منذ انضمام اليونان إلى الاتحاد الأوروبي عام 1981، ثم انضمامها إلى منطقة اليورو لدى الاتحاد الأوروبي، توقع عدد من الناس أن تكون اليونان -وغيرها من الدول التي انضمت للاتحاد ومن ثم منطقة اليورو- في منأى عن الأخطار الاقتصادية، لكن المشكلات والكوارث عصفت بالاقتصاد اليوناني، وسببت أزمة مالية بدايتها كانت في نيسان (أبريل) 2010، حينما طلبت الحكومة اليونانية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضاً لمساعدة اليونان على تجنب خطر الإفلاس والتخلف عن السداد، وكانت معدلات الفائدة على السندات اليونانية مرتفعة جداً؛ بسبب مخاوف عدد من المستثمرين، إذ هددت الأزمة اليونانية استقرار منطقة اليورو، وطرحت فكرة خروج اليونان من منطقة اليورو، مما يشكل خروجها من الاتحاد خطراً على الاتحاد الأوروبي، لأن المسألتين أصبحتا في غاية التشابك، لذلك لا بد من نظرة فاحصة لوضع اليونان السياسي والاقتصادي، وتأثير عدم السداد وعدم الاتفاق مع الدائنين وصندوق النقد الدولي على الاقتصاد العالمي. لقد أسهمت الأزمة الاقتصادية باليونان في عودة اليسار اليوناني برئاسة الشاب أليكسيس تسيبراس، وهو سياسي يساري، وكان عضواً في البرلمان اليوناني، ورئيس حزب سيناسبيزموس وزعيم المجموعة البرلمانية لائتلاف اليسار المتطرف، الذي فاز بالانتخابات التشريعية الأخيرة في اليونان، وليغير قواعد اللعبة مع الاتحاد الأوروبي حول المفاوضات، التي تهدف إلى إنقاذ الاقتصاد اليوناني بحسب قول الأوروبيين وصندوق النقد الدولي، لكن في الجانب الآخر يرى تسيبراس وائتلافه أن شروط الدائنين وبرنامج التقشف المعروض عليهم لاتباعه لا يتناسب مع الوضع الاجتماعي لليونان، فكان وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس، الذي قدم استقالته بعد ظهور نتائج الاستفتاء الشعبي حول شروط التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، هو المتشدد في المفاوضات، ويقود سياسة تسيبراس في الضغط على دول الاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا وفرنسا لتخفيف شروطهم لإنقاذ الاقتصاد اليوناني، لذلك كانت استقالته نوعاً من حفظ ماء الوجه للدائنين الأوروبيين، من أجل إفساح المجال للوصول إلى أرضية مشتركة بعد نتائج الاستفتاء الشعبي، التي يشك عدد من المحللين والمراقبين في التوصل إليها. إن إقامة استفتاء شعبي في اليونان حول شروط التقشف القاسية، التي حاول الدائنون الدوليون فرضها على الشعب اليوناني، هو خطوة سياسية ذكية من تسيبراس، إذ راهن الاتحاد الأوروبي على أن نتيجة الاستفتاء ستكون مؤيدة لهم، وعملوا على الاستفادة من الإعلام؛ للحصول على نتيجة مؤيدة للقبول بالشروط، لكن نتائج التصويت أتت عكس المتوقع من الدائنين، لتكون سيفاً مسلطاً بيد رئيس الوزراء اليوناني في وجه المفاوضين، لذلك أصبح هو في موقع قوة، والاتحاد الأوروبي في موقع الضعف.
من هنا يرى بعض الخبراء أن النتيجة كانت مقلقة ومخيبة جداً بالنسبة إلى ألمانيا وفرنسا؛ لأنهما هما من يقودان الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، ويهدفان إلى منافسة الاقتصاد الأميركي والصيني، بينما في الجانب الآخر أعطت النتيجة قوة ضغط بالنسبة لرئيس وزراء اليونان، الذي خاطب البرلمان الأوروبي؛ بأنه لا يسعى إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي، ولكن الوقائع والمعطيات تدل عكس ذلك، إذ كانت بوصلته تتجه خارج الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي كان وزير ماليته السابق يفاوض الأوروبيين حول شروطهم التي ينوون فرضها وعلى اليونان القبول بها.
من الواضح أن المفاوضات بين اليونان والاتحاد الأوروبي حول شروط التمويل والديون كانت ستصل إلى طريق مسدود؛ بسبب أن الائتلاف الذي يقوده تسيبراس قد وصل إلى السلطة؛ بناء على حملة سياسية وإعلامية تنادي بتعديل شروط الدائنين الأوروبيين وصندوق النقد الدولي، لذلك لن يغير بخطابه الإعلامي وخطه السياسي، وهو القادم من اليسار المتطرف والمنادي بتعديل شروط التفاوض، فأول تصريح له بعد ظهور نتائج الاستفتاء، قال فيه: (إن اليونانيين اتخذوا قراراً شجاعاً في التصويت على رفض الشروط)، وهو دليل على أنه لن يتراجع عن وعوده للشعب اليوناني مهما كلفه ذلك، لذلك ليس هناك مخرج للاتحاد الأوروبي إلا في طريقين، إما خروج اليونان من الاتحاد ومنطقة اليورو، وهذا الخيار سيقود إلى خروج عدد من الدول من الاتحاد كإسبانيا والبرتغال، أو القبول بشروط اليونانيين والحفاظ على الطموحات الألمانية والفرنسية؛ بقيام اتحاد أوروبي قوي يستطيع منافسة القوى الكبرى الأخرى كالصين وأميركا، وستتأثر منطقة اليورو اقتصادياً وسياسياً، وستتشجع الأحزاب اليسارية في البرتغال وإسبانيا للسير في طريق اليونان. لم يكن العامل الروسي غائباً عن التطورات السياسية والاقتصادية في اليونان، فقد قام رئيس وزراء اليونان تسيبراس بزيارتين إلى روسيا في أقل من ثلاثة أشهر، إذ زار موسكو في الثامن من أبريل الماضي، والتقى الرئيس بوتين آنذاك، ثم عاد في يونيو؛ ليحضر منتدى بطرسبرغ الاقتصادي، ورشح عدد من المعلومات التي تفيد بإمكان توقيع اتفاق مع اليونان خلال فعاليات المنتدى لمشروع مد خط أنابيب؛ لنقل الغاز على الأراضي اليونانية، يكون مكملاً لمشروع «السيل التركي» أو ما يعرف بـ(Turkeh Stream)، الذي تنوي تنفيذه شركة «غازبروم» الروسية، مما يقلق دول أوروبا، التي تفرض عقوبات اقتصادية على روسيا؛ بسبب الأزمة الأوكرانية، وكذلك يثير استياء الإدارة الأميركية، التي تحاول جاهدة تطبيق العقوبات الأميركية - الأوروبية على روسيا، كما أن ردود الأفعال الروسية على الاستفتاء كانت مؤيدة له، إضافة إلى العامل الصيني، الذي يملك القدرة على الاستثمار في اليونان في حال خروجها من الاتحاد الأوروبي.
لاشك بأن الأزمة اليونانية لن يقتصر تأثيرها على الاتحاد الأوروبي، بل سيتعداه إلى معظم اقتصادات العالم، فالاتحاد الأوروبي يحاول احتواء الموقف مع اليونان، لعاملين: هما العامل السياسي، للحفاظ على تماسك الاتحاد ومنطقة اليورو، والعامل الاقتصادي الذي لن يقتصر تأثيره على أوروبا والاقتصادات المحيطة بها، بل سيتعداها إلى معظم اقتصادات العالم.
دائماً يختلف فقهاء السياسة والاقتصاد حول من يقود من؟ فهل السياسة هي من يقود الاقتصاد أم الاقتصاد هو من يقود السياسة؟ أعتقد أن النتائج التي ستتوصل لها الأزمة اليونانية ستكون جواباً شافياً لمن يبحث عن الإجابة.
- 03/12/2025 الأمير فيصل بن خالد بن سلطان يرعى حفل الزواج الجماعي بالحدود الشمالية لـ218 شابًّا وفتاة
- 02/12/2025 سمو أمير منطقة الحدود الشمالية : ميزانية 2026 تجسد عناية القيادة بالمواطن ودعم مسار التنمية الوطنية
- 02/12/2025 بالفيديو والصور .. مدارس الوعد تقيم حصة نموذجية لمادة الرياضيات للصف الثالث الابتدائي
- 02/12/2025 “هيئة الطرق” تبدأ قياس الامتثال لكود الطرق السعودي وتقيّم مشاريع “أمانة الحدود الشمالية”
- 02/12/2025 بالفيديو والصور .. تجربة علمية مميزة لطلاب الصف الخامس والسادس الابتدائي لتوضيح مبدأ برنولي
- 02/12/2025 “فرع الموارد البشرية بطريف” يطلق غداً مبادرة قافلة التنمية الرقمية لخدمة كبار السن وذوي الإعاقة ميدانياً
- 02/12/2025 أمير منطقة الحدود الشمالية يستقبل وكيل وزارة الداخلية لشؤون المناطق
- 02/12/2025 اعتماد برنامج بكالوريوس الرياضيات بجامعة الحدود الشمالية
- 01/12/2025 جمعية رعاية المعاقين بطريف تعلن بدء التسجيل في دورة “إدارة المنظمات الرائدة”
- 01/12/2025 بالفيديو.. بلدية طريف تواصل زراعة الأشجار بالحدائق والمنتزهات العامة
المقالات > اليونان والاتحاد الأوروبي
اليونان والاتحاد الأوروبي
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.turaif1.com/articles/6952.html


























(
(
