يأتي رمضان كل عام ليسطر فينا نحن المسلمون أجواءً إيمانية خاصة؛ تتبدل معها أحوالنا كثيرًا إلى كل ما هو إيجابي، حيث تنهانا صلاتنا وصيامنا تلقائيًا وفي الغالب عن كل ما يؤذينا ويؤذي الغير، وبالتالي يرتسم يومنا في أوج ما يكون من الانضباط والنقاء، وتلك نقطة جوهرية على طريق التخلص من عادتنا السيئة مشروطة بقدرة ما على الاستمرار والنماء.
مع رمضان تجتمع الأسرة كما لم تجتمع من قبل، فالأجواء محفزة جدًا أن يطرح كلًا منا ما يعوقه وأن تلتئم دائرة رحمنا مجددًا، وأن تتصافى النفوس وأن يغادر كلًَا منا كبره، وأن نتلاقى متحابين على موائد الإفطار وعلى صلاة التراويح والفجر، إنه لفرصة شجية لعيش لحظات رائعة تُستعاد فيها الذكريات القديمة وتُبعث فيها السعادة ويخط معها الجميع ذكريات جديدة تحفها البركة والحبور.
فضلًا عن اجتماعنا على موائد الإفطار وما يحيط ذلك من طقوس عائلية محببة، نجتمع كذلك نحن الأسر على معاني الخير من نحو التصدق ومساعدة المحتاجين وصلة الرحم والتزام الصدق وغير ذلك، الأمر الذي يكون له أبلغ الأثر في تبديل حياتنا إلى الأفضل، وفي تبديل حيوات كثيرين ممن هم حولنا إلى حال من الاستقرار والاتزان يتمنونه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا." ورمضان هو التجسيد الأكبر لما يعنيه هذا الحديث الشريف؛ حيث تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النيران وتسلسل فيه الشياطين، وليس ثمة فرصةً أفضل من هذه كي نقبل على الله مغيرين من أنفسنا إلى الأفضل ومصلحين في شأن قربنا من ربنا ما استطعنا لذلك سبيلًا.
ما أجمل جمعنا كأسرة على كتاب الله، متحلقين بعد صلاة الفجر مثلًا على مصاحفنا، قارئين معًا ما تيسر من آيات الله، نتكامل في كل هذا معًا على الفهم والتأمل وطرح الأسئلة وقص القصص ومناقشة بعضنا البعض فيما يعيننا في الأخير على تجاوز كل ما هو دنيوي والبحث فقط عن رضا الله عز وجل.
على الآباء هنا وأولياء أمور الأسر دور كبير في تربية أبنائهم على فضيلة الاجتماع على الخير ومعاودة ذلك كلما سنحت فرصة، إن لذلك أثرًا ممتدًا في نفوس الأبناء، فاجتماعنا على الصلاة والصيام وقيام الليل ومساعدة المحتاج يربي فينا ارتباطًا حقيقًيا بالخالق عز وجل، الأمر الذي يجعلنا أكثر قابلية للعودة إلى صراطه -تعالى-المستقيم كلما طرحتنا أمواج الحياة والخطوب إلى ظلمات الذنوب والبُعد.
محمد جويعد الرويلي
1 ping