تدخل الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مرحلة جديدة بعد تعيين
الشيخ الدكتور / عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ ، والذي كانت له رؤية فقهية فيما يخص عمل المرأة
ومصطلح الاختلاط ، بالإضافة إلى مشاركات علمية متنوعة لابد وأن تؤثر على موقف الهيئة من بعض المسائل الحديثة .
نستعرض بعض مداخلات الدكتور عبداللطيف آل الشيخ والتي من خلالها يمكن استشراف التغيير القادم . سائلين المولى سبحانه أن يسدده
ويوفقه للخير .
سيرته الذاتية :
هو فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب.
تاريخ الميلاد: 1367هـ
النشأة: الرياض – المملكة العربية السعودية.
المؤهلات العلمية:
بكالوريوس كلية الشريعة بالرياض.
ماجستير من المعهد العالي للقضاء تخصص فقه مقارن.
شهادة الدكتوراه علوم إسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى والتوصية بطباعة الرسالة وتبادلها مع الجامعات العالمية.
الوظائف التي حصل عليها:
المدير العام لإدارة التفتيش بالرئاسة العامة لإدارات البحوث بالتكليف.
مساعد أمين ثاني عام هيئة كبار العلماء بالمملكة.
خبير شؤون إسلامية.
مستشار إسلامي.
مستشار خاص لسمو أمير منطقة الرياض.
له مشاركات متعددة في الأنشطة الإسلامية والإنسانية والخيرية.
عضو مؤسس في بعض الجمعيات الخيرية مثل:
– جمعية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز للإسكان الخيري.
– الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين.
طلب إحالته إلى التقاعد المبكر، وصدرت الموافقة الرسمية على ذلك بتاريخ 26-8-1422هـ.
له مؤلفات متعددة، ومنها كتاب بعنوان (خصوم الدعوة في العهد المدني ومظاهرها في العصر الحاضر)، وكتاب فقهي بعنوان (الحيازة والتقادم في الفقه الإسلامي مع مقارنة بالقانون الوضعي)، وبحث تحت عنوان (الشرط في الفقه الإسلامي)، كما أن له بحوثا فقهية متعددة.
والمعروف عن فضيلة الشيخ الجدية والصرامة وقوة الشخصية ولا تأخذه في الحق لومة لائم، وهو من كبار وجهاء أسرة آل الشيخ.
………
رؤية حول مصطلح الاختلاط :
إن الشريعة – ولله الحمد والفضل – فيها التيسير ورفع المشقة عن العباد، ولا يخفى على أحد من المسلمين في بلادنا حال الناس وما يمارس في الواقع من اختلاط في الأسواق والأماكن العامة ودور العبادة، كالحرمين وما يحصل في موسم الحج، وغير ذلك من التجمعات البشرية.. فهذا الاختلاط الذي فرضته الحاجة والضرورة، وهذه الممارسات ليست وليدة اليوم أو هذا الزمان، وإنما كانت موجودة منذ أزمنة قديمة، بل كانت موجودة في صدر الإسلام, ولم تأتِ الشريعة الإسلامية بمنعه على الإطلاق, بل أجازته في حدودٍ تكفل الحرية المنضبطة بالضوابط الشرعية للمرأة, مع المحافظة على الأعراض، وتمنع الوقوع في المحظورات المحرمة؛ فوضعت ضوابط وقيودًا واضحة صريحة لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتجاوزها، ومن لم يلتزم بهذه القيود فقد وقع في الاختلاط المنهي عنه، وهو المحرَّم.
ولا بد من عدم الخلط بين الخلوة والاختلاط..
فالخلوة: هي اجتماع رجلٍ مع امرأة أجنبية عنه بغير محرم في مكان منفردين فيه، في غيبة عن أعين الناس، وهذه الخلوة محرمة, والدليل على تحريم الخلوة ما رواه ابن عباس – رضي الله عنهما – حيث قال: سمعت الرسول – صلى الله عليه وسلم – يخطب يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم».
وما رواه عامر بن ربيعة – رضي الله عنه – أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما».
وعن جابر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها؛ فإن ثالثهما الشيطان», وعنه – رضي الله عنه – أيضا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تلجوا على المغيبات, فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم» أي لا تدخلوا على النساء اللاتي غاب أزواجهن بسفر ونحوه. وعن عقبه بن عامر – رضي الله عنه – أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء». فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت»، والحمو هو قريب الزوج, الذي لا يحل للمرأة كأخيه وابن عمه.
إلا خلوة في حالة الضرورة كمن يجد امرأة تائهة في صحراء ولا يوجد غيرهما, أو امرأة في قعر بئر تحتاج إلى من يخرجها، ونحو ذلك من الحالات والضرورات الملجئة؛ فهذه الخلوة ليست بمحرمة, بل يجب على الرجل أن يقوم بإنقاذ المرأة وإيصالها إلى مأمنها ولو كان غير ذي محرم.
والحكمة من تحريم الخلوة هي سدٌّ للذريعة الموصلة إلى الفاحشة أو الاقتراب منها.
والعلماء حين يحرمون الاختلاط إنما يريدون الاختلاط المطلق عن كل القيود أو الاختلاط المستهتر الذي لا تؤمن معه الفتنة.
فالاختلاط الجائز له ضوابط، من أهمها:
1- الالتزام بعدم التبرُّج وكشف المرأة ما لا يجوز لها كشفه لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِي قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ). (سورة الأحزاب الآية 59).
2 – الالتزام بغض البصر عما لا يجوز النظر إليه من الجنسين، وقد دل على هذين الشرطين: قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) وقوله عز وجل:(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) سورة النور 30- 31.
3 – الالتزام بعدم تكسر المرأة في كلامها والخضوع فيه، والدليل قوله تعالى (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِه مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا). سورة الأحزاب أية 32.
4 – الالتزام بالسكينة في المشي وعدم إظهار الزينة, قال تعالى (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) سورة النور آية 31.
5 – الالتزام بعدم التبرُّج بأي نوع أو أسلوب.
6 – الالتزام بالابتعاد عن مواطن الريبة أو ما يدفع الرجل إلى التجرؤ عليها واستغلالها.
7 – أن تلتزم المرأة بعدم التعطُّر واستعمال الزينة وأدواتها وما يثير شهوة الرجال لقوله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا استعطرت المرأة فمرت بالمجلس كذا وكذا يعني زانية».
8 – أن يخلو من تلاصق الأجسام عند الاجتماع؛ فعن أبي سيد الأنصاري – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول وهو خارج من المسجد, فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للنساء: «استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن (تتوسطن) الطريق عليكن بحافات الطريق».
9 – أن يكون الاختلاط في حدود ما تفرضه الحاجة دون إسراف أو توسع أو تعطيل عن واجبها الأساس في رعاية البيت وتربية الأبناء.
10 – أن يخلو من إزالة الحواجز بين الجنسين حتى يتجاوز الأمر حدود الأدب والسمت, وينافي العفة والحياء, وكذا عدم الإطالة وما يوصل إلى حد الامتزاج.
11 – ومن أهم الضوابط مراقبة الله تعالى وخشيته في السر والعلانية؛ فمن راقب الله ابتعد عن محارمه.
12 – سن عقوبات من قِبل ولي الأمر وتطبيقها على كل من يتجاوز الآداب والسمت؛ فإن الله ينزع بالسلطان مالا ينزع بالقرآن.
13 – أن لا يكون الاختلاط متعمدًا ومقصودًا لذاته، وإنما تفرضه الحاجة والضرورة.
فإن تم الاختلاط بهذه الضوابط كان جائزًا.
وفي الختام أجد أنه من المناسب التذكير بأن من عاش في مدينة الرياض في سنوات خلت قبل 1390هـ تقريباً يتذكر ولا ينسى ما كان فيها من حركة تجارية وأسواق تزخر بالكثير من الباعة رجالاً ونساءً، يعملون في اكتساب الرزق الحلال من خلال البيع والشراء ببساطة ويُسْر، وكلٌّ على قدر ما يتيسر له من ثروة ورأس مال، ولا أنسى سوق المقيبرة، وهو السوق الرئيس في هذه المدينة، والطريق الممتد من الجنوب إلى الشمال، وهو الشارع الذي يعتبر أكثر كثافة بالباعة على يمينه وشماله من الرجال والنساء ببسطات تحوي كل ما يحتاج إليه من يقصد السوق من ملابس جديدة وقديمة ومواد غذائية وحتى السمن والذهب والحلي… إلخ، مما يباع ويشترى، والباعة من النساء والرجال غالبيتهم من أبناء الوطن، وكذلك سوق حلة القصمان شرق الرياض، وسوق منفوحة جنوب الرياض، وكان الناس لا يرون من ينكر عليهم أو يعكر صفوهم، وكانت الرياض في ذلك الوقت تزخر بالعلماء الكبار الأجلاء أمثال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عمر بن حسن آل الشيخ رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسماحة الشيخ عبدالله بن حميد، وغيرهم من المشايخ والعلماء – رحمهم الله جميعا -، وكانوا يعلمون بهذه الأسواق ولم نسمع عنهم أنهم اعترضوا عليها أو أنكروا على من فيها من الباعة وهم أصحاب كلمة مسموعة ورأي سديد، وكانوا يحظون بالاحترام الوافر والتقدير عند ولاة الأمر وعند الناس، وكان نصحهم مقبولا عند الجميع ولا تُردُّ لهم نصيحة أو مشورة، فرحمهم الله جميعا وغفر لهم وللمسلمين، إنه سميع مجيب. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
………
رؤية فقهية حول عمل المرأة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
منذ عهد النبوة والوحي يتنزل وللمرأة وجود ونشاط في المجتمع المدني، ولها إسهامات في بناء مجتمعها أقرها عليه الشرع المطهر، شاركت في بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الرجال، وهاجرت وجاهدت وعملت وتاجرت وطببت ومرَضت وصنعت وزرعت، وقامت برعاية الأسرة والعناية بالأولاد والزوج. وللمرأة في صدر الإسلام مكانة رفيعة وإسهامات كبيرة في إثراء النهضة العلمية والفكرية والأدبية والاقتصادية والصناعية، وبرز في مراحل التاريخ الإسلامي الأولى الآلاف من النسوة النابغات والمتفوقات في شتى العلوم وفروع المعرفة.
لو تصفحنا كتاب «الإصابة في تمييز الصحابة» للحافظ بن حجر – رحمه الله تعالى – لوجدناه دون أكثر من ألف وخمس مئة اسم امرأة منهن المحدثات والفقيهات، وغيرهن ممن برع من النساء وتميز وكذلك كتاب الإمام النووي – رحمه الله- «تهذيب الأسماء واللغات» وكتاب السخاوي «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» وغيرهم ممن صنف في كتب الطبقات والتراجم.
عمل المرأة مُباح إلا عملاً محرماً لذاته أو مكانه، والاختلاط البريء لا يمنعها
إن الإسلام كرم الإنسان الرجل والمرأة على حد سواء وما أعطاه الإسلام للرجل أعطاه للمرأة وقد أعطى للمرأة الحرية الكاملة في التصرف المشروع في مالها إذا كانت راشدة مثل ما أعطى الرجل تماماً ولها أيضاً حق اختيار العمل أو المهنة التي تميل إليها وليس فيها مخالفة لنص شرعي كما أعطاها المشرع الحق في قبول الخاطب أو رفضه، كما أعطاها الحق بطلب فسخ عقد الزواج إذا لم تحصل على حقها المقصود من العقد أو كرهت الزوج لسبب، كما حرم الله سبحانه وتعالى عضلها أو منعها من أي حق من حقوقها إلا بمسوغ شرعي ظاهر مثلها في ذلك مثل الرجل في الحقوق والواجبات وإن بدا شيء من الفروق في بعض التكاليف أو الواجبات بين الرجل والمرأة فإن ذلك بسبب الخصائص التي ميز الله تعالى بها الرجال عن النساء والعكس وهذه ليست نقيصة ولا سبباً لسلب حق من حقوق المرأة التي خلقها الله سبحانه وتعالى مثل الرجل لعبادته وحده وعمارة أرضه جل جلاله.
لقد استحوذت قضية عمل المرأة وسعيها للكسب الحلال وأصبحت الشغل الشاغل لكثير من أبناء الوطن العزيز علماء وساسة وكتاباً وعموم الناس، وهي قضية كفانا الشرع المطهر الاهتمام بها، وإيجاد الضوابط المناسبة لها، والكافلة لمن أخذ بها وسار على هديها السعادة والطمأنينة في الدنيا والفوز والنجاة في الآخرة، وتفرع عن قضية عمل المرأة محل الأخذ والرد قضية أخرى وهي عمل المرأة محاسبة «كاشير» في الأسواق التجارية الكبيرة التي يرتادها في اليوم الآلاف من الرجال والنساء، ونالت هذه القضية الكثير من اللغط وعدم الفهم للمراد من عمل وارتزاق المرأة من هذه المهنة، وبعد تردد مني بالخوض في هذه القضية استخرت الله سبحانه وتعالى ورأيت أن من أداء الأمانة العلمية والقيام بالواجب الذي يُبرئ الذمة أن أبحث هذه المسألة من جميع الأوجه باحثاً عن الحكم الشرعي الذي يزيل اللبس ويرفع الغشاوة التي تدفع الشبهة وتحقق المطلوب بالدليل الشرعي من كتاب الله تعالى وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن خلال البحث اتضح لي وظهر أن عمل المرأة «محاسبة» في الأسواق المذكورة المزدحمة بالمتسوقين هو نشاط وعمل كغيره من الأنشطة والأعمال التي أوجدت لها الشريعة حلولاً وجعلت لها ضوابط وشروطاً لبعض الصور والأغراض، ولذا نرى أن الشريعة الإسلامية جعلت الأصل في كل شيء الإباحة إلا ما ورد فيه نص من الكتاب أو السنّة أو أجمعت على تحريمه الأمة، كما أن الشرع المطهر لم يأت بالحرج والمشقة بل أتى برفعهما، كما أن الأحكام شُرعت لمصالح العباد، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «فحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله تعالى».
أم المؤمنين خديجة بنت خويلد نموذجاً للمرأة التي حصنت الإسلام بثروتها وحكمتها
لم يرد في الشريعة الإسلامية ما يمنع عمل المرأة في التجارة أو غيرها من الأعمال المحترمة، والثابت الصحيح أن النساء في صدر الإسلام كن يبعن ويشترين باحتشام وتحفظ من إبداء الزينة، ومارسن كل المهن المشروعة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والوحي ينزل وهي تعمل في مجالات عدة من تجارة وطب وتعليم وصناعة، كما أنهن شاركن في العمل العسكري، ولم تكن المرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مهمشة ممنوعة من ممارسة دورها الطبيعي أو مهضومة الحق، وكما هو معلوم إلى عهد قريب في أسواق الرياض مثل «المقيبرة» و«سوق المدعى» في مكة المكرمة وغيرها من المدن الأخرى التي كانت النسوة يمارسن فيه البيع والشراء في شتى السلع على نطاق واسع، ولم يحصل أن أنكر عليهن أحد من المعتبرين في العلم أو الدولة حرسها الله، بل هُيئت لهن الأماكن التي تساعدهن على تيسير عملهن وكن متساويات مع الرجال في إتاحة الفرصة لهن بالتجارة والعمل للكسب الحلال.
والخطاب الشرعي موجه للرجل والمرأة على حد سواء في التكاليف الشرعية وفي الأوامر والنواهي:
قال الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، سورة التوبة، الآية ١٠٥.
وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) سورة النساء، الآية ٢٩.
وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) سورة المائدة الآية ١.
وقال الله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً) سورة النساء: ٧.
وقال الله تعالى: (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) (النساء ٣٢).
وقال الله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها) سورة البقرة، الآية ٢٨٢.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما» أخرجه البخاري في كتاب البيوع. قال صلى الله عليه وسلم مما روى الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها: «إنما النساء شقائق الرجال».
روى أبوهريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أقال نادماً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة» صحيح ابن حبان كتاب البيوع باب الإقالة.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً» رواه الترمذي.
فالنصوص من الكتاب والسنّة تشير إلى الذكر والأنثى جميعاً ولم تستثن أحداً منهما في الخطاب والتوجيه الذي يبين ويوضح الطريق المستقيم.
ورعاية للمرأة وحفظاً لها من الامتهان والابتذال وحتى لا تكون لقمة سائغة للمفسدين والمتسلطين وضعاف العقول، ولأن الشريعة الإسلامية تحض على العمل والكسب الحلال ولا تمنع أحداً من ذلك رجالاً أو نساء، فهم على حدد سواء إلا أنها لم تترك الناس فوضى بل وضعت حدوداً وضوابط تكفل وتضمن للملتزم بها من أن يقع في المحذور، كما أن الشريعة شاملة وكاملة فلم تترك شأناً من شؤون الرجل والمرأة إلا وبينت حكم الله فيه، إما عن طريق مصادر التشريع الأصل وهي كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة والقياس، أو عن طريق باقي مصادر التشريع كالمصالح المرسلة والاستحسان.. الخ، لقد وضعت معالم وأطر هي بمثابة السياج المنيع الذي يحفظ كرامة المرأة ويحميها من أن تكون مطية لشهوة منحرف أو نزوة خبيث يفقدها عفتها وطهرها ونقاءها، ويوقع المجتمع في الانحلال والفساد.
وعمل المرأة مباح إلا عملاً محرماً لذاته أو مكانه، أما العمل المختلط اختلاطاً بريئاً عارضاً لا ريبة فيه ولا يتحقق وقوع الفساد فيه، مثل أن تعمل المرأة محاسبة في الأسواق الكبيرة التي يرتادها من الناس الكثير كما أن هذه الأسواق تحت رقابة ومتابعة ذاتية مستمرة بالأجهزة المرئية المسجلة وتحت رقابة الدولة وفقها الله تعالى من قبل الجهات الحكومية المخولة مثل هيئات الحسبة ووزارة العمل وغيرها.
وكما هو معلوم أن هذه الأسواق حريصة على سمعتها ومكانتها ولا يباع فيها إلا المباح أجد أن هذه الموظفة التي تعمل فيها محاسبة «كاشير» يجري عليها الأحكام الشرعية التالية:
١- الحالة الأولى:
أن تكون المرأة محتاجة للعمل لكسب رزقها ولسد حاجتها أو حاجة والديها أو أسرتها وليس لديها خيار آخر أو بديل يسد حاجتها وهي ملتزمة بالضوابط الشرعية، ومنها:
١- إذن ولي الأمر أو الزوج لزوجه.
٢- أن يكون العمل المراد الخروج لأجله غير محرم، ولا اختلاط فيه ريبة ولا خلوة فيه لأنها محرمة.
٣- أن يكون الخروج للحاجة للعمل وطلب الرزق الحلال.
٤- أن يكون العمل لحاجة لها أو لمجتمعها.
٥- ألا يكون الخروج للعمل فيه إضاعة لحق الأولاد أو الزوج.
٦- أن تلتزم المرأة بالحجاب وعدم إبداء الزينة أو التعطر أو يبدو منها ما يغري أو يفتن الرجل، والاتزان في حركاتها ومشيتها والخضوع في القول والتحدث.
٧- الابتعاد عن مواطن الريبة وصحبة السوء والالتزام بالأمانة والصدق.
٨- وقبل ذلك وبعده أن تحرص على مراقبة الله ومخافته في السر والعلن.
فهذه المرأة يجوز لها مزاولة هذا العمل ولا تثريب عليها إن شاء الله.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما: «يسرا ولا تعسرا» رواه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار» حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً.
«ما جاز لعذر بطل بزواله» الأشباه والنظائر للسيوطي صفحة ٨٥. و«الضرورات تبيح المحظورات» قواعد الفقه ص٨٩ للبركتي.
٢- الحالة الثانية:
إذا كانت المرأة ملتزمة بالضوابط الشرعية آنفة الذكر ولم تجد عملاً غير هذا العمل من غير حاجة ولديها ما يغنيها ويدفع الحاجة عنها فإن ممارستها لهذا العمل لا يخرج الحكم عن إطار الكراهة ومن ترك شيئاً لله عوضه الله بخير منه. قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب» سورة الطلاق آية ٢-٣.
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال «ما من عبد ترك شيئاً لله إلا أبدله الله به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب..» رواه أبو نعيم في الحلية.
وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك لا تدع شيئاً اتقاء الله تعالى إلا أعطاك الله عز وجل خيراً منه» رواه أحمد وإسناده صحيح ورواه البيهقي ووكيع.
٣- الحالة الثالثة:
إذا كانت راغبة العمل في هذه المهنة غير قادرة على الالتزام بالضوابط الشرعية أو معروفة بذلك فإن عملها بالأسواق يعتبر محرماً، ومن يمكنها من العمل آثم ويحرم عليه ذلك.
وأفضل عمل تقوم به المرأة ويناسب طبيعتها أن تقر في بيتها وتقوم بشؤون زوجها وأولادها، ولا يكون العمل خارج البيت إلا لحاجة لها أو حاجة ملحة لمجتمعها. قال تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) سورة الأحزاب، الآية ٣٣.
وهذا الخطاب موجه إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين تبعاً لهن في ذلك.
ومن النماذج الطيبة الطاهرة في الصدر الأول للإسلام، أمهات المؤمنين وغيرهن من المؤمنات، فالسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها حصنت الإسلام بثروتها وحكمتها. لا سنّة للنساء في ممارسة التجارة أظهر وأهدى من الاقتداء بسيدتنا خديجة بنت خويلد التي كانت من أصحاب رؤوس الأموال في مكة. فقد كانت لها تجارة تبعث بها إلى الشام حتى أن عيرها كانت كعامة عير قريش، تستأجر لها الرجال يجلبون لها المتاع فيبيعونه وتجازيهم عوضاً عن ذلك. فقد خرج في عيرها خير الرجال صلى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة وقالت له: أعطيك ضعف ما أعطي قومك وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج إلى سوق بصرى وباع سلعته التي خرج بها، واشترى غيرها وربحت ضعف ما كانت تربح. فأربحت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم ضعف ما سمت له.. الإصابة في تمييز الصحابة، «٤/٨١».
وفي ترجمة قيلة أم بني أنمار – من طبقات ابن سعد – أنها قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المروة ليحل بعمرة من عمره، فجئت أتوكأ على عصا حتى جلست إليه فقلت: يا رسول الله إني امرأة، أبيع وأشتري فربما أردت أن أشتري سلعة، وأعطي فيها أقل مما أريد أن آخذها به، وربما أردت أن أبيع السلعة فاستمت بها أكثر مما أريد أن أبيعها به ثم نقصت ثم نقصت حتى أبيعها بالذي أريد أن أبيعها به. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلي هكذا يا قيلة ولكن إذا أردت أن تشتري شيئاً فأعطي به الذي تريدين أن تأخذيه به أعطيت أو منعت، وإذا أردت أن تبيعي شيئاً فاستأمي الذي تريدين أن تبيعيه به أعطيت أو منعت. رواه البخاري في التاريخ وابن ماجه وابن سعد في الطبقات.
كانت «الشفاء بنت عبدالله العدوية» واسمها ليلى من المبايعين الأوائل ومن المهاجرين وكانت تعد من أعقل الصحابيات قال عنها ابن حجر: كانت من عقلاء النساء وفضلائهن وكان رسول الله يأتيها ويقيل عندها في بيتها.. كان عمر يقدّمها في الرأي ويرعاها ويفضلّها وربما ولاّها شيئاً من أمر السوق.. «الإصابة ٨/١٢٦».
وإضافة إلى الشفاء التي كانت تعتبر من خيرة صحابيات الرسول، وقد عملت امرأة أخرى تدعى «سمراء بنت نهيك» كانت تتصدى للحسبة في السوق.
فعن أبي بلج يحيى بن سليم قال: «رأيت سمراء بنت نهيك – وكانت قد أدركت النبي عليها درع غليظ وخمار غليظ، بيدها سوط تؤدب الناس، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر»، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٩/٢٦٤) بإسناد جوده الألباني وقال الهيثمي (٩/٢٦٤) ورجاله ثقات.
وذكر الإمام ابن عبدالبر في الاستيعاب في ترجمة الصحابية الجليلة سمراء بنت نهيك الأسدية «أدركت رسول الله وعمرت وكانت تمر في الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها» الاستيعاب، ابن عبدالبر، (٤/١٨٦٣).
وكانت النسوة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يمرضن ويداوين ومن أشهرهن الربيع بنت معوذ بن عفراء التي كانت تخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته لمعالجة الجرحى وكذلك رفيدة الأنصارية التي كانت لها خيمة بجوار المسجد تعالج فيها الجرحى من الصحابة رضي الله عنها، وحديث علاجها لسعد بن معاذ رضي الله عنه مشهور معروف، وأم عمارة الأنصارية رضي الله عنها نسيبة بنت كعب رضي الله عنها وموقفها العظيم في القتال يوم أحد، وكذلك أم سليم رضي الله عنها وموقفها يوم حنين، ويوم أحد مع عائشة رضي الله عنهما، وكل مواطن صالح يساهم في إيجاد فرص عمل لإخوانه المواطنين وأخواته مأجور بإذن الله متى ما أخلص النية وأوجد البيئة الإسلامية المنضبطة بالضوابط الشرعية التي تمنع من الوقوع في السوء والخطيئة والآثام. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» رواه مسلم بهذا اللفظ.
……….
حوار مع الشرق الأوسط
* فضيلة الدكتور، كثر الجدل أخيرا في السعودية حول مفهوم «الاختلاط» بين الرجال والنساء، وكثرت الآراء الفقهية، بين محذر منه وبين مبيح له، وبين مفصل فيه، والبعض قال إن مصطلح «الاختلاط» طارئ على القاموس الفقهي القديم.. ما موقفك من هذه المسالة؟
– كثر التحدث من بعض الناس في هذه الأيام عن قضية الاختلاط، والمقصود به اختلاط النساء بالرجال غير المحارم في مكان واحد. فانقسم بعض المتحدثين في هذه القضية إلى قسمين أو فريقين أحدهما قال بالتحريم المطلق، وبالغ في ذلك والقسم الآخر أجاز الاختلاط على الإطلاق، وكلا الفريقين التزم بجانب التشدد، والتطرف الذي يخالف الفطرة، ومقصد الشرع. وبقي الناس الذين ينشدون الحق بين طرفين كل منهما يزعم أنه على الحق والآخر على الباطل فأصبحوا في حيرة وتردد بين التشدد المذموم، والانفلات المحرم. ولو دققنا النظر في قول بعض من قال بتحريم الاختلاط مطلقا لوجدناه يخلط بين الاختلاط، والخلوة المحرمة، ولا يفرق بينهما، لذا لا بد من عدم الخلط بين الاختلاط والخلوة والتفصيل في المسألة. فالخلوة هي: اجتماع رجل مع امرأة أجنبية عنه بغير محرم في مكان منفردين فيه، في غيبة عن أعين الناس. هذه هي «الخلوة المحرمة بإجماع العلماء». والدليل على تحريم الخلوة ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم». وما رواه عامر بن ربيعة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلوان رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما». وعنه رضي الله عنهم أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلجوا على المغيبات، فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم». أي لا تدخلوا على النساء اللاتي غاب أزواجهن بسفر ونحوه، وقد أباح الشرع الخلوة في حالة الضرورة الملجئة، كمن يجد امرأة في صحراء ولا يوجد غيرهما، أو امرأة في قعر بئر تحتاج لمن يخرجها ونحو ذلك من الحالات والضرورات، فهذه الخلوة ليست بمحرمة بل يجب على الرجل أن يقوم بإنقاذها وإيصالها إلى مأمنها ولو كان غير ذي محرم، والحكمة من تحريم الخلوة هي: سد الذريعة الموصلة إلى الفاحشة. ولذلك فلا بد من ملاحظة عدم الخلط بين الاختلاط والخلوة. والشرع المطهر شرع الله الذي جاء من خالق البشر فيه التيسير والرحمة ورفع المشقة عن العباد، وكما هو معلوم باتفاق الأمة على أن الشريعة حرصت على المحافظة على «الضروريات الخمس» وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. فالحمد لله، ما جاءت الشريعة لتحميل الناس ما لا طاقة لهم به من الشدة والعنت أو تركتهم فريسة للانحلال والضياع، إنما حرصت على تكوين أمة وسط لتساهم في تعمير الكون الرحب الفسيح الذي أوجده الله تعالى.
* كل ما تفضلت به يا شيخ عبد اللطيف هو تفصيل فقهي وشرعي للكلام في مسألة الاختلاط بين الرجل والمرأة، لكن كيف كان الاختلاط أو التواصل بين مجتمع الرجال والنساء يحصل في حياة المسلمين العملية؟
– لا يخفى على أحد من المسلمين في بلادنا حال الناس وما يمارس في الواقع من اختلاط في الأسواق والأماكن العامة ودور العبادة كالحرم المكي والحرم المدني وما يحصل في موسم الحج، وما يحصل في مجالس القضاء وغير ذلك من التجمعات البشرية، فهذا الاختلاط الذي فرضته الحاجة والضرورة وهذه الممارسات ليست وليدة اليوم أو هذا الزمان، فقد كانت موجودة منذ أزمنة قديمة، بل كانت موجودة في صدر الإسلام والذي لا يعلم ذلك فعليه الاطلاع على كتب السيرة والمغازي وبعض كتب الفقه والتفسير.
* وخلاصة الرأي في الاختلاط، عطفا على ما شرحته هنا.. ما هي؟
– الاختلاط لم تأت الشريعة المطهرة بمنعه وتحريمه على الإطلاق، بل أجازته في حدود تكفل الحرية للإنسان ذكرا وأنثى، الحرية المنضبطة بالضوابط الشرعية المحافظة على الأعراض والمانعة من الوقوع في المحظورات التي تهدم كيان الأسرة والمجتمع وتنافى العفة وكرامة البشر، فوضعت ضوابط وقيودا واضحة وصريحة لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتجاوزها ومن لم يلتزم بهذه الضوابط فقد وقع في المحذور المنهي عنه وهو الاختلاط المحرم، ومن التزم بها فقد دخل في إطار الاختلاط المباح، إذن فالعلماء حين يحرمون الاختلاط إنما يريدون الاختلاط المطلق عن القيود والضوابط أو ما يسمى بالاختلاط المستهتر الذي لا تؤمن معه الفتنة.
* هناك اختلاط جائز وغير جائز وفق تقسيمك السابق.. هل يمكن أن توضح لنا أكثر؟
– الاختلاط الجائز له ضوابط من أهمها مراقبة الله تعالى وخشيته في السر والعلانية، فمن راقب الله ابتعد عن محارمه. ومن الضوابط:
1 – الالتزام بعدم التبرج وكشف المرأة ما لا يجوز لها كشفه لقوله – تعالى – «يَا أَيُّهَا النَّبِي قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ». سورة الأحزاب الآية 59 2 – الالتزام بغض البصر عما لا يجوز النظر إليه من الجنسين والدليل على هذين الشرطين: قوله – تعالى – : «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ» وقوله – عز وجل – : «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ». سورة النور 30 31 3 – الالتزام بعدم تكسر المرأة في كلامها والخضوع فيه والدليل: قوله – تعالى – «فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا». سورة الأحزاب آية 32 4 – الالتزام بالسكينة في المشي وعدم إظهار الزينة، قال تعالى « وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ » سورة النور آية 31.
5 – الالتزام بالابتعاد عن مواطن الريبة أو ما يدفع الرجل إلى التجرؤ عليها واستغلاله.
6 – أن تلتزم المرأة بعدم التعطر واستعمال الزينة وأدواتها وما يثير شهوة الرجال لقوله – صلى الله عليه وسلم «إذا استعطرت المرأة فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا، يعني زانية».
7 – أن يخلو من تلاصق الأجسام عند الاجتماع، فعن أبي أسيد الأنصاري – رضي الله عنه أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم للنساء: «استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن (تتوسطن) الطريق، عليكن بحافات الطريق».
8 – أن يكون الاختلاط في حدود ما تفرضه الحاجة دون إسراف أو توسع أو تعطيل عن واجبها الأساسي في رعاية البيت وتربية الأبناء.
9 – أن يخلو من إزالة الحواجز بين الجنسين حتى يتجاوز الأمر حدود الأدب والسمت، وينافي العفة والحياء ، وعدم الإطالة وما يوصل إلى حد الامتزاج.
10 – أن لا يكون الاختلاط متعمدا ومقصودا لذاته وإنما تفرضه الحاجة والضرورة.
11 – سن عقوبات من قبل ولي الأمر على كل من يتجاوز الأدب والسمت فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
* يلوم بعض المراقبين، محليا وخارجيا، علماء الدين في السعودية بسبب توسعهم في الأخذ بمبدأ سد الذرائع وعدم الإقدام على التوسيع وفتح الذرائع بما لا يناقض أمرا قطعيا في الشريعة، فهل هذا اللوم في محله؟
– علماء الشريعة لم ينفردوا بالعمل بهذه القاعدة وهي قاعدة «سد الذرائع» بل معمول بهذه القاعدة حتى في القوانين الوضعية والأنظمة التي سنها وابتكرها البشر، فأصل قاعدة «سد الذرائع» متفق عليه عند العلماء جميعا وكل ما يفضي إلى محرم قطعا فهو محرم عند العلماء جميعا وكل ما يفضي إلى الحرام غالبا كالخلوة مثلا فهو محرم. وما عدا ذلك فالأولى عدم التشدد بالأخذ بهذه القاعدة، فينبغي عدم المبالغة في سد الذرائع، فتحريم الذرائع التي تفضي إلى الحرام قطعا أو غالبا هو من باب تحريم الوسائل، وليس من باب تحريم المقاصد، وما حرم من هذا الباب فإنه يباح عند الحاجة، ولو لغير ضرورة. ومما أورده أهل العلم من الشواهد في كتبهم قولهم ما كان منهيا عنه للذريعة فإنه يفعل لأجل المصلحة الراجحة، ، (انظر مجموعة الفتاوى لابن تيمية، وكتابي: إعلام الموقعين، وزاد المعاد، لابن قيم الجوزية) فحبذا لو أخذ بعض العلماء بالتوسط والاعتدال في الأخذ بقاعدة سد الذرائع. فلا يسد من الذرائع ويقطع إلا ما أفضى غالبا إلى محظور، أو كانت المفسدة راجحة على المصلحة، لأن الأصل في الأشياء الإباحة
* ما رأيكم في مسالة زواج القاصرات، وتوجه وزارة العدل كما ذكر معالي الوزير أخيرا على هامش رعايته ملتقى المحامين والمستشارين، إلى ضبط ومعالجة هذه المسألة؟
– يجوز لولي الأمر أن يقيد المباح وأن يضع الشروط والضوابط له من منظور المصالح المرسلة حفاظا على مصالح رعيته التي ولاه الله إياها. لذلك يجوز لولي الأمر أو من ينيبه أن يقيد المباح عندما يرى أن المصلحة في تقييده ومن ذلك تحديد سن الزواج للقاصرات، ومن «المصلحة المرسلة» تحديد السن، وهذا من الشرع كما قال ابن القيم رحمه الله: «حيث ما كانت المصلحة فثم شرع الله». والذي يشاهد حال الناس اليوم وضعف الوازع الديني والأخلاقي عند بعضهم لا بد وأن يرى ضرورة تحديد سن زواج للقاصرات لدفع الظلم الذي يراد إيقاعه عليهن لضعفهن وقلة حيلتهن أو استغلال حاجتهن أو حاجة أسرهن. وأرى أن الحاجة لمثل هذا التقييد ملحة وتوجب سرعة البت فيه وتطبيقه. ولا يخفى ما حصل لتنظيم وتقييد السماح بالزواج من الأجنبيات من اعتراض في بداية الأمر وأثبتت التجارب جدوى وفائدة هذا التقييد والذي يعتبر من تقييد المباح شرعا للمصلحة العامة.
* ما رأيكم في مزاولة المرأة للبيع في المحلات الخاصة بالمستلزمات والملابس النسائية؟
– رأيي في هذه المسألة أن قيام المرأة المحتشمة والملتزمة بالضوابط الشرعية بالبيع في المحلات المخصصة للمستلزمات النسائية من ملابس داخلية وخارجية وأقمشة وأدوات زينة وحلي وما يخص الأطفال جائز بل مستحب لما يفضي إليه من مصلحة ظاهرة للمرأة البائعة والمشترية ، ويجب على المسؤولين في وزارة العمل والجهات الحكومية ذات العلاقة أن يستعجلوا في تطبيق القرارات الصادرة بهذا الشأن بالسماح للنساء بمزاولة هذا النشاط ويجب تشجيعهن على ذلك وتهيئة الظروف المناسبة لهن وحمايتهن من العابثين. كما أطالب المسؤولين بقصر مزاولة هذا النشاط على النساء فقط، كما أن في تطبيق هذا القرار قضاء على السلبيات الخطيرة وما يترتب عليها من مفاسد من جراء قيام الرجال ببيع وعرض ملابس خاصة بالنساء تستحي المرأة العفيفة من أن يطلع عليها غيرها. وأرى أن بيع الرجال في هذه المحلات الخاصة بالمستلزمات النسائية، وخاصة الملابس الداخلية لهن شر من الاختلاط المطلق أو المستهتر.
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/news/news2/12065.html#ixzz1jkS9Kq15