وجاء القصف على بلدة منطقة وادي خالد (شمال لبنان) الحدودية مع تلكلخ بسوريا، بعد ساعات من إعلان دمشق استعادة سيطرتها على بلدة الحصن وقلعتها التاريخية التي تبعد نحو سبعة كيلومترات عن الحدود اللبنانية، وهي آخر معاقل المعارضة السورية بريف حمص الغربي. وبهذا التطور الميداني، تكون القوات النظامية السورية استعادت السيطرة على كامل المنطقة الحدودية مع شمال لبنان، بعد أسبوعين من سيطرتها على بلدة الزارة ذات الأغلبية التركمانية بريف تلكلخ.
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام»، الرسمية في لبنان، بأن «54 جريحا، بينهم نساء وأطفال إلى جانب مقاتلين معارضين، عبروا النهر الكبير الفاصل بين الحدود اللبنانية والسورية، إلى داخل الأراضي اللبنانية، ونقلوا إلى مستشفيات في شمال لبنان، بعدما نصب الجيش السوري كمينا لهم أثناء محاولتهم الفرار من منطقة محاصرة. وأكد مصدران طبيان لـ«رويترز» أن ثمانية مقاتلين آخرين وصلوا متوفين أو وافتهم المنية نتيجة لإصابتهم، بعد أن تمكنوا من الفرار من سوريا إلى منطقة وادي خالد في شمال لبنان. وأصيب ثلاثة لبنانيين جراء القصف الذي طال بلدات لبنانية.
وبينما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بمقتل مدنيين أثناء خروجهم من الحصن، أكد مصدر أمني لبناني تعرض نازحين من سوريا لقصف ووقوع عشرات الإصابات. وقالت «الوكالة الوطنية للإعلام» إن قذائف الجيش السوري سقطت على قرى في وادي خالد، بينما كان المقاتلون يفرون.
وأوضحت مصادر ميدانية لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن القوات الحكومية السورية «حاصرت منطقة وادي خالد اللبنانية بنيران القناصة والمدفعية والمدافع الرشاشة، منذ الرابعة فجرا حتى ظهر أمس، مستهدفة النازحين المدنيين الذين فروا من منطقة الحصن»، مشيرة إلى أن نيران المدفعية السورية «أصابت منازل لبنانية كانت تؤوي النازحين»، وقد ناهز عددهم الـ250 عائلة.
وأشارت إلى أن القوات النظامية «واصلت استهدافها كل الأهداف المتحركة في منطقة وادي خالد اللبنانية، على طول 15 كيلومترا مواجهة للحدود السورية، حتى منتصف النهار، بينها سيارتان لنقل المصابين، بهدف منعنا من نقل الجرحى».
وقالت المصادر إن النازحين خرجوا من الحصن «بعدما توصلوا إلى اتفاق مع القوات النظامية يقضي بإخلاء المنطقة باتجاه الأراضي اللبنانية»، مشيرة إلى أنه «بعد وصولهم إلى منطقة سهل البقيعة المتاخم لوادي خالد، بدأت القوات النظامية، في الرابعة والنصف فجرا، بإطلاق النار عليهم، ولاحقتهم القذائف إلى الداخل اللبناني». وقالت المصادر: «وصلت إلينا نداءات استغاثة صباحا، فبدأنا بإخلاء الجرحى، وتبين أن هناك قتيلا واحدا، وهو شاب يبلغ من العمر 17 عاما، منعنا الرصاص النظامي من إجلائه، بينما تمكنا من إجلاء أكثر من 50 مصابا، بينهم أطفال وشيوخ»، لافتا إلى أن بعض المصابين «تلقوا علاجا في الميدان، بينما نقل الجرحى الذين يعانون من إصابات بالغة أو متوسطة إلى المستشفيات».
وطال القصف السوري بلدات لبنانية، بينها بلدة بني صخر الحدودية في وادي خالد، التي ناشد أهلها النواب المجتمعين في البرلمان العمل على تأمين حماية الأهالي عند الحدود. وأفيد باحتراق منازل في البلدة، كما أصيب مسجدها بقذيفة.
واستهدفت النيران السورية منطقة البقيعة الحدودية التي أقفلت القوات النظامية المعبر الشرعي منها إلى سوريا، بينما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بتعرض حاجز للجيش اللبناني بالقرب من المركز الحدودي في البقيعة إلى إطلاق نار مصدره الجانب السوري.
كما تعرضت بلدة خط البترول في وادي خالد لإطلاق نار كثيف من أسلحة رشاشة ثقيلة ومتوسطة وقذائف صاروخية مصدرها الجانب السوري، وأفيد بإصابة منازل عدة.
وتعذر نقل المصابين إلى المستشفيات نتيجة النقص في سيارات الإسعاف مع ارتفاع عدد المصابين، ومواصلة القوات النظامية إطلاق النار باتجاه الداخل اللبناني، فضلا عن إقفال لبنانيين الطرقات في مناطق بالشمال، احتجاجا على إطلاق النار باتجاه الداخل اللبناني، الأمر الذي دفع وزير الداخلية نهاد المشنوق لمناشدة اللبنانية فتح الطرقات، لتسهيل نقل الجرحى.
وقال المشنوق إنه وجّه «نداء عاجلا إلى الشماليين لفتح الطرق وعدم إقفالها تسهيلا لمرور المصابين اللبنانيين والسوريين جراء القصف السوري إلى المستشفيات اللبنانية». وأشار مصدر رسمي لبناني إلى أن رئيس الوزراء تمام سلام أعطى تعليماته إلى الهيئة العليا للإغاثة للعمل على إيواء النازحين إلى منطقة عكار، كما أعطى وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور توجيهاته للمستشفيات لاستقبال المصابين اللبنانيين والسوريين.
وفي سياق متصل، أكد مصدر عسكري سوري لوكالة الصحافة الفرنسية، مقتل 11 مقاتلا معارضا في كمين نصبته لهم القوات النظامية خلال فرارهم من بلدة الحصن باتجاه الأراضي اللبنانية. وبين القتلى لبناني قيادي في مجموعة «جند الشام»، التي كانت تقاتل في قلعة الحصن يدعى خالد المحمود، وهو معروف أيضا بخالد الدندشي وأبو سليمان. وقد نعاه أهله في مدينة طرابلس في شمال لبنان.
ودخلت القوات النظامية السورية قلعة الحصن، ورفعت العلم السوري على القلعة الأثرية التي كان يسيطر عليها مقاتلو المعارضة المسلحة، منذ أكثر من سنتين. ونقلت تقارير تلفزيونية موالية للنظام السوري، عن مصادر عسكرية نظامية، تأكيدها استعادة السيطرة على «معقل» المعارضين في ريف تلكلخ ومنطقة وادي حمص. وقال ضابط سوري لقناة «الميادين» إن هذه السيطرة «تعني، استراتيجيا، أن خط الإمداد الذي كان يبدأ من وادي خالد في لبنان في اتجاه تلكلخ ثم حمص انقطع»، مشيرا إلى تمكنهم من الحدّ من تسلل المسلحين إلى الداخل، لافتا إلى أن «بعض المسلحين سلموا أنفسهم، مما ساعد في سقوط قلعة الحصن».
وانسحب التوتر الأمني في المنطقة الحدودية، على بلدات ومدن لبنانية. وبينما شنّ الطيران الحربي السوري غارات على جرود عرسال الحدودية مع سوريا بشرق لبنان، خيم الهدوء الحذر على طرابلس بسبب التوتر الذي تعيشه المدينة بعد سماع دوي قنبلتين صوتيتين، وتسجيل ظهور مسلح في الأسواق الداخلية، وعلى ضوء التوتر في المناطق الحدودية.
وفي حين عمّت الاحتجاجات مناطق الشمال، باشر الجيش تسيير دورياته المؤللة على طول الخط الممتد من مركز الأمن العام الحدودي في البقية وصولا إلى الجسر الغربي.
بموازاة ذلك، عُقد اجتماع أمني في مكتب قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي في وزارة الدفاع، ضم قادة الأجهزة اللبنانية، الذين عرضوا المستجدات الأمنية في البلاد، خصوصا في مدينة طرابلس والحدود الشرقية والشمالية، وتوافقوا على تعزيز التنسيق بين الأجهزة العسكرية والأمنية، واتخاذ سلسلة من الإجراءات لفرض الأمن والاستقرار في مختلف المناطق اللبنانية، ضمن إطار خطة عمل مشتركة.
وسياسيا، استنكر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قصف الطيران السوري على جرود عرسال ووادي خالد، وعدّ أن هذا القصف هو «تعدّ صارخ على السيادة اللبنانية لا يبرره أي منطق على الإطلاق، خصوصا أن الجيش اللبناني موجود في هاتين المنطقتين، ويجهد للقيام بواجباته كاملة». وطالب الحكومة الحالية باتخاذ جميع التدابير اللازمة لعدم تكراره، بما فيها رفع شكاوى إلى جامعة الدول العربية ومجلس الأمن بهذا الخصوص.