[SIZE=5][COLOR=#040404][COLOR=#010101]شن أخيراً أبومحمد المقدسي، أحد أبرز منظّري السلفي الجهادية والقاعدة، هجوماً هو الأعنف على تنظيم «الدولة الإسلامية» متهماً أفعالها الدموية بـ«تشويه صورة الجهاد والإسلام»، معتبراً أن الناس باتت تكره الخلافة والدولة الإسلامية لأجل ما يرونه من أعمال الذبح والسفك للدماء.
مثل هذا الهجوم اللاذع من المقدسي أو أنصار القاعدة لأفعال وجرائم «داعش» في الآونة الأخيرة ومدى حجم تأثيرها وتشويهها لصورة الإسلام والجهاد، بحسب تعبيره، ما كان ليصدر لولا أن هذا الابن العاق كما يسميه المقدسي قد تمرد على قيادته، وأعلن حربه عليها، وأقام خلافته، حتى إنه لم يعد مجرد مصدر تهديد لكيان تنظيم القاعدة فحسب، بل أصبح يهدد مكتسباتها كافة على أرض الواقع، فعدوان «داعش» وإرهابه وقتله الناس ليس هو وليد هذه الفترة الأخيرة، والدولة الإسلامية في العراق والشام التي مضى على تأسيسها 16 شهراً قد نما معها القتل والإجرام منذ إعلان تأسيسها، بل إن نحر الرؤوس وقطعها وتكتيكات العنف والرعب ليست هي منهجية حادثة، وإنما هي امتداد للنهج الذي قد وضعه أبومصعب الزرقاوي.
نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أخيراً دراسة موسّعة بشأن «تنظيم الدولة الإسلامية» ووثقت أبرز جرائم وانتهاكات «داعش»، منذ منتصف حزيران (يونيو) 2013، حتى منتصف كانون الثاني (يناير) 2014، أي عند بداية ظهور الخلافات بين «داعش» و«النصرة» وقبل تطورها إلى المواجهة العسكرية، أشارت فيها إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية لم يتورع طوال تلك الفترة عن ارتكاب عمليات القتل، إذ تم توثيق مقتل 1607 أشخاص، بينهم 588 مدنياً، جرى إعدام معظمهم ميدانياً، وقتل التنظيم 1019 عنصراً من الجيش الحر ومن فصائل المعارضة المسلحة، في اشتباكات معها تصاعدت في بدايات عام 2014، وقتله ما لا يقل عن 15 إعلامياً وقيامه بعمليات خطف واعتقال لما لا يقل عن 2500 شخص، لنشطاء سوريين من مختلف الاختصاصات الطبية والإعلامية والعسكرية، وصحافيين أجانب، وخلصت الدراسة إلى أن «داعش» استخدمت وسائل تعذيب عنيفة، وصلت بحالات إلى التعذيب حتى الموت، إضافةً إلى ممارسته نهج قطع الرؤوس والترهيب بها أمام العامة، وثبوت ارتكابه تصفيات جماعية للمعتقلين، كل ذلك الإجرام والعنف الممنهج من «داعش» طوال تلك الفترة لم يكن بالنسبة إلى تنظيم القاعدة ممثلاً بزعيمه ومنظريه يشكل مصدر تشويه للإسلام والجهاد، ولم يكن يكترث أو يأبه لتلك الجرائم، إذ كان أكبر همه طوال تلك المرحلة سوى العمل على معالجة وترميم الخلافات بينه وبين «داعش» والتنسيق في ما بينهما، والعمل على احتواء الخلافات حول المسائل والقضايا التنظيمية المتعلقة بالتنظيم العالمي للجهاد.
وذلك كله مبرر كافٍ لأن تغض الطرف عن كل تلك الجرائم، وحينما سُئل الجولاني ممثل فرع «القاعدة» في سورية زعيم جبهة النصرة في كانون الأول (ديسمبر) 2013 عن الخلاف بين «النصرة» و«داعش» قال: هو خلاف داخل البيت الواحد، وقد هوّله الإعلام وأخذ أكبر من حجمه، وحتى حينما بدأ الخلاف واشتدت الخصومة بين الطرفين بعد مقتل أبو خالد السوري مبعوث الظواهري لحل الخلاف بينهما خاطب الجولاني في يناير 2014 الدولة الإسلامية بقوله: « نحن لا ننكر أن هناك جماعات ممن تقاتلكم قد وقعت بردّة وكفر، كحال «الأركان» و«الائتلاف» ومن يقوم على مشروع الجيش الوطني الذي يُسعى من خلاله لتثبيت حكومة علمانية والقضاء على مشروع إسلامي راشد».
وظل تنظيم القاعدة حتى لحظته أشد حرصاً على التصالح مع «داعش» واحتواء الخلاف في ما بينهما، ومع تصاعد نبرة الظواهري من أجل عودة الابن الضال تحت مظلته تارة والتبرؤ منه تارة أخرى نتيجة تمرده، عاد الظواهري من جديد في بداية أيار (مايو) 2014 إلى إصدار رسالة صوتية حاول فيها وبلهجة تصالحية استمالة البغدادي، إذ استخدم فيها عبارات التبجيل والاحترام الكبير والرجاء، وخاطب ونعت فيها البغدادي بـ«الشيخ المكرم أبي بكر الحسيني البغدادي، ولكن «داعش» حسمت موقفها من «القاعدة» بعد كلمة العدناني الشهيرة: عذراً أمير «القاعدة» بإعلان تمردها والتأكيد على انحراف نهج التنظيم بزعامة الظواهري، والذي كان بمنزلة إعلان الحرب عليه.
ومع توسع نفوذ دولة البغدادي تدريجياً منذ ذلك الحين أصبح يهدد كيان «القاعدة» وتماسكه ومكتسباته، بحيث أدى إعلان دولة الخلافة الإسلامية إلى حدوث حالات من الانشقاق والتصدع في صفوف النصرة، ومبايعة عدد من قياداتها دولة البغدادي بالقوة أو الاختيار، وخسارته مدناً ومناطق إستراتيجية في شرق سورية، وتزايد أعداد المقاتلين الأجانب المنضمين إلى صفوف دولة البغدادي، فمن أجل إنقاذ نفسها من حال التشتت والتشرذم والتصدع في صفوفها، بعد أن أصبح في وضع مأزوم، لجأ المقدسي وغيره على الصعيد النظري إلى صب جام غضبه واستنكاره أفعال جرائم «داعش» بحجة ودعوى تشويه الإسلام، وإبداء الخوف والخشية على دعوة الإسلام من حماقاتهم.
وعلى الصعيد الميداني بدأت فصائل من الجيش الحر تعلن أن ممارسات «النصرة» التي يدعو المقدسي المجاهدين إلى الانضمام إليها ومبايعتها بدأت تسير على خطى تنظيم «الدولة الإسلامية» وممارساته في الهيمنة والسيطرة بالقوة على المواقع المحررة، وبعد قيام مجلس الأمن بوضع تنظيمي الدولة والنصرة في سلة واحدة والتلويح بعمل عسكري ضدهما، فقد توقع الباحث في شؤون الحركات الجهادية حسن أبوهنية حدوث نوع من التقارب والاندماج بين الدولة و«النصرة» وأن ثمة محاولات جادة لإحداث صلح بينهما، وهو ما يجعل المقدسي في موقف في غاية الحرج.
* كاتب سعودي[/COLOR][/COLOR][/SIZE]
2 pings