[SIZE=5][B][COLOR=#040404]دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى حوار الأديان قادتني إلى الحديث عن حوار الأديان حسب تخصصي فيه, واستجابة لدعوة ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تعالى, فقد أصبح الحوار قضية ملحة على جميع المستويات، وخصوصاً في هذا العصر الذي تشابكت فيه المصالح، وتعقدت فيه المشاكل على نحو لم يسبق له مثيل، وقد أصبح البحث عن حلول لهذه المشاكل عن طريق الحوار أمراً ضرورياً سواء أكان الحوار محلياً أم إقليمياً أم عالمياً حسب طبيعة المشاكل المثارة، وعلى جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وغيرها من مشكلات، ومن هنا يمكن القول إن الحوار أصبح ضرورة من ضرورات العصر للتغلب على المشكلات الواقعية في عالمنا، وتعد القضايا الدينية جزءاً لا يتجزأ من مشكلات العالم المعاصر الواقعية، بل تعد في كثير من الأحيان بمثابة الخلفية لغيرها من المشكلات لما للدين من تأثير عميق في نفوس الناس.
إن حوار الأديان ظاهرة إسلامية وجدت منذ فجر الإسلام، فقد انطلقت المبادرة إلى الحوار الديني أساساً من القرآن الكريم في توجيهه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول القرآن الكريم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}آل عمران-64.
ويمتاز موقف الإسلام في أي حوار ديني على أي مستوى عالمي بميزة فريدة لا تتوفر لغيره من الأديان، وهي إيمانه بكل الديانات السماوية السابقة، وهذه الميزة تجعله متحرراً من العقائد والحساسيات السماوية التي قد تعكر صفو الحوار.
وعلى هذا الأساس فإن الحوار بين الشعوب والحضارات وفق النظرة الإسلامية يكون بالتعاون على الخير والابتعاد عن العدوان وذلك لصالح الإنسانية فلا يستطيع أي شعب أن يعيش ولا أية دولة أن تستمر إلا بالاندماج في المجتمع الدولي لتكون عضواً فعالاً من عناصر الأسرة الدولية وتواكب التطور والتقدم في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والصناعية والتكنولوجية والثقافية.إن الحوار الهادف مع الآخر يجب أن يخضع لثوابت وأصول حددها القرآن الكريم في كثير من آياته الكريمة وحث على المحافظة على تلك الآداب خاصة في الحوار مع أهل الكتاب، ويجب أن يكون الحوار متواصلاً مع جميع الحضارات والثقافات في العالم خاصة في هذا العصر، عصر الاتصالات والإنترنت، وأصبح من واجب المسلمين العمل على مواصلة الحوار مع الآخر لتصحيح صورة الإسلام المشوهة التي علقت في أذهان الغربيين عبر القرون نتيجة للجهل بالإسلام وبخصوصيات الثقافة العربية الإسلامية. لقد آن الأوان ليعرف العالم أجمع رسالة الإسلام السمحة وعلى المسلمين المحافظة على هويتهم الثقافية المرتكزة على اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، وعلى الثوابت الفقهية في الفكر الإسلامي أي ما يمكن أن نطلق عليه بالمفهوم المعاصر الخصوصيات الثقافية للشعوب العربية والإسلامية. لكن فهم إدارة الحوار وكيفية التعامل معه على اعتبار أنه سنة من سنن الله تعالى في الكون، هو القضية المهمة في رفد الأمة بالإبداع الحضاري دون الوقوف على موقع الباحث عن الذات إثر التهم الملقاة متى شاء الآخر، فتفقد حينئذ الأمة المبادرة وتتحول لرفد عفوي دون اختيار منها، مما يعني وجوب نقل كنوز الحضارة الإسلامية وقيمها إلى الآخر، لتسهم فعلاً في الحوار الإنساني والحضاري. ويجب أن يقوم الحوار على أساس طرح الإسلام عقيدة، ومنهج حياة من منطلق أن الدين عند الله الإسلام، فإذا وجد الناس فيه ما يلبي تطلعاتهم، وحاجاتهم الدنيوية والأخروية، وضعت المواثيق التي تنبثق عن المؤتمرات المعقودة تلتزم بها الدول، ولا تحاربها، وتترك للناس الحكم عليها إن كانت تصلح لحياتهم.
الدكتور/ مبارك نزال العنزي[/COLOR][/B][/SIZE]