[SIZE=6]
الحمد لله وحده،والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،
ماذا أقول ؟ وبماذا أبدا ؟
إن ضائقة الألم لا ينفع معها الدواء وحده ،وإن المصائب التي يُصاب بها الخلق قدر مقدور،وجلل في لوح مسطور،وأني والله في غربتي،فقدتُ أعز أحبتي،وأشتد وجعي ونافت كربتي،وتأمل خاطري قوله تعالى في كتابه الكريم:((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ(( سورة الزمر آيه10
فمن فقد أبناً أو أخاً أو صديقاً فتلك مصيبة،ومن فقد الملكة !!فالمصيبة أعظم ؟
كنت مسمراً بمكاني في بلاد الملوك (أغادير) بعيداً أُتابع أخبار ملكتي...وأتفقد أمورها وما ألم بها من تدنيات،وأتذكر عزلة مفزعة تحيط بها في غرفة باردة كئيبة لا يجول بها سوى الألم والأسى ،وجملاً قصيرة بين ليت وعسى...
أحاول الاتصال وأكرره ،على أبي سالمٍ ،لعل أبا منيفاً يرد ،ولكن لا مجيب!!فاستوقف عقلي صمتهم ،وإذ بنغمةِ الرسالةِ مع نبضاتُ قلبي تدقُ منذرةً !!
وفجأة يأتي خبرٌ مؤلم،وأمرٌ مهولٌ مزعج يردد (ماتت الملكة؟)
ثلاث يعز الصبر عند حلولها ،،، ويذهب عنها عقل كل لبـــــــيب
خروج اضطرار من بلاد تحبها ،،، وفرقة خـــلانٍ وفقد حبـــــــيب
في غفلة مني..استيقظت وقد غادرت العظيمة وطني.. استيقظت وقد غادرت الحنونة سكني..رحلت الملكة (أمي ) وأغلق باب من أبواب الجنة بموتها!واستيقنت نفسي ألماً لم أحتمـل كمدة،وغليلُ رمقٍ طال أمدة ،وتدفق شعورٌ داخلي اهتزت له جدران المكان..معلنةً وبقوة (قد غادر أحسن السكان)!
فكيف كان قدري مع ملكتي،أن تفارقني وأنا بعيد ؟هي رحلت إلى خالقها وإلى مدبر أمرها،ولكن المرارة هل رحلت وهي راضية عني ؟
ذهبت أجوب المطارات وأبحث عن الرحلات..فقط !! ليتسنى لي دقيقة أنظر لمن وهبتني مكان دافئاً سكنته 6480 ساعة..وأُقبّل بوداعٍ جبيناً وضاءً دنا وانحنى يقبلني بوراعه..
يا من لكِ في القلب أعظم منزله ... كنت الحياه ونبضها كنت الأمل
يا من لذكراك انظم أعظم قافيه ..... فلقائك ما أسمو إليه على عجل
خارت قواي ولم تزال عيوني باكيه .... وقتي يمر علي كالطود الجبل
توقف الحلم الجميل فلن أراك ثانيه .... (أماه )ينطقها لساني في وجل
الموت فرق بيننا (أمـــاه)ياغاليه .... فالعمر يمضي دربه ذقت الملل
ياتـــرى :كيف هو آخر أيام هذه الدنيا وكيف هو أول أيام الآخرة ، استرسلت متأملاً حالنا في هذه الدار وكيف أننا راحلون عن هذه الدنيا بلا محالة ، جميعنا ذاهبون للقاء الخالق، والمفروح به اليوم هو المحزون عليه غداً،ومن بلغ غاية ما يحب،فليتوقع غاية مايكره، ومن علم أن مصيبتهُ إلى انقضاء ، وحَسُنَ عزاؤه ،حَظِيَ بأعظم الجزاء .
قال تعالى في كتابه الكريم: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) سورة الفتح آية 23
فتنبهت على صوت قوي قطع تفكيري،وأثار تدبيري فإذا بي أقترب من أرض مطار عرعر،التي سيسقط بها (قلبي) ومثواه التراب،فلم يعد هناك أي نبض بعدها يستحق المكوث ،وأحمد الله سبحانه الذي أسرَّ عيني برؤيتها ،ويسر لي الصلاة عليها .
فإذا بأصوات المعزين تستقبلني وتهون علّي فقد (ملكتي)،وتخفف بالاسترجاع والحوقلة ألماً كالطود فوق طاقتي،فالكل يردد: تلك هي أمنا، وأختنا،و(ملكتنا)، أي والله ..ما من أحد إلا ودخل ملك الموت بيته ،ما من عزيز فقدناه إلا وذاق القلب من لوعة فراقه، وحرقة وداعه، ما الله به عليم .
وتستطيب الوفود بذكره صلى الله عليه وسلم وهداه،و تدعو بما علمنا من دعاه، ففي الحديث الحسن بشواهده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( مَا مَنْ مُؤمنٍ يُعَزّي أَخَاهُ بٍمُصِيبَةٍ إِلا كَسَاهُ الله مِنْ حُللِ الْكرَامَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ)رواه ابن ماجه . فجزى الله من واساني في ملكتي خير الجزاء،ورزقهم موفور النصيب في هذا العزاء،وتولاهم عز وجل برحمته،وأفاض عليهم أنهار مغفرته.
كل من رأت عيناي يزف لي بشرى حسن خاتمتها ،وهي مريضة ترقد
على السرير الأبيض،لا أنيس ولا تلفاز ،غير أصواتِ وصفيرِ الجهاز،فيؤنسني ما ذُكر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ مَاتَ مَرِيضًا مَاتَ شَهِيدًا وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَغُدِيَ وَرِيحَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ مِنْ الْجَنَّةِ ) رواه ابن ماجه .
فيأخذني الحنين إليها واستدرك ذكريات طفولتي بأحضانها،وتحت جناح حنانها، فينفطر قلبي ،وتحترق كبدي ،ويُفّت عضدي ،فالإصابة بالوالدين أشدُ مضاضةً على النفسِ من وقع السيف المهندِ ،فأستفيقُ برحماتِ الله المنهالةِ علّي ،واستذكر واستبشر بفضل يوم وفاتها (يوم الجمعة)، وتأتي لنفسي هداياه ،حبيبنا ونبينا محمد (صلى الله عليه وسلم )رُزقنا وأمواتنا النظرَ لمحياه ،فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، إِلاَّ وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ " (رواه الترمذي ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع).
فاللهم لك الحمد كثيرا ،حمدا طيبا مباركا ،إذ جمعت لي من بشائر رحمتك ، وعظيم مغفرتك ،ما تهدأ به نفسي ،ويطمئن به قلبي .
ووالله يا ( ملكتي ) مهما دعوت الله لك ورجوته ،ومهما تصدقت وأنفقت ،ومهما سيرت لك الحملات من حج وعمرة ،ومهما ذكرتك سرا وعلانية ،لن أوفيك بعضٌ من حقك علي ،ولن أرد لك غيضٌ من فيضِ أحسانكِ لي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله (لاَ يَجْزِيَ وَلدٌ وَالداً ، إِلا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكَاً فَيشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ ) رواه مسلم .
رحمك الله ،، يا ملكة لبست تاج العفاف ،وحملت وسام عاطفة الكون، وجم دعواتي بأن يجمعنا الله في مستقر رحمته،وفي النعيم الأبدي ،وأقول لمن فقد أباً أو أماً:لا تجزعوا فمازال عندكم الكثير لتقدموه لهم ،وبرهما لم ينقطع ،ولن ينقطع وستجدون أفضل العزاء في سنة المصطفى نبينا صلى الله عليه و سلم ،سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله هل بقي عليّ من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال : أجل خصال أربع ، الصلاة عليهما( يعني الدعاء لهما )، والاستغفار لهما ،وإنفاذ عهدهما ،وإكرام صديقهما ،فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما(( رواه أبو داود .
اللَّهُمَ اغْفِر لملكتي وارحمها وعافها واعفُ عنها ،و لقِّها الأَمْنَ والْبُشْرَى، والْكَرَامَةَ و الزُّلفىَ ، اللَّهُمَ أبْدلها أهلاً خيراً منْ أهلها ، وداراً خيراً منْ دارها ، اللَّهُمَ لا تَحْرمنَا أَجْرهَا ، ولاَ تَفْتنَا بَعْدَها ، وَاغْفِر لنَا وَلهَا وللمُسلِمِينَ كَافة .
الفقير إلى عفو ربه :
مُنِيفُ بِنْ سَــالِمَ الَّديدَبَ[/SIZE]
10 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓