا يؤمن إلا بلغة الأرقام بل علق القلب بالله تعالى فإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
وعجيب أمر بعضال ممن أخلدَت نفسُهم إلى الراحةِ، وآثَروا الدَّعَة، وجلسَ في بيتِه، لا يهُشُّ ولا ينُشُّ، ينتظِر السماءَ أن تُمطِر ذهبًا أو فضّة، والواقع ـ عباد الله ـ أنه قِناعٌ وتواكُل، وليس قناعةً وتوكُّلاً. والغِرُّ مِن هؤلاء مَن إذا حاجَجتَه قال لك: ألم تسمَع قولَ النبيّ : ((لو أنّكم تتوكَّلون على الله حقَّ توكُّلِه لرزقكم كما يرزُق الطيرَ؛ تغدو خِماصًا وتروحُ بِطانًا)) رواه أحمد والترمذي؟! فانظروا ـ يا رعاكم الله ـ إلى استدلال القَعَدةِ من المتواكلين، كيفَ أخذوا من الحديث توكُّلَ الطير، ولم يأخذوا منه غُدوَّها ورواحَها.
لقد ظُلمَت القناعةَ، فحسِبوها الرضَا بالدُّون، فضعُفَت الهِمَم عَن طلب معالي الأمورِ، وقد رأى الفاروقُ رضي الله عنه قومًا قابعين في رُكن المسجد بعدَ صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المُتوَكِّلون على الله، فعَلاهم عمر رضي الله عنه بدِرَّته ونَهَرَهم، وقال: لا يَقعُدنَّ أحدُكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِمَ أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضّة، وإن الله يقول: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة: 10]. وكان سفيانُ الثوريّ رحمه الله يمُرُّ ببعض الناس وهم جلوسٌ بالمسجدِ الحرام، فيقول: ما يُجلِسُكم؟ قالوا: فما نصنَع؟! قال: اطلُبوا من فضلِ الله، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين.
إنَّ المسلمَ السعيدَ هو الذي تعتدِل أمامَه مَسالكُ الحياةِ في طلبِ الرزق، فيعمَل ويَكسِب الكسبَ الحلال الطيب؛ إذِ المسلم ليس درويشًا في مُعتَكَف أو راهبًا في دَيْر لا عملَ له ولا كَسب؛ لأنّ الإسلام لا يعرف المؤمنَ إلا كادحًا عاملاً في هذه الحياة، آخِذًا منها، مُعطِيًا لها
إخوة الإسلام إن الرزق واسع لكن القعود والكسل يغيب العقول ولننظر إلى شيءٍ من مطالبِ الرزق على وجه التدبُّر واستحضار حكمة اللطيف الخبير فيها؛ لنجدَ أنّ منَ الناس من لم يُكتَب له رزقُه إلاّ في أعماقِ البحار كالغوَّاصين، أو بين السماء والأرض كالطيَّارين ، أو تحت الأرض يجِدون لقمَة عيشِهم في كسرِ صخر صلدٍ كأصحاب المناجم. والعجبُ كلّ العجب فيمن رزقُه كامِنٌ بين فكَّي الأسودِ وهو مُروِّضُها، أو بين أنيابِ الفِيَلة وخراطيمها وهو يسُوسُها… فلو تأمل المتأمل كيف أبدع فئام من الناس في كسب المعايش لعلم أن الرزق موجود وأن البطالة وهم وأن السؤال مرض قال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة (( اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَلَا أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ اشْتَرِ بِبَعْضِهَا طَعَامًا وَبِبَعْضِهَا ثَوْبًا ثُمَّ قَالَ هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ )) (سنن ابن ماجة)
اللهم ارزقنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك
أقول قولي هذا واستغفر لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه جواد كريم
– الخطبة الثانية
الحمد على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد لا إله إلا الله الداعي رضوانه وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وبعد عباد الله:
فاعلموا أنَّ الإسلامَ دينُ وسطٍ بين الغالي والجافي والمُفرِط والمُفرِّط، فهو يأمر بطلب الرزق، ويحضُّ على السعيِ فيه، وفي الوقتِ نفسِه يذُمُّ القعودَ عنه والإخلادَ إلى الاتِّكال وتكفُّف الغير، ولقد قال النبيُّ : ((اليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى)) رواه الشيخان
واعلموا أن للرزق أسباب بركة وأبواب خير ووسائل معونة إلى المطعم الحلال الطيب ومن ذلك أوجز لكم عشرا:
وأولاها: الاستغفار والتوبة، قال الله تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ﴾ [نوح: 10-12].
ثانياً: التوكل على الله وحده، روى الإمام أحمد والترمذي وغيره، بسند صحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)).
ثالثاً: عبادة الله، والتفرغ لها، والاعتناء بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللَّهَ تعالى يقولُ يا ابنَ آدمَ: تفرَّغْ لعبادتي أملأْ صدرَكَ غنًى وأسدَّ فقرَكَ وإن لا تفعَل ملأتُ يديْكَ شغلاً، ولم أسدَّ فقرَكَ)).
رابعاً: ومن أسباب الرزق، المتابعة بين الحج والعمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ، فإنَّهُما ينفيانِ الفقرَ والذُّنوبَ، كما ينفِي الكيرُ خبثَ الحديدِ)) صحيح.
خامساً: صلة الرحم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحبَّ أن يبسُطَ لَه في رزقِه، ويُنسَأَ لَه في أثَرِه، فليَصِلْ رَحِمَهُ )) رواه البخاري.
سادساً: الإنفاق في سبيل الله، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]. وقال الله تعالى في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم أنفِقْ أُنفِقُ عليك)).
سابعاً: إقامة الصلاة يقول الله تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].
ثامناً: شكر الله على كثير نعمه قال تعالى: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].
تاسعاً: أكل المال الحلال فالله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا..
عاشراً: التبكير في طلب الرزق فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (اللهمَّ بارِكْ لِأُمَّتي في بُكُورِها. وكان إذا بعثَ سَرِيَّةً أوْ جَيْشًا بعثَهُمْ من أولِ النَّهارِ.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث اللهم اصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك.
اللهم نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه ومالم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه ومالم نعلم.
اللهم اعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا واكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا.
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.
اللهم اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ولا تجعل لكافر علينا يدا.
اللهم آمنا في أوطاننا واحفظ اللهم أولات أمورنا ووفق بالحق إمامنا وولي أمرنا.
اللهم اكف المسلمين كيد الكفار ومكر الفجار وشر الأشرار وشر طوارق الليل والنهار يا عزيز يا غفار.
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
2 pings