اخبارية طريف -السميري الطرفاوي:
كشفت تقديرات رسمية عن أن 70 % من الموظفين الحكوميين متسيبون، و94 % يتغيبون عن العمل بصفة مستمرة، وأن إنتاجية الموظف السعودي متراجعة بشكل كبير لاسيما في شهر رمضان. ومما لاشك فيه أن التكاسل عن أداء العمل وسوء التعامل بحجة الصيام وضعف إنجاز المعاملات من قبل العاملين في الشهر الكريم أو حتى في غيره من الشهور لا يجوز شرعاً ولا أخلاقاً، ومن يمارس ذلك يجب أن يعاقب إدارياً ويحاسب على ذلك، فتعطيل مصالح الناس لا عذر له لأن رمضان ليس شهراً للبطالة والتخاذل، وإنما هو شهر للعمل والعبادة.
ملامح الإهمال
في البداية اشتكى محمد الحارثي “طبيب” من تقاعس بعض الموظفين عن إنجاز أعمالهم في شهر رمضان، وقال: أردت استخراج شهادة ميلاد لابنتي، فاستأذنت من عملي لمدة ساعة وذهبت إلى المؤسسة الحكومية، إلا أن الموظف المسؤول عن هذا العمل تأخر عن دوامه لمدة ساعتين.
وأضاف: انتظرت الموظف ساعتين وأنا في قمة غضبي لكن ما باليد حيلة، وحضر يبدو عليه ملامح الإهمال، وبالرغم من سهولة عمله، إلا أنه تباطأ لمدة ساعة أخرى، موضحاً أنه اضطر للعودة إلى عمله حتى لا يتأخر عليه، واضطر للاستئذان لليوم الثاني على التوالي، ولفت أن تقاعس الموظف يؤدي إلى التأثير السلبي وإهدار وقت بقية الموظفين في الدوائر الحكومية الأخرى.
تراكم الأعمال
فيما أبدى فهد الغامدي استياءه من تعطيل معاملاته في رمضان قائلاً: “ذهبت لإنجاز معاملة لي، وفوجئت بتأخر الموظف المسؤول عن دوامه لمدة ساعتين، معرباً عن أسفه لغياب الموظفين في رمضان، بحجة الصيام، إذ يبدو وكأنهم صائمون حتى عن العمل، وهو مفهوم خاطئ”.
وأضاف فهد: “بعد ساعتين حضر الموظف المسؤول، واستبشرت خيراً بإنجاز معاملتي، بيد أني صدمت عندما أخبرني بكل برود أن الجو شديد الحرارة، وطالبني بالحضور غداً لإنجاز معاملتي”.
أما محمد عبدالله “موظف” فعبر لـ” سبق” عن أسفه لأن كثيراً من زملائه يتغيبون عن العمل في شهر رمضان، والبعض الآخر يتباطأ في إنجاز عمله وربما يؤجله لعدة أيام، حتى تتراكم الأعمال عليه ويشعر بثقل العمل، فيحصل على إجازة وتتعطل مصالح المواطنين.
فوضى الصيام
أما المحاسب سعيد الثبيتي فرأى أن مفهوم العمل لا يختلف من شهر لآخر، فشهر رمضان مثل أي شهر آخر من حيث أداء العمل والقيام بكل المهام الوظيفية، ولا مجال نهائياً للإهمال والتقاعس فيه، رافضاً تماماً تصرفات البعض وظهور حالة من عدم التركيز واللامبالاة بمصالح الناس بحجة الصيام.
فيما قالت ربة المنزل أماني العتيبي إن هناك تقصيراً كبيراً يحدث من الموظفات في شهر رمضان، حتى صار الصيام ليس عن الطعام فقط بل عن العمل أيضاً، وقالت: ذهبت إلى إدارة التربية والتعليم لفرع البنات لإنهاء أوراق نقل ابنتي من مدرسة لأخرى، وفوجئت أن الموظفة المسؤولة متغيبة عن العمل، ولا يوجد بديل مكانها، وعلى الناس أن تتحمل تعطيل مصالحها طالما نحن في الشهر الفضيل، مشيرة إلى أنه بات من المعروف للجميع أن رمضان ليس شهر العبادة والعمل، فقد حوله الموظفون إلى شهر الصوم عن العمل وتعطيل المصالح.
المدير صائم
“لا أحد يستطيع التحدث مع المدير في رمضان” بهذه العبارة بدأ فيصل العنزي حديثه لـ”سبق” قائلاً: “مدير شركتنا مدخن بشراهة، ومع صوم رمضان يثور لأتفه الأسباب ولا يتناقش معنا في العمل، وينصحنا دائماً السكرتير بعدم مناقشته أثناء الصيام، وفي كثير من الأحيان يتغيب عن العمل”.
تقسيم الدوام
ويرى ثامر العتيبي “موظف في شركة كبرى” أن تقسيم الدوام في رمضان يؤدي إلى إنجاز العمل بمرونة ويسر، موضحاً أن الموظفين في شركته يعملون في دوامات مختلفة، وعند إنجازهم للعمل، فإنهم من الممكن أن يحصلوا على إجازة لمدة أربعة أيام، وفقاً لنظام العمل في شركته.
المغالطات الاجتماعية
من جهتها، تحدثت الباحثة الاجتماعية والكاتبة سوزان المشهدي عن موقف شخصي حدث لها في طوارئ أحد المستشفيات، حيث ظل الطبيب يقرأ القرآن وبعدها قدم لهم العلاج على مضض، وقالت: لقد نظر لنا الطبيب بغيظ كأننا ارتكبنا إثماً، حيث جعلناه يترك المصحف ويعالج المرضى.
وأفادت أن هناك كثيراً من المغالطات الاجتماعية المرتبطة بالدين والتي ما زالت غير واضحة عند الغالبية، حتى أصبح رمضان شهراً للتبذير والإسراف في الطعام والنفقات.
ورأت أن “مفهوم العمل أصبح غير ضروري في شهر رمضان، نتيجة لمفهوم خاطئ عن الشهر الفضيل بأنه خصص للعبادة فقط، وليس للعمل، مما ينتج عنه تعطيل معاملات المواطنين”.
وأكدت المشهدي أن الصيام ليس مبرراً للتكاسل والتقاعس عن قضاء حاجات المواطنين وإنجاز معاملاتهم، فوقت العمل للعمل فقط لا للصلاة وقراءة القرآن، وأن خدمة المواطنين والرد على مراجعاتهم يثاب عليها الإنسان ولا مجال للإهمال فيه لأي سبب كان”.
وطالبت المشهدي بضرورة أن يصبح شهر رمضان حافزاً على العمل والإبداع، وليس عائقاً في سبيل إنجاز العمل، مشيرة إلى بعض المفاهيم الخاطئة التي تبرر للصائم ارتكاب الأخطاء، حتى بات من اللازم أن يتحمل الآخرون عصبية وتجاوز الصائم لمجرد أنه صائم.
الإنجاز بالأهداف
وعبر الخبير الاقتصادي الدكتور محمد القحطاني عن أسفه لانخفاض إنتاجية الموظف في شهر رمضان، لافتاً إلى أن ذلك يؤدي إلى تعطيل معاملات المواطنين، وإهدار الوقت، وتأثر الموظف الملتزم بتقاعس زميله عن العمل في رمضان.
ورفض القحطاني إلزام الموظف الحكومي بدوام محدد في رمضان، مؤكداً أن الإنجاز أكثر أهمية من قضاء ساعات هباء دون عمل واضح، وشدد على ضرورة إنجاز العمل سواء كان الدوام صباحاً أو مساء.
واقترح تطبيق نظام “الإنجاز بالأهداف” في القطاعين العام والخاص، موضحاً أن هذا النظام يركز على الأهداف التي يسعى الموظف لتحقيقها، دون النظر إلى الفترة الزمنية التي يستغرقها هذا العمل، وقال إن هذا النظام عبارة عن “إنجاز كبير في وقت وجيز”.
ورأى الخبير الاقتصادي أنه لا نجاح في المجتمع إلا بتطبيق هذا النظام على مدار العام، متمنياً أن يصبح رمضان شهراً للإبداع، وطالب الموظفين بالاهتمام بإنهاء معاملات المواطنين، كما يُخلصون في الصلاة والصيام.