
لم تفقد حملة الكشف عن الشهادات الوهمية بريقها منذ انطلاقتها في العام 2012، على يد عضو مجلس الشورى موافق الرويلي. وكشفت هذه الحملة، التي أخذت اسمها من وسم (هاشتاغ) «هلكوني»، آلاف الشخصيات، بعضها «هامة» في المجتمع، تحمل هذه الشهادات.
وأثارت قضية «الشهادات الوهمية» منذ بروزها في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» جدلاً كبيراً في المملكة، بعدما كشفت وجود جامعات افتراضية تعتمد «نظام التعليم عن بعد»، حصل منها سعوديون على شهادات وهمية.
وكشفت الحملة لاحقاً عن سوق لترويج تلك الشهادات داخل البلاد، مقابل مبالغ مالية، إلا أن بعض أصحاب هذه الشهادات أكدوا أنها كانت بغرض «التعليم لا التوظيف»، إذ تمتنع القطاعات الحكومية عن توظيف حاملي شهادات الدراسة عن بعد.
وسعى سعوديون إلى تزيين أسمائهم بحرف «الدال»، في إشارة إلى حصولهم على درجة الدكتوراه، ما حدا في دوائر حكومية إلى منع التوقيع بالأسماء المسبوقة بالحرف، إدراكاً منها على ما يبدو لاستفحال هذه المعضلة.
واحتدم النقاش حول القضية داخل أروقة مجلس الشورى، الذي قرر التحرك في العام 2012، بمقترح للقضاء على الشهادات المزورة بأثر رجعي، من خلال إقامة مشروع مركز وطني لـ«غربلة الشهادات»، واعتماد الصحيح منها فقط، وتوقيع عقوبات على حاملي المزورة.
ونجح الرويلي في استصدار قرار من المجلس لمكافحة الشهادات الوهمية، وأقر في العام 2013 مشروع «نظام توثيق ومعادلة الشهادات العليا»، لكشف الشهادات الوهمية والمزورة.
وأكد رئيس اللجنة العلمية في المجلس آنذاك الأمير الدكتور خالد آل سعود، أن النظام سيحاسب من استفادوا مهنياً من الشهادات الوهمية، لافتاً إلى أن «التشهير بحملة تلك الشهادات يعود تطبيقه إلى الأجهزة الرقابية المعنية».
ولم ينفِ آل سعود وجود موظفين حكوميين يحملون هذه الشهادات، إلا انه أوضح أنهم حصلوا عليها بغرض «الوجاهة لا الترقية»، مشدداً على أنه «مع ذلك لا يحق لهم استخدام اللقب حتى معنوياً في جهة العمل، وسيطلب منهم توثيق الشهادة خلال عام، أو ستطبق عليهم الإجراءات النظامية».
ونفذت مؤسسات حكومية حملات للكشف عن الشهادات الوهمية، وأرسلت وزارة التعليم العالي (اندمجت في وزارة التعليم لاحقاً) في العام 2013، قائمة بأسماء منسوبيها الذين يحملون «شهادات وهمية» إلى جهات حكومية.
وأغلقت الوزارة 330 مكتباً تمنح تلك الشهادات. وأكدت أنها تغلق مركزين لترويج الشهادات كل أسبوعين.
فيما رفضت هيئة التخصصات الصحية السعودية 99 في المئة من الشهادات «المشكوك فيها» المنظورة من لجنة التوثيق، بعدما تلقت أكثر من 600 استفسار عنها من جامعات أجنبية، لتكشف لاحقاً عن رصدها 2700 شهادة مزورة منذ إنشائها.
وضبطت شرطة منطقة القصيم وافداً يدير معملاً لصناعة الشهادات الوهمية، عثر فيه على أكثر من 16 ألف شهادة مزورة لجامعات ومعاهد محلية وخارجية، بعضها كان مُعداً للتوزيع.
وكشف الرويلي في العام 2014 عن وجود أكثر من سبعة آلاف من حاملي الشهادات العليا في المملكة، بينهم أكاديميون وأطباء ومثقفون ومسؤولون ورجال أعمال، مشيراً إلى حفل كبير أقامه راعي إبل إثر حصوله على شهادة «الدكتوراه الفخرية» من إحدى الجامعات الأجنبية.
ومن بين الجامعات الوهمية «ريكتو» في الفيليبين، التي تزور أي وثيقة، وحتى العام 2015 بلغ عدد حاملي شهادات هندسية مزورة في السعودية منها، 500 شخص.
ولفت الرويلي إلى أن مكتباً مختصاً بالخرسانة الجاهزة يبيع شهادات مزورة من جامعة كولومبوس في لندن، التي يديرها شخص متهم في قضايا تزييف وتزوير، ويصدر هذه الشهادات من داخل السجن.
وينافس حاملو الشهادات الوهمية أصحاب الحقيقية في التوظيف والترقية، في ظل غياب نظام يحد من إضرارهم في الاقتصاد الوطني، ويتسع المجال أكثر لهم في القطاع الخاص، إذ تتشدد وزارة الخدمة المدنية في قبول مثل هذه الشهادات في الوظائف الحكومية.
وأصابت فوضى الشهادات الوهمية هيئة المهندسين السعوديين، التي كشفت عن نحو 30 ألف شهادة هندسية مزورة، قدمها مهندسون سعوديون وأجانب لتبدأ في التنسيق مع جهات معنية للحد من التلاعب.
ولم تخلُ المكتبات من رسائل علمية مزورة، إذ تمكن الرويلي في 2014 من استصدار توصية من مجلس الشورى بسحب جميع الرسائل الوهمية في مكتبة الملك فهد الوطنية «لافتقاد أصحابها إلى الأخلاقيات وحقوق المؤلف»، مطالباً وزارة الثقافة والإعلام بعدم استضافة أصحابها في القنوات الرسمية، أو التعاون معهم.
وأسفر التفاعل الكبير الذي أبداه سعوديين في وسم «هلكوني» عن فتح ملف سرقة الأبحاث العلمية الذي أطلقته أستاذة التربية الخاصة في جامعة الملك سعود الدكتورة سحر الخشرمي في هاشتاغ «سرقوني»، وكشفت فيه عن وجود كثير من السرقات العلمية لرسائل الماجستير والدكتوراه في المملكة.
ويعاقب القانون مستخدمي الشهادات المزورة بالسجن وغرامة مالية تصل إلى عشرة آلاف ريال، ويتم ملاحقتهم من «الانتربول» في حال كانوا خارج البلاد. فيما أكدت وزارة الداخلية تطبيق العقوبات النظامية في حق من يثبت تورطهم في هذه الأعمال، بالسجن، والإبعاد في حال كانوا وافدين.