[SIZE=5][B]منذ أمد طويل وأنا أحلم بأن تكون المدن الشمالية كلها حلم الزائرين بضوئها وبهائها وحسنها وحضورها الأنيق، وأن تكون قبلة الناس ومنتهاهم، وأن تتسربل بحرير الأساطير ومناخ الروعة، وتتوج بسحر المكان وشلالات الإبداع والألوان القزحية، وأن تكون مثل الوردة والعطر والمطر والمساء وهواء الربيع والتخوم والرابية والنجوم الساكنة وبهاء الصباح والشمعة الموقدة وبرد الشتاء الخفيف والمرأة الفارعة الحسناء، والجديلة الطويلة المخضبة بالعطر والحناء، وأن تكون مثل مواسم المطر وخيوط الشمس ورتل النجوم وامتداد البحر وبرق الأفق وسيل المياه وظل الشجر وطير الحمام وصوت اليمام ومثل شمس يعقبها قمر، انه نزع حلمي وطموحي ومبتغاي ومرادي، لأني موبوء بالمدن الشمالية كلها، ولأنها أول عشقي وآخره، فهي المدن الأكثر حيوية ونشاطاً وحياة وتدفقا، هذا ليس ترفا بالحلم ولا بالمخيلة ولا مستحيلاً، إن لمدن الشمال تأثيرات وانبعاثات وعطاءات تستطيع من خلالها أن تفرض نفسها بقوة، لكن وجه المدن الحالم الذي نبتغية ونأمله لا يتسق مع مشهدها الحضاري الذي هي عليه الآن، المدن الشمالية كلها بحاجة إلى من يغسل وجهها وينفض عنها غبار وتعب السنين والارتباك والعشوائية والإهمال، بحاجة إلى من يبللها بالندى والعطر المميز ويرميها بالورد الأبيض والبنفسج، وإلى من يرتب هدوءها ويخفف عنائها، بحاجة إلى من يعيد إليها وقارها وهيبتها التي اختفت خلف فوضى الاجتهاد في مشاريع تتوقف طويلا عند منتصف الطريق دون اكتمال، وإن اكتملت فهي كالجنين المشوه، المدن الشمالية بحاجة إلى نقلة نوعية طافحة بالإبداع والابتكار والاستحداث العاجل، من أجل أن نعيد إليها ملامحها الجميلة التي شوهتها عشوائية المشاريع البطيئة وعشوائية العمل، الذي يبدو بأن ليله الغارق في العتمة والضارب بأطنابه لن ينجلي بسرعة ويزول، المدن الشمالية تعاني منذ أمد طويل من جراحات وتصدعات تشعرك بأن هناك خللا فادحا، وهذا الخلل يؤكده النقص الصريح بفقدان أغلب الإيقاعات الأساسية المتوفرة في أية مدينة عصرية، إن الجرح الذي تنوء به أجساد المدن الشمالية يتمثل بالدرجة الأساس في سيادة عبثية المشاريع، وسلحفائية العمل، وبطء الإنتاج، إننا نستطيع أن نقتفي آثار هذا العبث الممل من خلال المشاهدة اليومية التي نراها ونمر عليها ونشاهدها بحزن يشبه الإنكسار الحاد، المدن الشمالية أحيائها وشوارعها وميادينها تستصرخ من يزيح عنها تلك الهموم بلمسة إبداع وقطرات مطر ونافورة ماء، إن المدن الشمالية تستحق أكثر مما هي عليه الآن، بل أكثر مما هو في مخيلتنا من مفردات سحرية، وبما في أفواهنا من قصائد غزل شفيف، إنني أريد أن أستيقظ ذات صباح وأرى المدن الشمالية كلها وقد اكتست ملامح جديدة، وأزالت عن وجهها كل التشوهات والندوب التي أصابتها بما يشبه لون الحريق، المدن الشمالية كلها بحاجة إلى وقفة جادة، ولمسة فذة من كل الأطراف المسؤولة لتعيد إليها ترتيب ملامحها، وتلملم أطرافها وتجمع أجزاءها التي تبعثرت بما يتناسب مع إرثها التاريخي العريق، وإنسانها الأنيق، إنني آمل أن تنفض المدن الشمالية عن جسدها الإرتخاء والوهن، وعن روحها الوسن والسأم، لتصبح قادرة بعزيمة الإنسان الشمالي الوطني الطموح، على أن تكون مدن جديدة ومتفوقة وخيالية وحالمة حالها حال كل المدن الحية في هذا العالم الفسيح.
[/B]
رمضان جريدي العنزي
[email]ramadanalanezi@hotmail.com[/email]
@ramadanjready تويتر
[/SIZE]
2 pings