
أقام النادي الأدبي الثقافي بالحدود الشمالية أمسية شعرية كان فارسها الشاعر الدكتور علي بن ضميان العنزي الذي قدم من الطائف حيث يعمل أستاذًا في الجامعة هناك, وفي البداية قدم مدير الأمسية الأستاذ عبدالرحمن الحضري الضيف الكريم, وكيف قادت الصدفة إلى الالتقاء بالشاعر في سوق عكاظ قبل عامين حيث التقاه الحضري هناك لتكليف الاثنين بعمل في سوق عكاظ كلٌ فيما يخصه.
الأمسية التي حضرها نخبة من أساتذة الشعر واللغة العربية في عرعر وحضرها بعض أساتذة قسم اللغة العربية في جامعة الحدود الشمالية, كانت نخبوية بحق، تعرف هذا وأنت تستمع إلى المداخلات والنقاشات التي أطلقت على شاعر الأمسية وفارسها الدكتور العنزي, والذي بدوره أجاب عنها كشاعرٍ فحل, وكضليع في اللغة العربية, وكإعلامي مارس حرفته الإعلامية في إجاباته التي صفق لها الحضور.
وقبل أن يشرع الدكتور العنزي في إلقاء قصائده قرأ مدير الأمسية نبذة من سيرته الذاتية العطرة والتي تنوعت بين تلقيه العلوم وحصوله على الشهادات الأكاديمية من خلال دراساته والدورات التدريبية التي تلقاها, وكذا الدورات التدريبية التي قدمها هو بنفسه, وصولًا إلى تقلده العديد من المناصب الأكاديمية، وكذلك المؤلفات التي صححها لغيره من الكُتاب, أو تلك التي خطها هو بقلمه.
ثم بدأ الشاعر الدكتور علي بن ضميان العنزي الأمسية بقصيدةٍ استهلالية عن مدينة عرعر فقال:
(فاتنة الصحراء)
شمالٌ وفِي طيب الرجالات تذكر
وتزهو ربيعا حين تختال عرعر
شمالٌ لأن الأرض يعلو شمالها
وبوصلة الدنيا إليه تكبرُ
هنا لغة الإحساس تسمو حروفها
بساطة تعبيرٍ ومعنى مصور
فصدر الشمالي ابتهالات مؤمنٍ
تجلى بأن الله للصدر ينظرُ
أفاتنة الصحراء قلبي معلقٌ
فأنت ارتحالاتٌ وسكنى ومهجر
وما كنت إلا من خيالات عبقرٍ
وجنٌ تنادوا أن في المس نؤجر
أنا بشرٌ يلقى جزافاً حياته
يعانقها موتاً وإن عاش يفخر
حزينٌ وفي قلبي سعادة راهبٍ
يجول بوحي العشق والحب منكر
تبعت غريباً تاه يرجو مدينةً
وضاعت به الأقدار والحظ أغبر
وما بين نهرٍ في الغوايات جارفٌ
وما بين نورٍ أستفيق وأبصر
وأنت جمال الروح ما بال وعينا
تمادى لجبرائيل والأمر أصغر
دعينا على أرض المجاراة نتقي
وفي ملتقى سبع السماوات نسهر
جميع حكايات الهوى فسح عاشقٍ
وبعض خيال السرد يسمو فيحظر
إذا الحب يسعى دون سحرٍ مضللٍ
ستسهو عصا موسى وهارون ينذر
فحزنٌ بلا نوح الربابة زائفٌ
وأرضٌ بلا وجه التضاريس أبحر
أنا مؤمن أن الغرام مقدسٌ
ومن شك في صدق الأحاسيس يفجر
أحبك فكرا وابتهالا ومنطقاً
ومنهج سنيٍ من الشرك ينفر
وبعد الفراغ من قصيدة عرعر قال مدير الأمسية أنه لاحظ تغييرًا في بعض كلمات القصيدة فمثلاً غير الشاعر كلمة يكفر إلى يفجر, فعلل ذلك الشاعر أن الأصل يكفر وهو ليس الكفر بمعناه الحقيقي, ولخشية اللبس تم تغيير الكلمة.
وعن الحزن وارتباطه (بالربابة) ذكر الشاعر أن صوت الربابة الحزين ربما هو مختص في أهل الشمال, ثم أعلن مدير الأمسية ــ حرصًا على الوقت ــ أنه لن تكون هناك مداخلات إلا بعد الفراغ من الأمسية كاملة.
فراح الشاعر يبحر في إلقاء الشعر العذب الذي أنصت له الحاضرون باهتمام وتمعن كبيرين, وفيما يلي يسعدنا في النادي الأدبي الثقافي أن نضع بين يدي القارئ الكريم القصائد التي ألقاها الشاعر:
ما زالَ يسكنُـني الظمـأ ْ
ظمـأ ٌ ظمـأ ْ
ما زالَ يسكنُـني الظمـأ ْ
هـذا أنـا
سأحدثُ الأوجاعَ عن تاريخها
وعن الرحيلْ
وعن انتماءات الفناءْ
وعن الجنوبِ بعُرفنا
لما اكتسى قومي ثيابَ جنوبهم
وتبدلت –وسطاً- حدودُ البوصلة ْ
ألفٌ.. وباءْ
وبفكر أشتاتي وباءْ
يا أيها الماضي ترفق ْ إنني
ما زالَ يسكنُـني الظمـأ ْ
***
سـر ْ لا تخـفْ
أطلق سراحَك في نفوسٍ تبتئسْ
مطرٌ يجفُ برغم أكواب السماءْ
ومسافرٌ يمتص جلدَ المزودة ْ
ويصيـحُ…مـاء ْ
ويـئـنُّ…مـاء ْ
سرقوهُ في ليل الخواءْ
وفراشةٌ تزدانُ رغمَ جفافها
تجثو مغلفةً بشمع جناحها
هي لا تطير ْ
لكنها سر الجمال ْ
تمضي طيور ْ
شفقٌ سيأسرها
ولن تأسى
ولن تحتاجَ إلا أن تغور ْ
فالشمسُ ذكرى للغيابْ
حتى الإيـابْ
والراحلونُ إلى المدينة يشربون
لامٌ.. ونونْ
لو يعلمونْ
ضاعت معالم ُ سحنتي
فخَشِيتُ ألا أرتحل ْ
أو تعتري بعضي
معالم ُ من أجل
وأنـا الذي غرسَ الأسى
في سبخةٍ تحت الظنونْ
سأعودُ لا أدري
متى؟
أو
كيفَ؟
أو
في أي وعيٍ للجنون ْ؟
سأعيدُ
ألحانَ الغنـاء ْ
أحدو لعيـس قبيلتي
مترجلاً عند الحـداءْ
فالعيسُ لا ترعى هنـا
في خمسـها
تحتاجُ مـاء ْ
وتـئـنُّ.. مـاء ْ
وأنـا
برغمِ ضروعها
ما زالَ يسكنُـني الظمـأ ْ
***
وأراكِ في قلبي
هنـا
أهواكِ دون مناسبة
فالعشق صعلوك ٌ بنا
متمـردٌ
متجـردٌ
يغشاه قانون الغباءْ
طفل تدلـلُه القلوب ْ
يجتاحُ سورَ المدرسة ْ
فتعلّمي ألا نكونَ به سواء ْ
تبدين مثلي متعـبة ْ
فعلام نظمـأ ُ عشقَـنا
بعد المطرْ
قولي معي:
“لن نشربَـه ْ”
هيا إلى نبع العذابِ
فنبـعـهُ
متدفقٌ
بشقاء عشاق الظمأ ْ
كافٌ ولامْ
والعاشقون تألموا من ألف عامْ
رغم الملامْ
وبرغم زيف الزاعمينْ
أن الهوى كنز ٌ ثمين ْ
وبه المشاعرُ ترتوي
عودي هناك ْ
كوني كما
لم أرتشفْ يوماً هواك ْ
العذرُ سيدتي
كما هذا
أنــا
ما زالَ يسكنُـني الظمـأ ْ
***
البحر ُ أتعبَ فلكَ أفكاري معي
وأنا تعبتُ ومللتُ نزفَ مواجعي
يا نفسُ ذوقي زيفَـهم لو مرة ً
هيا اذهبي كذباً ومن ثم ارجعي
كوني كما لا أرتجي في بحرهم
وبكل أشكال الحياة تمتعي
هاءٌ ونونٌ في ضياع جزيرتي
والبحرُ في تلك الشواطئ يدعي
هيا اخدعي
وتصنعي
فالبحر مـاءْ
والفلكُ أروتَـها البحارُ
وها أنـا
ما زال يسكنني الظمـأ ْ
والبحرُ
يذرفُ موجَـه في مـدّه
ويـئـن ُّ..
مـاء ْ
ويصيـح..
مـاء ْ
…
…
ظمـأ ٌ ظمـأ ْ
ظمـأ ٌ ظمـأ ْ
ظمـأ ٌ ظمـأ ْ
ظمـأ ٌ ظمـأ ْ
أحبيبتي
أحبيبتي
يا سعد عمري
وابتسامة ساحلي
مازلتِ في أعماق روحي
تبحرين
ما زلتِ في أسرارها
تتعمقين
وكما أعاصير الشتاء
وكما التقلب في مزاجات السماء
في ثورة الأمواج لا تستأذنين
وأنا برحمة عاصفاتك أستكين
حاولت آلاف السنين
حاولت ألا أستكين
فغرقت فيك محبةً
وصبابةً
وحلاوةً
وأراك في أشهى دلالك
تغرقين
أنا فيك أعرف من أنا
وأكون في الفرسان أشجعهم
وفي العشاق أوسمهم
وفي الشعراء أكثرهم جنوناً
فالهوى سر الجنون
ولأنت يا سر الهوى
وحي الجنون
والمنطق المنفي من أسلافنا
والعقل والفكر الرزين
أحبيبتي
أنا من هجرتك طائعاً
متوشحاً ليلي الطويل
أنا من كتبتك قصة
عنوانها “آن الرحيل”
وأنا أنا
يا لي أنا
من قاتلٍ سفك الغرام
لينال من قلب القتيل
أحبيبتي
أنا من هجرتك طائعاً
متذرعاً في شكك القتال
وبأن لقيانا محال
هل كان لقيانا محالاً
أم كنتِ مني تهربين
هل كنتِ مني يا حياتي تهربين
هل كنتِ من أحلى لقاءٍ في الوجود
تتخوفين
كم كنت أنتظر الوصال
فأذلني فيما يلي
كم كنت أحترف الخيال
فأصابني في مقتلي
“أهواكِ” قد صمتت بأحرفها
فلا تستغربين
وأنا كذلك صامتٌ
فالحب قد مل الكلام
مضغ الكلام
بلع الكلام
لكن شوكته اعترت أوهامه
فتألم العشاق من رجع الحنين
لو تعلمين
يا أجمل الدنيا
ويا أحلى نساء العالمين
كيف اعتصرت الهجر في حرق الفؤاد
ما بين شكي واليقين
لو تعلمين
كيف ابتدعت الغدر في طهر الفؤاد
وأنا بآلامي حزين
لو تعلمين
كيف اقترفت المكر في أنقى فؤاد
ومكرت حتى تمكرين
لو تعلمين
لعذرت عاشقك الذي عزف البعاد
وطربت في عزف الأنين
يا ليت أنك تعلمين
شاعرٌ في بلاط العشق
آنَ في مُلك الهوى أن أسألكْ
من ترى المملوكُ؟ من منا ملَكْ؟
اعتليتُ العرشَ في ليل المنى
فوجدت القلب يهدي المُلْكَ لكْ
قلت يا سياف عاجل حاجبي
وامنع العراف من علم الفلكْ
فتشوا القصر وهاتوا ناقتي
واجلدوا الراعي.. بماذا أشغلكْ؟
وجد الحراس عبدا شاعراً
ويحه أي المحاذير سلكْ؟!
من به أغواك يا عَبْدي أجب؟
واعترف ما غير هذا أمّلكْ؟
هو مسٌ من جدودي عادني
قال إن الحب نبراس الحلكْ
الهوى يا سيدي موت النهى
وفتاةٌ تفتدي كي تقتلكْ
وهو تأبين لقلبٍ هالكٍ
يبعثُ الصب شهيدا إن هلكْ
أُشهد اللهَ بأني مارقٌ
وبقتلي أنه ما أعدلكْ
تبّ هذا العبد عني بعدما
باعني قلبا رقيقا دللكْ
هاك قلبي واهدني قلبا بهِ
فكلانا شاقه ما قد مَلكْ
قصيدة (عاصفة الحزم)
الحزمُ أصدقُ إنباءً من الجدلِ
والحق منتصرٌ في عودة الأمل
بيض الصفائح لا سود العمائم في
متونهن بيان الجد والخطل
أين العواصم بل أين المضيق وما
دسوه من سمهم في جرة العسل
هذي بلاد الهدى والدين رايتها
يا من هداكم ضلالُ القول والعمل
صرحٌ تأسس بالتوحيد فارسه
عبد العزيز وخيل العز لم تزل
أسطورة يكتب التاريخ أحرفها
بماء نورٍ وفخرٍ للعصور جلي
قل للذين تواروا في جحورهمو
سلمان فيه مضاء السلم والأجل
كُنتُم تظنون أن الحرب تعجزنا
ها نحن نعزف لحن السيف والأسل
وها محمدُ بن سلمانَ موعدكم
فتى وَيَا للفتى من قائدٍ بطل
وها جنود الوغى فوق الجبال وذي
صقورُ جوٍ لأهدافٍ بلا زلل
تحقيقُ أمنِ اليمانيين غايتهم
والله في نصرة المستضعفين ولي
سيحسم الأمر سلمانٌ بحكمته
فهو التمامُ لأمرٍ غير مكتمل
والحزم آتٍ وفجر النصر مرتقبٌ
والشمس لن يكتسيها الزيف من زحل
أجل تشع كما تختال مملكة
ترنو إليها نجوم الكون في خجل
صحراءُ لكن حباتِ الرمال بها
جواهرٌ ولآلي والصخور حلي
هي النخيل لكل العاشقين لها
يسمو هواها بلا شعرٍ ولا طلل
الواحة الماؤها عذبٌ تدفقه
في ظلها ترتمي الحسناء في الكسل
تنعماً ويغني الطير منتشيا
أنشودة الحب في ترنيمة الغزل
في ظل آلِ سعود حبنا وطنٌ
نحميه بالروح والأبناء والمقل
فليعلم الجمع ممن ساء مقصدهم
بأننا سادة في السلم والجلل
وأن حرب العدا كالماء نشربها
ماضٍ وفي حاضر الأهوال لم نزلِ
ندك من يعتدي في داره بددا
بالجيش لا في خداع الحرف والجمل
أجل فسلمان للتاريخ أعلنها
الحزم أصدق إنباءً من الجدل
عشق عبلة
لمستِ القلب في لحظات غفلة
وعبد العشق يرفض ذل عبلة
أسيدة القصيدة هاك شعري
يجُبّ الحب ما استحلاه قبله
ولكني بيوسف دون بابي
إذا بادلتك الأشواق أبله
ومن لي في قوافل ذكرياتي
بجرحٍ قطّع المكلومُ حبله
تقول وخصرها شيطان زارٍ
سأرقص طالما الأجواء حفلة
وتعلم أنها جاءت بليلٍ
كئيبٍ والإضاءة عقب شعلة
فتشربني ككأس من نبيذٍ
وتعلم أنني الظمآن قبلة
سأنهي للصبايا من جنوني
حكاية عاشقٍ يرتاب قتله
يعاتبني غريبٌ في زماني
وشخص فاقدٌ في الوعي عقله
وما بين الرحيل وبين قومي
مجرد شعرةٍ تحتاج مهلة
ويقسم حولي الطوفان إن
المدينة عانقت من قبل وحله
فحولي كنت أزرع شاهقاتي
وينزعها من الأحلام سفلة
عذبيني
عذبيني واحني عليّ وزيدي
في عذابي واستعذبي تنهيدي
فأنا كم أعرضت عن نبض قلبي
في سكوني لما سكنت جليدي
كان وهمي يجتاحني وفؤادي
يصطفيني والحزن يشجي نشيدي
تائهٌ ألعن الدروب وأشكو
من حياةٍ تقسو وحظ ٍ عنيد
شاغلتني الدنيا بسر انتمائي
وبذاتي وفك بعض قيودي
سابحٌ في شكي وظني وخوفي
وبحاري تلاطمت في وجودي
لا أرى حولي قشةً تحتويني
أو غريقاً غيري بأفقي البعيد
وحكايا في الحب ما فارقتني
لقنتني أسرار ذل العبيد
كل أنثى لها حبيبٌ جريحٌ
بسهام النوى وطبع الجحود
عهدهن الذي توارثنه من
عهد عادٍ ومن نساء ثمود
فاعذريني إن كنت في الحب أبدو
كغريبٍ يمشي بخطو الشريد
قدري أن تلقاك قبلي جراحي
وهي سهدي وطول ليلي المديد
كان عهدي أن الهوى محض شعر
ليس إلا عذراً لقطف الورود
وابتدعنا خيال حبٍ وكنا
نتسلى في الوهم دون حدود
ويح قلبي ما باله خان عهدي
وهو ما خان يوم قتلي عهودي
ذاب في الورد واغتشاه شذاه
وتناسى سوطي وويل وعيدي
بجنونٍ رحلت عنك وعني
فجفاني عند الصباح بريدي
كنت أهواك رغم صدي لأني
كنت أهواك باعتناق صدودي
أستبيح الغرام بيني وبيني
لأغنيه لحن حبٍ جديد
وأناجيك في قصائد شوقٍ
فضحتني لولا غموض قصيدي
فاقرئيها ثم اقرئيها مراراً
وابحثي عن محارها المنشود
ستعودين إن قرأت رؤاها
فاقرئيها ثم اقرئيها وعودي
مواسم الأمطار
متجردٌ في الرأي والأفكار
بين الجنون وصحوة الأذكار
الأرض تظمأ والمياه بجعبتي
لكنها سببٌ لبعـــــض دواري
انظر إلى الشمس الحزينة في الربى
الليـــــل حيـّــــاها بموت نهار
والآل أتعبـــــــها بلعـــــنة غــــــــدره
فاستسلمــت للوهــــم والإبحار
وتساقطت إبلٌ على أحمالها
ياليتـــــــها بيعت على التجار
هي لم تحاول أن تعانق بحرهم
وهمـــو ارتموا للماء والبحّار
إني أرى في البحر بعض شتاتهم
والبعض خلف الطين والأسوار
والعائدون إلى النخيل استغفروا
فتطــــــهروا من وعــــثة الأسفار
وأنا شربت الماء بالملح الذي
أدمى جراحي في شقوق جداري
***
يا حادي العيس الرياح بكت هنا
وبكت على هذا الحداء براري
والناي كم غنى لأطياف الهوى
وكم انتشى من ذاب في الأوتار
عهدٌ تولى في قصيدة شاعرٍ
الحب سكرته ورقص جواري
ومدائح السلطان عصر بلاغةٍ
أضفت على التاريخ مجد فخار
أترى على وجه التراب قصورهم
أتــــــــرى مغولاً أو خيـــول تتــــار
أنصت فذاك الورد صاغ موشحاً
أم ذا زمان الوصل والتكرار
يا حادي العيس احتراماتي لهم
ما لي سوى التعظيم أي خيار
لكنهم رحلوا بغرس شكوكهم
وخديعــــــة التـــــاريخ والأخبار
أولم يحن نسيانهم في شعرنا
فالدر ضــــــاق بسلطة المحار
أين الإباء ونحن أضعف أمةٍ
وسيـــــوفنا صنعت من الأحجار
وبلادنا نهبٌ ومهما أسرفـــــــوا
لا نشتــــــكي من ذلــــةٍ أو عــــار
أهل الثقافة أرّخوا أمجادنا
رغم الخـــــراب وســــــرقة الآثار
تاريخ من يأتي بكسرة خبزةٍ
من دون سنبلة وغرس بذار
تاريخ من يقضي على أعدائنا
أوَ ينصــــرُ التــــــاريخُ جيشَ فرار
تباً لهم ولكــل ما كتبـــــوا لنا
اظمـــأ..فدتك مواســـم الأمطار
أقدارنا اسودت لسوء فعالنا
فمتى نغيـــّـر صفحــــــــــــة الأقدار
موت الكلام
التزامن..
بين حب فيك كامن..
وارتجال للشرود..
هو رمز للحروف السرمدية..
فاغتنم موت الكلام..
لا تبرر..
كن كما لا أنت في الجو الغريب..
قم إلى لا أين؟ سافر..
عد كما أو دع ملام..
أنت تدري فعلام؟..
تسبح الـ”كيف؟” برحم لـ”لماذا؟”..
وهي طهرٌ ما استمر..
راحلات قبل ساعات الضجيج..
قبل أن يغتصب الموتى سكون الأرصفة..
كم توشحن الجنون..
في ضمير المستتر..
كل ليلة..
بتن في صلب الخلايا..
في حمى الأم الحنون..
لا يهم..
انتهى عزف الرحيل..
وابتدا صمت الأماكن..
هل تراهم يعلمون..
شربوا الأمطار حلوة..
وتلاشى كل مر..
ظمئوا الأسفار والأشعار في الليل المضيء
كي نمر…
فارتووا نبع الجوار..
غرسوا الأشجار في أقصى المدينة..
ليس للمشتاق صبح إن تنفس..
لا يهم..
فهنا ليس هناك..
عرفوا معنى التزامن..
عندما حل الشرود..
خطوات تمتطي سحر الجهات..
سابحات في الخليج..
فليصيحوا في الخليج..
يا خليج..
هو وحي من خيال..
فيه غنى للنشيج..
حيث مات..
كلمات علمتهم..
بعض آلام الظنون..
يضحكون..
لا يهم..
خطوات تمتطي سحر الجهات..
واكتست ما بينها..
هي لن تبقى تعاني من دوار..
تعبت من كل حرف بالتعب..
قابعات دون وعي..
المهم..
هو أن البرد إن حل الشتاء..
لا يجور..
لا يهم..
خطوات تمتطي سحر الجهات..
في الأماني..
في الأغاني..
في حكايا ألف ليلة..
في ابتهالات النشيد..
في بحور للخليل..
في متاهات الحداثة..
ثم ماذا؟
سوف تبقى في التزامن..
وافتعالات الشرود..
لايهم..
هل عرفت الآن ما..
لا تقل لي أي شيء..
لن تنال..
فالأنا صعب الوجود..
حائر بين السمات..
جاء يهذي..
عاد يهذي..
عد كما أو دع ملام..
أنكروني فعلام..
ستموت الـ”كيف” غدرا من “لماذا”
في انتحار للتزامن..
وارتداء للشرود..
هل يهم؟!
لا يهم..
لابد من الإشارة إلى أن مدير الامسية أعلن أن المداخلات ستكون في نهاية الأمسية ومع هذا تدخل مرتين لتوضيح بعض الإشكالات – من وجهة نظره – فسأل الشاعر بعد قصيدة “مازال يسكنني الظمأ” وكان السؤال عن استخدام بعض الكلمات العامية الشائعة في قصيدة عربية صرفة ككلمة خِمْس, فقال الشاعر: إن هذه الكلمات لها أصل في اللغة العربية, وعقّب الدكتور صغير العنزي مستشهدًا ببيت شعر للبحتري ذكر فيه كلمة خِمْس.
وبعد قصيدة “موت الكلام” سأل مدير الأمسية عن موسقة الشعر كما حدث في أنشودة المطر لبدر شاكر السياب المتوفى سنة 1964م حيث موسق فنان العرب محمد عبده بعض كلماتها لضرورة الأغنية – إن جاز التعبير – فأجاب الشاعر الضميان أن ذلك جائز في حياة الشاعر ولا يجوز بعد موته.
ثم بدأ الحاضرون بمداخلاتهم وكانت البداية من الأستاذ الدكتور حسن البنا عزالدين والذي قال إنه قرأ للشاعر ولكن كان الاستماع شيئًا آخرًا, ومما لفت نظره الحس الحديث والتراثي في وقت واحد وهذا مايختص به شعراء المملكة فتجد أصداء أبي تمام والمتنبي والسياب وكذلك غازي القصيبي, وذكر أن شعر التفعيلة حاضر بشكل جميل, وقال الدكتور عزالدين إن الشاعر لا يسأل عن شعره، ومع هذا فقد أوردت بعض الحروف في قصيدة الظمأ, فماذا تعني؟ وماذا تركت فيك الغربة في أمريكا لعدة سنوات كشاعر؟
فأجاب الشاعر الضميان بالشكر أولًا لهذه المداخلة الرائعة, أما الحروف فألف وباء تعني البداية, واللام والنون (لن) أي لن تحصلوا على ماتريدون, والهاء والنون (هن) أي النساء, والكاف واللام هي الكل.
أما ما تركته بي أمريكا كشاعر فألخصها في هذه الأبيات:
همس إنديانا
همس إنديانا يناجي وحي أشعاري
وكم طربت بها أرتاد أفكاري
شتاؤها ويحه قاسٍ ومكتئبٌ
والريح لا تبتسم إن طوقت داري
الليل فيها سكونٌ مزعجٌ ضجرٌ
يعدو القطار به من دون أسفار
والثلج يفترش الآفاقَ منبسطاً
يغري البياضُ خيالَ الشاعر الساري
ورغم رونق أشجار الكرسمس لا
تختال في ليلة الميلاد أشجاري
كم اجتمعنا بدفء الحب في سمرٍ
فليس تدفئ صحبي وحدها ناري
جمرٌ وموقدةٌ في حارةٍ صمتت
فالنوم مستغرقٌ في منزل الجار
نقرمش الأنس أشواقاً نرددها
ونحتسي -غرباءً- بوح أسرار
وكلما غادر الأصحاب مجلسنا
جلست مع صحبة الأطياف في داري
أواه من أين جاء الحاقدُ.. انكشفوا
وطال في غربة الإحساس مشواري
إن الوفاء وطيب النفس مكرمةٌ
وحكمة العقل لا تصفو لمحتار
ايه إنديانا تعالت أنفسٌ وسمت
وليس في الغار إلا وحشة الغار
طال انتظار ربيع الورد فارتَعَبتْ
تلالها من شحوب المنظر العاري
لكنه قد أتى خجلان مرتجفاً
ويلعن الثلج في توديع ثرثار
تورقت جفوة الأغصان في أملٍ
والسهل غنى بألوانٍ وأزهار
وبسمة الشمس يا سبحان راسمها
تحيي النفوس بأفراحٍ وأنوار
حبيبتي هي إني جدّ أعشقها
حبيبتي وهنا تنساب أنهاري
وقد توالت المداخلات تباعًا ومنها مداخلة الدكتور محمد حمدوش والذي قال إنه سيقوم طارئًا على حقل الشعر بحكم تخصصه في اللسانيات, لكن هناك بعض الأبيات التي تلفت الانتباه كقصيدة استحضر فيها الشاعر النفس التراثي في قوله: الحزم أصدق إنباءً من الجدل.
هل هذا حاضر في كثير من قصائدك؟ أو أنه يأتي حينما تستدعيه المقامات؟ كذلك فهناك إثارة لبعض الكلمات العامية التي تتسلل إلى قصائدك, فهل تستخدمها بشكل متواتر في بناء قصائدك أم هي أشياء طارئة؟
وقد أجاب الشاعر الضميان بأنه يكتب أحيانًا (بلا وعي)! أو قل: هو يستحضر أشياء تأتي وحدها دون تعمد, أما الكلمات العامية فأنا – والحديث للشاعر – أستعمل بعض الكلمات العامية التي أصلها فصيح وأحيانًا أدمج بعض الكلمات التراثية مع الكلمات السلسة لتكون مفهومة.
وقد استمرت المداخلات النخبوية من الحضور حتى ضاعفت الوقت المخصص للأمسية والتي في نهايتها تم تكريم الضيف من قبل رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بالحدود الشمالية الأستاذ ماجد المطلق والذي بدوره شكر الشاعر والحضور الذين شاركوا النادي في إخراج أمسية شاعرية عالية الجودة، ومثمنًا الدور الكبير للحاضرين الذين دائمًا ما يكونون مشعلًا لفكر الضيف ليخرج أفضل ما لديه.