أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله والتسامح .
وقال في خطبة الجمعة اليوم في المسجد الحرام: لقد قضى الحجاج مناسكهم تقبل الله منا ومنهم، وجعل حجهم مبروراً، وسعيهم مشكورا، وذنبهم مغفورا، وأنتم في توديع عام \، واستقبال آخر ، يحسن الوقوف للمحاسبة وفي ديوان المحاسبة تظهر عبر الحوادث الجمة، ونوازل الدهر الكثيرة، هذه الدار للفناء، وأهلها للموت والبلاء، خداعة غدارة، والنفوس بالسوء أمارة ، والشيطان يأمر بالسوء والفحشاء، ويعد بالفقر والخسارة، ومن لم يكن يومه خيراً من أمسه فهو مغبون، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان، غير أن الأعمال الجليلة، والآثار الجميلة، والفعال الحميدة، هي التي تخلد ذكر صاحبها، وتورثه حياة بعد ممات، وتبقي له ذكرا وثناءً، وحمداً ودعاءً .
وأضاف: السمعة الحسنة، والذكر الطيب، هي رأس مال المرء، وهي عمره الثاني. يبنيه في حياته القصيرة، ليكون عمره المديد. لسان الصدق في الآخرين نعمة من الله عظيمة، ومنة من المولى كبيرة، يختص بها من يشاء من عباده، ممن آمنوا، وصدقوا، وأخلصوا، وبذلوا، ونفعوا الخلق، ونشروا الإحسان في العالمين، السمعة الحسنة نعمة يضعها الله للعبد في نفوس الناس، ويجريها على ألسنة الخلق والذكر الطيب معيار من معايير القيم والاخلاق، يرجع إليها الناس، ويزنون بها أقدار الرجال .
وأردف “بن حميد”، أن الحمد يبقى لمن عم نفعه، والثناء يدوم لمن انتشر عطاؤه، والسمعة الحسنة تحفظ لمن تواصل بره، والذكر يعلو لمن ترادف إحسانه، فترى هؤلاء الأخيار يقدمون من الأعمال، والقرب، والطاعات ما لا ينقطع به عمل، ولا يقف معه أجر، (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس). فالذكر الطيب هو – بعد فضل الله – من ثمرة عمل المرء، وحسن تصرفاته، وكريم سلوكه، والناس شهداء الله في أرضه.
وتابع: السمعة الطيبة والسيرة الحسنة والذكر الكريم حرص عليها أفضل البشر ، وأكرم الخلق، أنبياء الله ورسلُه، عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، فقد سألوا ربهم أن يهبهم الذكر الحسن، ولسان الصدق في الآخرين إلى نبينا محمد، عليه الصلاة والسلام، جموع بعد جموع من الأنبياء، والصديقين، والصالحين إلى آخر .هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، من ذريته، وفيهم ما لا يحصى من ألسن الصدق من الصحابة والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين . فأتباع الرسل – عليهم السلام – لهم ميراث لسان الصدق بحسب إيمانهم، وطاعتهم، وخدمتهم لدين الله، وينقص حظهم بقدر تقصيرهم، وبعدهم عن نهج الخليل وذريته نهج الملة الحنيفية” .
وأوضح أن المؤمن لا يبذل الخير للمدح، ولا رغبةً في الثناء، ولا طمعا في السمعة، ولكن يبذله بنية خالصة، ومقصد حسن، فيقبل الله سعيه، ويضع له القبول في العباد، فينشر له الذكر الحسن والثناء والدعاء . سبحان من فاوت بين الناس، وباعد بينهم كما باعد بين السماء والأرض، أقوام طهُرت قلوبهم، وسمت هممهم، وعلت سمعتهم كالنحل لا يأكل إلا طيبا، ولا يخرج إلا طيبا. وآخرون أظلمت قلوبهم، فضعفت هممهم، وانتكست إراداتهم، وصغرت نفوسهم، فضعفت أعمالهم، وخبا ذكرهم، بل فيهم من ساءت سمعتهم، نعم يموت أناس فلا يؤسى لفراقهم، ولا يشعر بفقدهم، فليس لهم آثار صالحة، ولا أعمال نافعة، ولا إحسان إلى الخلق، لا يرى لهم شاكر، ولا يذكرهم بالخير ذاكر ، وكأنهم لا كانوا ولا وجُدوا ناهيكم بمن يفرح الناس لموتهم، ويتنفس الناس الصعداء عند فقدهم، من حقود حسود، وجموع منوع، وفاحش سليط اللسان، متكبر صاحب هوى، معاملته غلظة، وخلطته شدة، وحديثه ثقيل .
وقال إمام المسجد الحرام: من عجيب ما قرره ديننا أن غير المسلم المخلص الصادق إذا عمل عملاً صالحًا ينفع العباد والبلاد من إغاثة ملهوف، ونصرة مظلوم، ونفع للبشرية بأي وجوه النفع، فإنه يُبقي له ذكرًا في الدنيا، وصيتا عبر القرون، كما ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن حاتم الطائي، وعبدالله بن جدعان، وكذلك في سائر الأعصار والأمصار من المخترعين والمكتشفين، والأطباء، والمدافعين عن حقوق المظلومين، ومن يقدمون الخدمات للبشرية، يبقى ذكرهم، وتحفظ سيرهم الحسنة، وأفعالهم الطيبة جزاء ما قدموا ونفعوا، أما الآخرة فليس لهم فيها من نصيب ولا خلاق.