قد تكون مناورات رعد الشمال التي بدأت الثلاثاء الماضي بحفر الباطن في شمال السعودية وتستمر لقرابة ثلاثة أسابيع أكبر تدريب عسكري إسلامي في الذاكرة الحية ، إذ يشترك فيها 350 ألف جندي وضابط تابعين لـ 25 دولة من دول التحالف العسكري الإسلامي الذي أسس بالرياض في الـ 15 من يناير الماضي في مقدمتها بالطبع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وتركيا ومصر والسودان والأردن وباكستان واليمن ، وحُشدت لها أعداد ضخمة من الآليات : 2,500 طائرة حربية مقاتلة و460 هيلوكبتر هجومية ، 20 ألف دبابة . التدريبات والمناورات مستمرة في جو صارم عند أقصى درجات الجدية والمهنية ، وذلك يدفع المراقب لقراءتها بشكل استراتيجي موسع ذي دلالات متعددة كما وتحمل رسائل ضمنية للداخل والخارج والإقليم وعالمياً ، ومؤشر على تحورات استراتيجية كبرى.
ربما كان الإنجاز الأكبر لمناورات رعد الشمال هو اتخاذ الأمة لخطوات محسوبة في طريقها لاستعادة هيبتها بين الأمم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أيده الله بنصره وتوفيقه ، وعن بزوغ روح المبادرة العربية الإسلامية للبحث عن حلول ناجعة لمشاكل العالمين العربي والإسلامي بعد أن عاش العالم العربي والإسلامي دهراً مسلوب الإرادة يتسول الحلول على أبواب الأمم المتحدة ومجلس أمنها الجائر ، مكرساً فكرة أن مجلس الأمن والأمم المتحدة إنما أوجِدا للحفاظ على مصالح المنتصرين في الحرب العالمية الثانية.
يحمِّل البعض العالم الغربي مسؤولية جرائم الإبادة و التهجير الجاريين في سوريا حالياً لتقاعس الغرب عن إيجاد حل سلمي جاد للمعضلة السورية ، وليس في الأمر من عجب فالغرب ومعه روسيا ،مهما زعموا خلاف ذلك ، تواطؤوا لإنقاذ نظام الأسد وبقيت الإدارة الأمريكية تتقلب بين مواقف متناقضة للملحمة الشامية وكذلك فعل الاتحاد الأوربي دون أن ننسى دور الكيان الصهيوني والتعاون الإيراني البغيض ، تواطؤوا جميعهم على سحق المقاومة الإسلامية السورية لأن بشار الأسد رغم صورته البشعة يظل له قبول أكثر من أي بديل إسلامي مجاور لإسرائيل.
في مجابهة هذا الواقع غير المواتي من وجهة النظر الغربية أوجدت مخابرات الدول الكبرى ما يسمى بتنظيم داعش لتبرير التدخل الدائم في سوريا ، وقس على ذلك التدخل الروسي الأخير بدعوى محاربة الإرهاب بينما يؤكد المراقبون أن ضرباته موجهة للمدنيين السوريين بطريقة متعمدة فتقتلهم بالمئات بشكل يومي وتساعد على إخراجهم من ديارهم بمئات الآلاف وتشن حرب إبادة ضد المقاومة السنية السورية بكل أنواع الأسلحة الفتاكة لإبادتها ، في الحين الذي لا ينال داعش من هجمات الطيران الروسي إلا أقل القليل . وحلقة أخرى من حلقات المسلسل الإجرامي الغربي لتفتيت بلاد المسلمين إلى دويلات متناحرة الاتفاق الأخير بين روسيا و»حلفائها» الجدد القيادات الكردية ، تقوم فيه روسيا بالتمكين للأكراد لتأسيس دولة قومية كردية ممتدة من الشمال السوري وحتى شمال العراق فتشكل بذلك دولة شريطية تعزل تركيا عن سوريا.
حجم المؤامرة كبير ويحتاج إلى رؤية إستراتيجية ثاقبة قادرة للتعامل مع التحدي ، ومن هنا يفهم تصريح المملكة عن استعدادها لإرسال قوة أرضية سعودية للقتال في سوريا إذ إن المعارك القادمة معارك وجود لا معركة حدود ، وقيادة المملكة الرشيدة تدرك ذلك وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ، كما ويدركها ولي عهده، وولي ولي العهد وزير الدفاع ، وتعد لها العدة التي تتحدث بالأفعال قبل الأقوال.