المتبصر الحذق للتاريخ ولحال الأمم السابقه في العصور الغابرة من عهد سيدنا آدم عليه السلام أبو البشرية إلى يومنا هذا يجد فيما لا يدع مجالاً للشك بأنه لا شيء يدوم فهذه طبيعة الأيام وديدن الدنيا .
قال رسول الله ﷺ: ((مَالِي وَلِلدُّنْيَا ، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ))
فَلَو نظرنا نظرة شاملة على سبيل المثال من هجرة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم التي مضى عليها أكثر من ألف وأربعمائة سنه كم من الأحداث حدثت إلى اليوم وكم من الدول ظهرت وكم من الحضارات ولّت وكم سنة عاش جدك أو أبيك كلها ستين او سبعين سنه هي لاشئ امام الف واربعمائة سنه كأنها فترة بسيطه لشخص استظل بظل شجرة ثم راح وتركها وبرهه قصيره جدا من الزمن وهذا ان دل على شي إنما يدل ويثبت صدق رسول الهدى صلوات ربي وسلامه عليه
فنحن هنا نقارن فترة مكوثك بهذه الدار الفانيه من هجرة الرسول الى اليوم فما بالك لو حسبنا كم لبثت من نزول سيدنا آدم الى قيام الساعه كم سنه قضيتها في الدنيا ؟؟ حتما ستكون ماهي الا فترة بسيطه لاتتجاوز سويعات بل دقائق معدوده
عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قَالَ : أَخَذ رسولُ اللَّه ﷺ بِمَنْكِبِي فقال : ((كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ، أَوْ عَابِرُ سبيل))
فحري وجديرٌ بالمؤمن أن يعدَّ العدة في هذه الدار التي هي دار العمل ودار الإعداد للآخرة ويحرص كل الحرص على التزود ليوم لاينفع فيه مال ولابنون الا من أتى الله بقلب سليم
وقف الحسن البصري عند شفير قبر بعد دفن صاحبه
ثم التفت على رجل كان بجانبه فقال :
أتراه لو يرجع للدنيا ماذا تراه يفعل ؟!
قال الرجل : يستغفر ويصلي ويتزود من الخير ...
فقال الحسن : هو فاتته فلا تفتك أنت
فالكيس الفطن هو الذي يجعل جل وقته طاعة لله واستغلال مواسم الطاعات بالإكثار من فعل الخير
والله سبحانه عندما ذكر لنا في القران الكريم احوال الامم السابقه من العرب البائدة فَلَو تلاحظ بعد كل سرد للقصه يقول سبحانه :
(( كأن لم يغنوا فيها ))
اي كأنهم لم يقيموا في بلادهم ولا يعيشوا ولا كأنهم كانوا
رأيت الدهر مختلفاً يدورُ
فَلاَ حزْنٌ يَدُومُ ولا سُرُوْرُ
وقد بنت الملوك به قصوراً
فلم تبق الملوك ولا القصور
يقول ابن القيم : الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين وليس لهم حط عن رحالهم الا في الجنه او النار .. والعاقل يعلم ان السفر مبني على المشقه وركوب الاخطار ومن المحال عادة ان يُطلب فيها نعيم او لذة وراحة .. إنما ذلك بعد انتهاء السفر
سُأل نوح عليه السلام قبل موته :
كيف رأيت الحياة بعد هذا العمر الطويل؟؟
فقال : رأيت كأني دخلت بيتاً له بابان
دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر
هذا وهو قد عاش الف سنه الا خمسين عاماً يدعو قومه ... فما بالك بنا ؟؟؟
ونختم ببعض من رثائية ابي البقاء الرندي للأندلس
أين الملوك ذوو التيجان من يمنٍ
وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ
وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ
وأين ما حازه قارون من ذهب
وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ
أتى على الكلِّ أمرٌ لا مَرَدَّ له
حتى قضوا فكأن القومَ ما كانوا
كتبه حسين علي البندور
2 محرم 1440هـ