
تحدّث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم عن أهوال يوم القيامة، وعظمة يوم الحساب الذي يقضي الله فيه بين الخلائق، يحاسب المرء عمّا قدّم لنفسه في دنياه من خير وشر، فالناس فيه إما شقي وإما سعيد.
وبيّن “القاسم” أن الله جعل اليقين باليوم الآخر من أركان الإيمان، وقرّر في كتابه براهين توجب اليقين به، ومن ذلك قدرته سبحانه على الخلق الأول من العدم، وإحياؤه الموتى في الدنيا، وقدرته على خلق الحيوان، وإخراج النبات بالماء، والأنبياء متّفقون على ذكره لأمتهم.
وأضاف أن الله خلق الكون في أحسن صورة، وهيَّأه للخلق، ليعبدوه في الدنيا، ولا تقوم الساعة حتى يُدمّر الله معالم هذا الكون، ويُغيّر نظامه، فالشمس تُكوّر ويذهب ضوؤها، ويُخسف القمر ويتلاشى بهاؤه، والكواكب ينفرط عقدها وتنتثر، والنجوم تنكدر ويذهب نورها، والبحار تتفجّر ويسجّر ماؤها، والجبال تُنسف، والأرض تُدَكّ وتُزلزَل، فلا عوج ولا ارتفاع، ويقبضها رب العالمين بيده إظهارًا لقهره وعظمته، والسماء تنشقّ ويتغيّر لونها، ويطويها الربّ بيمينه {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
وأوضح إمام المسجد النبوي أن الله تعالى سمّى يوم القيامة بأسماء عديدة؛ ليعتبر الناس بذكره، ويتفكروا في أمره، ومن أسمائه يوم الدين والفصل والحساب والحسرة ويوم الجمع والبعث، فإذا أذِن الله بقيام الساعة أمر إسرافيل فنفخ في الصور، فتطير أرواح العباد فتعاد في أجسادها، فتنبث أجساد الخلائق بعد بِلاها كما ينبت الزرع.
وأردف: إذا طال بالخلائق الوقوف، ولم يحتملوا طول القيام، طلبوا من يشفع لهم عند ربهم، ليأتي إليهم لفصل القضاء بينهم، قال صلى الله عليه وسلم: “فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيأتون إلى آدم فيطلبون منه الشفاعة عند ربه فيعتذر ويقول: “إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله”، ثم يأتون إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى فكلهم يعتذر ويقول مثل ما قال آدم عليه السلام، تم يأتون إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: “أنا لها”، قال عليه الصلاة والسلام: “فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي، تم يفتح الله عليَّ ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم قال: يا محمد، ارفع رأسك، سَلْ تُعْطَه، اشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: يا رب، أمّتي أمّتي”.
وتابع: ثم يأتي رب العالمين في جلاله وعظمته، فيبدأ الفصل بين عباده، فيعرض عليه الخلق كلهم في صف واحد، يكلمهم ربهم، ويبين لهم أعمالهم وما جنت أيديهم، ويقررهم بما اقترفوه، فيظهر يومئذ ما كان خافيًا، وما عمله العبد ونسيه فإن الله لا ينساه، ثم يظهره الله له فلا ينكر العبد منه شيئًا، والله سبحانه أسرع الحاسبين، وأول ما يُسأل عنه العبد في الحساب توحيد الله واتباع رسله، ثم الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فقد خاب وخسر.
وأوضح “القاسم” أن الناس في الحساب، إما سعيد يأخذ كتابه بيمينه، ويحاسبه ربه حسابًا سهلًا هينًا، فيرجع إلى أهله وأصحابه في الموقف فرحًا سعيدًا، وإما شقي يؤتى كتابه بشماله أو من وراء ظهره، ويحاسبه ربه حسابًا عسيرًا، يحصي عليه مثاقيل الذر من عمله، ويؤاخذه بكل صغيرة وكبيرة.
قال إمام المسجد النبوي: فإذا فرغ رب العالمين من القضاء بين العباد، ينصرفون من الموقف إما إلى الجنة وإما إلى النار، ويُضرب الصراط على متن جهنم، يمر الناس عليه بحسب أعمالهم؛ فيمر المؤمنون عليه كطرف العين، وكالبرق، وكالريح المرسلة، وكالطير، وكأجاويد الخيل، وعليه خطاطيف وكلاليب عظيمة تخطف الناس، فناجٍ مُسلَّم، ومخدوش، ومدفوع في نار جهنم، ونبينا على الصراط يقول: رب سلّم سلّم!
وأضاف: إذا عبَر المؤمنون الصراط نجوا من النار، فيُحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتصّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذبوا ونقوا أُذِن لهم في دخول الجنة.
واختتم الخطبة بقوله: فالساعة آتية لا ريب فيها، ويوم القيامة يوم عسير ثقيل طويل، كرب يليه كرب، تشيب من هوله رؤوس الولدان، والعاقل من أعدّ العدة له، واستعد لشدائده وأهواله، وأناب إلى الله وتاب.