
أوضح إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبد الله خياط أن الرَّغبةَ في الخيرِ، والدَّأَبُ في طَلَبِه، وطَرْقُ أبوابِه، وسؤالُ اللهِ التَّوفيقَ وحُسنَ المعونة على بلوغ أقصى الغاية فيه، شأنُ كلِّ أوَّابٍ حفيظٍ، وديدَنُ من خشي الرَّحمن بالغيبِ، وابتغى الوسيلةَ إلى رضوانِ ربِّه الأعلى بكلِّ محبوبٍ لديهِ، أرشد وهدى عبادَه إليه، وحثَّهم على إصابة حظِّهم منه، والتزوُّدِ بنصيبٍ وافرٍ، يصحَبُهم في سَيرهم إلى لقائه؛ أملًا في نزول دارِ كرامتِه، والظَّفَرِ بكريمِ موعودِه، والتَّنعُّمِ بالنَّظر إلى وجهه الكريمِ في جنَّةٍ عرضُها السَّماواتُ والأرضُ أُعِدَّتْ للمتَّقين.
وبين في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام اليوم،أنَّ دلائلَ سَعةِ رحمته-سبحانه- وواسعِ فضلِه على عبادِه، وإرادتِه الخيرَ بهم، لتبدو جليَّةً بيِّنةً في سَعة وتعدُّدِ أبوابِ الخير التي أمرهم ووصَّاهم بها، ودلَّهم عليها، ووجَّه أنظارَهم إليها، بما أنزل عليهم من البيِّنات والهدى في مُحكَم الكتاب، وبما جاءهم به رسولُه المُصطفى، ونبيُّه وحبيبُه المُجتبَى-صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه- فيما صحَّ سندُه من سُنَّتِه، وما ثبت به النَّقلُ من هَدْيه وطريقتِه، عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حيث إنَّها أبوابُ خيرٍ مُشرعةٌ في كلِّ حينٍ، تستغرِق كلَّ أيَّامِ العامِ؛ فليس شهرٌ من شهوره: إلا ولأيَّامه أو لياليه وظائفُ يلِجُ منها العبدُ إلى جمهرةٍ من الطَّاعات، وحَشْدٍ من القُرُباتِ، يزدلِفُ بها إلى مولاه، وتقرُّ بحُسن الثَّوابِ عيناه! .
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام : لقد أظلَّكمْ زمانٌ شريفٌ، من غُرَر الأيَّام، يُجدِّدُ للمؤمنينَ العَهْدَ بالطَّاعة، ويصِلُون فيه البرَّ بالبرِّ، ويُتبِعُون الحسنةَ بالحسنةِ، ويعقبون الإحسان بالإحسان، وهي الأيَّامُ العَشرُ المباركةُ المُعظَّمة من شهر ذي الحجَّة، التي هي خيرُ أيَّامِ الدُّنيا، وأجلُّ مواسِم الخيرِ، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، وأبو داود في سننه-واللَّفظ له- عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ من هذهِ الأيَّامِ» يعني: أيَّامَ العَشْر, قالوا: يا رسولَ اللهِ! ولا الجِهادُ في سبيلِ اللهِ؟! قال: «ولا الجِهادُ في سبيلِ اللهِ؛ إلا رجلٌ خرج بنفسِه وماله، فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ».
وكلُّ ذلك يدلُّ على سُمُوِّ مكانتها، وعظيم فضلها، وجليلِ مَوقِعِها، وأنَّ الأبوابَ الموصِلةَ إلى رضوانِ اللهِ فيها كثيرةٌ، وأنَّ منافذَ الرَّحمة الربَّانيَّة منها وفيرة، فمن فاته نوعٌ حظِيَ بآخر، ومن عَجَز عن عملٍ؛ فلَنْ يَعجِزَ عن الجميع وفي هذا باعثٌ قويٌّ للمؤمنِ، يحمِلُه على اهْتِبالِ هذه الفضيلة، واغتنامِ هذه الفُرصة، بالازدلاف إلى ربِّه بألوان الطَّاعات، والمسارعةِ إلى مغفرتِه ورضوانه بضُروبِ القُرُبات/.
ولفت الشيخ أسامة خياط أنَّ أولى ما يتقرَّبُ به العبدُ لربِّه في هذه الأيَّام: إقامةُ الفرائضِ، واجتنابُ المحارمِ؛ فإنَّها رأسُ التعبُّد وعَمُودُه، كما جاء في الحديث القُدْسيِّ الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ قال: وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه» ثم يُعقب الفرائض بضروب من التعبُّد بنوافلِ الطَّاعاتِ، من صلاةٍ وصيامٍ وصدقةٍ وتلاوةٍ وصلةٍ، فإنَّها تورثُه درجةَ المحبوبيَّة، التي أشار إليها رسولُ الهدى-صلواتُ اللهِ وسلامه عليه- بقوله حكايةً عن ربِّه: «وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحِبَّه؛ فإذا أحببتُه، كنتُ سَمْعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يبطشُ بها، ورِجْلَه التي يمشي بها، وإنْ سأَلَني لأُعطينَّه، ولئن استعاذَني، لأُعيذنَّه» الحديث.