في قلب كل مجتمع حيّ، تنبض المشاركة المجتمعية كقيمة حضارية تعبّر عن الوعي، والانتماء، والمسؤولية المشتركة. لم تعد المشاركة المجتمعية ترفًا أو نشاطًا جانبيًا، بل أصبحت ضرورة تنموية، ومحركًا أساسيًا لتحقيق التوازن بين الاحتياج والمبادرة، وبين الإمكانات والطموحات.
تجربتي العملية والإدارية، خاصة في المناطق الطرفية، أكدت لي أن أكبر الأثر لا يأتي من القرارات المركزية فحسب، بل من انخراط المجتمع في صناعة التغيير. فعندما يشعر الفرد بأنه جزء من الحل، تتغيّر المعادلة. يصبح التغيير قابلًا للتحقق، ويغدو العطاء سلوكًا يوميًا لا مناسبة موسمية.
المشاركة المجتمعية ليست فقط في المبادرات التطوعية أو حملات التوعية، بل في كل موقف يُشعر فيه الإنسان أن صوته مسموع، وأن له دورًا مهما كان بسيطًا. هي تبدأ من المدرسة، وتمتد إلى الجمعيات، وتصل إلى المؤسسات العامة والخاصة، ولا تنجح إلا إذا تم تمكين الأفراد وتقدير أدوارهم.
ما نحتاجه اليوم هو استثمار هذا المفهوم وتطويره بما يناسب كل بيئة، مع التأكيد على أن التمكين لا يقتصر على الدعم المادي، بل يشمل بناء الثقة، وتوفير المساحات، وتسهيل التشبيك بين الجهات، وتعزيز ثقافة المسؤولية المشتركة.
في المجتمعات التي نجحت في إشراك مواطنيها في اتخاذ القرار، ارتفعت جودة الحياة، وازدهرت الخدمات، وتعمّقت الروابط الاجتماعية. فالمشاركة المجتمعية لا تصنع فقط فرقًا على مستوى الخدمات، بل تُنمي الانتماء، وتقلل التهميش، وتخلق بيئة أكثر استدامة.
إنني أؤمن أن كل فرد، مهما كان موقعه، قادر على أن يكون جزءًا من قصة نجاح مجتمعه. وكل مبادرة مهما صغرت، يمكن أن تحدث فارقًا إذا أُحسن توجيهها. فلنستمر في بثّ الأمل، وتعزيز الوعي، ودعم المبادرات التي تزرع أثرًا وتُثمر مجتمعًا أقوى.