[SIZE=5][B][COLOR=#040404]مزيج من مشاعر الإعجاب والزهو والراحة النفسية تراودني كلما قرأت خبراً عن قيام أحد القضاة في محاكمنا الشرعية باستبدال العقوبات على بعض المحكومين بأعمال يؤدونها للمجتمع أو غير ذلك من الأحكام البديلة، التي تعبر عن إيمان من يصدرها واعتقاده الجازم بأن الحكم في مثل هذه الأحوال إنما يريد به الإصلاح لا العقاب، وأن أساليب الإصلاح والتقويم وتعديل السلوك نحو الأقوم والأفضل هي أجدى من العقوبات التي لا تحقق في أغلب الأحيان الغاية منها، بل إن كثيراً ممن توقع عليهم عقوبات السجن والجلد وغيرها يعودون لارتكاب ما هو أخطر مما سبق أن ارتكبوه وعوقبوا على فعله، بل إن أكثر من شخص حدثنا عن سجناء كانوا عندما يطلق سراحهم بعد إنهاء مدة العقوبة يقولون لمن جاورهم في السجن (احفظ مكاني فإنني عائد عما قريب)، بل حدثني أحد الزملاء الذين كانوا يعملون في المدارس الليلية التي تفتحها وزارة التربية والتعليم في الإصلاحيات والسجون أنه في بعض الحالات كان يطلق سراح أحدهم فيعود في نفس اليوم.
الجميل في هذه الأحكام التي تنسجم مع روح الإسلام وتظهره بوجهه الحقيقي أمام أهله وأبنائه قبل خصومه في فترة يتعرض فيها لهجمة شرسة تسعى لتشويه صورته والإساءة إليه، ويشارك فيها أحياناً وللأسف بعض من يحسبون من أبنائه جهلاً به حيناً وافتراءً عليه حيناً آخر. وبصراحة فإن أكثر الأحكام التي تعجبني وتستهويني هي التي تفرض على صاحبها تعلم مهنة أو أداء عمل يحتاج إلى مهارة، لأنها قد تستهوي من يقوم بها فتصبح مهنة يمتهنها ويكسب عيشه وقوت يومه منها، مما يساهم في دمج المحكومين في المجتمع ليعودوا أفراداً نافعين تملؤهم مشاعر الانتماء لمجتمع تعامل معهم بروح التسامح، وأعطاهم الفرصة للاعتدال والعودة إلى طريق الصواب بدل أن يكونوا أفراداً ناقمين على مجتمع هو من وجهة نظرهم جار عليهم مرتين مرة حينما اضطرهم لارتكاب ما فعلوه ومرة أخرى حينما عاقبهم على ذلك بالسجن والاحتجاز وإمضاء فترة من عمرهم وراء القضبان.
قد يقول قائل: إن بعض هؤلاء ممن هم ميئوس من إصلاحهم وأن هذه الأساليب لا تجدي معهم.. ولكن كيف نحكم على من يجدي ومن لا يجدي إلا بإعطاء الفرصة، فمن تكررت منه نفس الأعمال فليكن لنا معه شأن آخر، ولكن بعد أن يكون «قد أعذر من أنذر»، ثم إن ذلك في جميع الأحوال يكون في الجنح التي لا يوجد نص شرعي على الأحكام الواجبة فيها، والتي يترك فيها تقدير العقوبة لرأي القاضي وتقديره، أما تنفيذ أحكام الله فلا شك أن قضاءنا المشهود له بالنزاهة هو أكثر حرصاً عليها وعلى تنفيذها...[/COLOR][/B][/SIZE]
2 pings