ورغم وجود أدلة على أن الاسلحة الامريكية بدأت تجد طريقها إلى الجماعات الأكثر اعتدالا التي تقاتل قوات الرئيس السوري بشار الأسد فإن الخلافات حول أنواع الأسلحة ومن يتسلمها عرقلت سير المعارك.
ويشكو مقاتلو المعارضة من عدم وجود صواريخ مضادة للطائرات للتصدي للقوة الجوية التي تتمتع بها قوات الأسد.
وتمول السعودية وقطر المعارضة منذ سنوات على أساس أن الحرب الدائرة في سوريا معركة من أجل مستقبل الشرق الاوسط بين القوى المؤيدة للغرب من جهة وايران والمتطرفين الاسلاميين من جهة أخرى.
ومع ذلك ففي حين أن إدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما تحمل الاسد مسؤولية العنف وتريده أن يترك السلطة فإنها تنظر للصراع نظرة مختلفة كل الاختلاف.
ويخشى المسؤولون الأمريكيون التورط في حرب أهلية لا يرون لها حلا عسكريا واضحا تنذر باحتمال توجيه جيل جديد من الاسلاميين الذين يكرهون الغرب نحو التطرف.
وفيما بين مقاتلي المعارضة فإن إخفاق السعوديين والأمريكيين في تحسين مستوى التعاون يبين لهم الحقيقة من الوهم. ويبدو أن مباحثات استغرقت ساعتين بين أوباما والعاهل السعودي الملك عبد الله في مارس اذار لم تفعل شيئا لتغيير هذا الانطباع.
وقال أحد قادة المعارضة السورية في حلب يقاتل رجاله إلى جانب جبهة النصرة المتطرفة لرويترز عبر سكايب “إذا رفض الأمريكيون اعطاءنا (صواريخ) مضادة للطائرات فلماذا لا تعطيها لنا السعودية؟”
* اختلاف جوهري
في اللقاءات الخاصة يدافع المسؤولون الامريكيون والسعوديون عن العلاقة التي تربط بلديهما وتعد قوية وذات قاعدة عريضة.
لكنهم يسلمون بأن ثمة اختلافا جوهريا حول أسلوب معالجة الصراعات السياسية الكبرى في الشرق الاوسط التي تفاقمت بفعل الربيع العربي لاسيما ما ترى الرياض أنها سياسة توسعية ايرانية في منطقة الخليج.
وعندما توصلت واشنطن لاتفاق أولي مع طهران بشأن برنامجها النووي في نوفمبر تشرين الثاني الماضي خشيت الرياض أن يؤدي ذلك إلى تقليل الضغوط السياسية على ايران بما يتيح لها مجالا أكبر للتدخل في المنطقة.
كما استاء السعوديون عندما لم يبذل أوباما جهدا لدعم حسني مبارك الذي اضطر للتخلي عن السلطة في مصر عام 2011 وعندما انتقدت واشنطن تدخل الجيش والاطاحة بالرئيس الاخواني المنتخب محمد مرسي.
وفي الوقت نفسه يبدو أن الأسد يكتسب أرضا وأبلغ مسؤولا روسيا أن القتال العنيف سينتهي خلال عام.
وقال عبد الله العسكر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي الذي يقدم المشورة للحكومة “أخشى أن يختفي ما تبقى من الدولة السورية لذلك أقول إن الولايات المتحدة منيت بفشل كبير في هذا الجانب.”
لكن دبلوماسيا أمريكيا عمل في المنطقة قال لرويترز “الشعور بالاحباط من السعوديين كان نتيجة أنهم لم يقدموا لنا خطة قط.”
وقال الدبلوماسي السابق إنه كان من الضروري وضع استراتيجية تتضمن تجميع المعارضة في اتحاد سياسي وعسكري يسيطر عليه المعتدلون وفي الوقت نفسه لي ذراع روسيا والصين أهم مؤيدي الاسد في مجلس الأمن.
* التحرر من الوهم
وأضاف الدبلوماسي “لابد من وجود شيء أكبر من مجرد إلقاء الأسلحة وحقائب المال.”
وقامت الاستراتيجية السعودية الرئيسية في سوريا على اقناع واشنطن بضرورة استغلال امكانياتها الدبلوماسية والعسكرية والتخطيطية الأكبر بكثير لمساعدة المعارضة.
وقال جمال خاشقجي رئيس قناة تلفزيون العرب الإخبارية السعودية التي يملكها الأمير الوليد بن طلال إن السعوديين يريدون أن يستخدم الامريكيون صواريخ توماهوك ومقاتلات إف-16 ضد قوات الأسد لكنه أضاف أن الأمريكيين يتساءلون أيضا عن المقاتلات إف-15 التي يملكها السعوديون.
وتخشى الولايات المتحدة أن تتسرب أي أسلحة أو تدريب مقاتلي المعارضة عليها إلى المتشددين المعادين للغرب فيما يكرر التجربة التي مرت بها الولايات المتحدة في أفغانستان خلال الثمانينات.
وفي حين أن الرياض تدرك خطر المتشددين مثلما حدث قبل نحو عشر سنوات عندما شن تنظيم القاعدة سلسلة من الهجمات في المملكة فإنها ترى في الرفض الأمريكي خطأ استراتيجيا.
ويعتقد المسؤولون السعوديون أن عدم دعم جماعات المعارضة المعتدلة في وقت سابق لم يشجع الأسد فحسب بل سمح للاسلاميين بالظهور كأقوى عنصر في جانب المعارضة.
ورغم أن السلطات السعودية أعلنت مرارا أن تبرعاتها سواء للمعارضة السورية أو للمنظمات الانسانية يجب أن توجه عبر قنوات رسمية لضمان ألا ينتهي بها الحال في أيدي المتشددين فمن المرجح أن بعض التبرعات الخاصة وصلت للمتشددين.
ويشعر مسؤولون بالمملكة بالاحباط بسبب ما يرون أنه تردد أمريكي خاصة بعد أن تراجع أوباما عن توجيه ضربة عسكرية لسوريا في أعقاب هجوم كيماوي في ريف دمشق في أغسطس اب الماضي.
* رئيس الاستخبارات
ومع ذلك يعتقد مسؤولون أمريكيون أن التعاون شهد تحسنا في الأشهر الأخيرة وبدأت صواريخ أمريكية الصنع تظهر في ساحة القتال.
وربما يكون أحد أسباب تحسن الأجواء بين البلدين الحليفين رحيل رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان الذي كان يتولى إدارة السياسة السعودية في سوريا عن منصبه.
فقد تسبب أسلوبه في العمل في احتكاك مع الأمريكيين.
لكن مصدرا دبلوماسيا في الخليج قال إن واشنطن مازالت تريد مزيدا من الانفتاح في الجانب السعودي.
غير أن المصدر قال إن السعوديين مازالوا يشعرون بأن أمريكا خذلتهم عندما تراجعت عن توجيه ضربة عسكرية لسوريا.
ورغم كل الخلافات مع الرياض فمازالت واشنطن أهم حليف للمملكة إذ تشترك معها في رؤية تقوم على استقرار المنطقة والتعامل الصارم مع المتشددين الاسلاميين.
ويعمل الوجود العسكري الامريكي الكبير في الخليج على حماية حدود المملكة كما أن القوات المسلحة السعودية مزودة بعتاد أمريكي في أغلب الاحوال وتربط شبكة علاقات شخصية المسؤولين والدبلوماسيين ورجال الاعمال من الجانبين.
لكن بعد أن أدت انتفاضات الربيع العربي إلى زعزعة استقرار دول مجاورة للمملكة واحدة تلو الأخرى لم تتفق رؤية واشنطن مع الرياض.
* جذور الاستياء
قال الدبلوماسي الامريكي السابق إن ذلك أثر على وجهة نظر الرياض في المحادثات النووية التي تشارك فيها واشنطن مع ايران وذلك رغم محاولات أوباما ومسؤولين آخرين تهدئة المخاوف السعودية.
وقال جاري جرابو نائب رئيس البعثة الامريكية في الرياض سابقا إن السعوديين شديدو التشكك في ايران.
وقال “ثمة هاجس مسيطر عن ايران والخطر الذي تمثله. سمعنا من مسؤولين سعوديين بعضهم في مكانة رفيعة جدا أن نية ايران أن تجعل من نفسها زعيمة للعالم الاسلامي خاصة بعد أن استعاد الشيعة السيطرة على الأماكن المقدسة عندهم في العراق كربلاء والنجف.”
وأضاف جرابو “هذا يبدو مبالغة بالنسبة لنا لكني سمعتها أن الوجهة القادمة هي مكة والمدينة.”
ورغم كل هذا فمن المستبعد أن يتفكك التحالف إذ شبه جرابو العلاقات الامريكية السعودية بعلاقة زواج قديم فقال “الأمر أشبه باثنين متزوجين منذ 40 عاما. لا تستطيع أن تتخيل عدم وجودهما معا لكن لا يمكنك فيما يبدو أن تتفادى النقار.”