.
محطات الحياة هي تلك المراحل التي يمر بها الإنسان.. وهي محطات مسكونة بالكثير من التفاصيل الصغيرة والحميمة، وحين نعيدها تظل مجرد ذكرى قد نحنّ لها ونشتاق لها من جديد. وفي مراحل الحياة العملية تبقى الكثير من الصور في شريط الذاكرة… ضيفنا في هذا العدد رجل عسكري غير عادي اسمٌ حُفر في ذاكرة القوات المسلحة أو – كما يحب هو – (الجيش العربي السعودي)، وضع بصماته في كل موقع عمل به، قائد ملتزم وصارم ومحب لوطنه، خدم وطنه في القوات المسلحة لحقبة من الزمن، حينما يذكر اسمه تسمع عنه عبارات الثناء والاحترام، إنه مساعد الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي للشؤون العسكرية سابقاً وعضو هيئة التدريس بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية حالياً اللواء الدكتور متقاعد علي بن هلهول الرويلي. ضيفنا صاحب مشوار عملي مشرف ولد ونشأ وترعرع في مدينة طريف شمال المملكة العربية السعودية وفي تلك المدينة بدأ خطوات تعليمه الأولى حتى الثانوي وبحكم وجود شركة التابلاين في المدينة أصبح يفكر بالالتحاق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن إلا أن مجموعة من الضباط أقنعوه بالالتحاق بالسلك العسكري الأمر الذي جعله يلتحق بكلية الملك عبدالعزيز الحربية ليتخرج عام 1397ه برتبة ملازم في سلاح المدفعية في القوات البرية الملكية السعودية اللواء الرويلي تدرج في عدد من المناصب متنقلاً بين عدة مناطق حتى عين بأمر المقام السامي مساعداً لصاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي سابقاً وكانت هذه المحطة من أهم المحطات في حياة ضيفنا العملية فإلى نص الحوار.
.
النشأة.. والطفولة
. في البداية أين كان مسقط الرأس وكيف كانت النشأة الأولى؟
– ولدت في مدينة طريف شمال المملكة العربية السعودية وهي إحدى المدن التي أنشئت على خط الأنابيب (التابلاين) الذي ينقل البترول السعودي من بقيق إلى ميناء الزهراني في جنوب لبنان. ولكون هذه المدينة نشأت صناعياً استقطبت مع أخواتها القيصومة وعرعر ورفحا الأيدي العاملة من جميع مناطق المملكة الذي أسهم في تشكيل التركيبة السكانية لهذه المدن ومن بينها مدينة طريف التي كانت ولاتزال مثلًا للتنوع الثقافي والقبلي الذي نتج عنه بيئة تعايش نموذجية أعادت ثقافة مجتمعية متميزة أنجبت جيلًا سعودياً متناغماً بعيداً عن التطرف والتشدد وأنا سعيد أن أكون نتاج هذه الثقافة وابن لمدينة طريف الحنونة والمتنوعة والمحتوية لجميع شرائح مجتمعنا السعودي.
. مرحلة الطفولة وطبيعة الحال في تلك الفترة؟
– طفولتي ولله الحمد سعيدة، حيث نشأت وترعرعت في هذه المدينة ودرست في مدرسة حطين الابتدائية المشيدة والمبنية على أحدث الطرازات المعمارية آنذاك ووفق المعايير المطلوبة للدراسة ومزودة بالخدمات كافة إلى جانب مهمتها العلمية، حيث كانت تقدم لنا الرعاية الصحية من خلال عيادة مدرسية تتولى رعايتنا والكشف علينا وتقدم لنا أيضاً رعاية ثقافية من خلال أفلام سينمائية تعليمية إرشادية كل يوم إثنين وخميس وتشتمل على حدائق وملاهٍ ومسارح وفرق كشافة وأشبال وتختتم العام الدراسي بنشاط مسرحي كبير يحضره جميع أولياء الأمور، ولقد شاركنا أنا والكثير من زملائي في هذه المسرحيات وأستطيع أن أقول إن هذا التعليم والنشاط الممنهج أثر في طفولتنا وأسهم في توجيهنا التوجيه السليم لنا أنا وزملائي رغم الحياة المتواضعة آنذاك.
أسرة محبة للتعلم
. الأسرة لها الدور الكبير في نجاحات أي شخص كيف شكلت أسرتك وعيك وهل للأسرة دور في اختصاصك التعليمي الثقافي؟
– لا شك أن الأسرة لها دور كبير في صقل شخصية الطفل وتوجيهه وأنا نشأت ولله الحمد في كنف أسرة سليمة ومتماسكة في ظل علاقة مثالية بين والديّ شكلت بيئة مناسبة للتربية والتوجيه على الرغم من أن والدي ووالدتي أميان إلا أن تشجيعهما لي وأخواني كافة في التعليم أوصلنا إلى ما نبتغيه ولله الحمد، علماً بأن والدي كان يصرف وينفق علي ويرسل لي المال كي أدرس في ثانوية عرعر عندما نجحت من المتوسطة، حيث لا يوجد مدرسة ثانوية آنذاك إلا بعرعر وكنت أعيش مغترباً أنا وزميل لي من أقاربي يدعى غصاب جدوع وكانت أعمارنا آنذاك لا تتجاوز ثلاثة عشر عاماً وكنا ندير حياتنا بأنفسنا؛ ومن هنا يتضح دور والدي – حفظه الله- في اهتمامه بتعليمي وتطويري ومنعي أن أتوظف حتى أكمل دراستي آنذاك في الوقت الذي ذهب معظم زملائي للالتحاق بالوظائف سواء كانت عسكرية أم مدنية قبل إنهاء مرحلة الثانوية.
. ماذا بعد المرحلة الثانوية؟
– المرحلة بعد الثانوية مرحلة مفترق طرق أمام طموحات الشباب في ظل ضبابية الهدف والغاية التي يصبو إليها الشاب ليرسم ملامح حياته المستقبلية وكنت من بين هؤلاء الشباب الذين لم يكن لديهم الهدف واضحاً، كنت تارة أفكر بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن نظراً للبيئة التي عشتها في طريف التي كانت قائمة على ضخ البترول إلى شمال أوروبا عن طريق شركة التابلاين عبر البلاد العربية فصناعة البترول كانت مسيطرة على تفكيرنا كلما تنامى إلى مسامعنا صوت هدير محركات الضخ التي تدفع البترول إلى صيدا في لبنان، وتارة نحدث أنفسنا بالانضمام إلى كلية الطب في جامعة الرياض إلى أن جاءنا مجموعة من الضباط يعرفون بالكليات العسكرية ويمتدحون لنا ميزاتها الأمر الذي جعلنا نفكر جدياً بالانضمام إلى إحدى الكليات العسكرية خدمة للدين والمليك والوطن.
قائد سرية
. متى كانت بداية الحياة العلمية وما أول عمل التحقت به؟
– أولاً التحقت بكلية الملك عبدالعزيز الحربية وتخرجت منها في عام 1397ه برتبة ملازم في سلاح المدفعية في القوات البرية الملكية وكان هذا أول ممارسة لي في حياتي العملية، حيث تم تعييني ضابط مدفعية في سرية كانت ترابط قرب خليج العقبة في الحدود الشمالية الغربية، وكنت أقود بالنيابة هذه السرية المسلحة بالمدافع والسلاح والرجال، واكتشفت أنني أصغرهم سناً، حيث كنت لا أتجاوز العشرين عاماً وأقود رجالاً تراوح أعمارهم بين 60 عاماً و27 عاماً؛ حينها أدركت أنني أمام مهمة صعبة وهو أن أستطيع أن أقنع هؤلاء الرجال بأنني قائد لهم رغم صغر سني، وبعون الله وتوفيقه تم لنا ذلك.
. كيف تدرجت في القيادات العسكرية وما أبرز المهام؟
– تدرجت في جميع مستويات القيادة من قائد قسم إلى فصيل وسرية وكذلك مهام ووظائف الأركان في الكتائب حتى عينت قائداً لكتيبة راجمات صواريخ أرض أرض في تبوك ونجران عملت في جميع مناطق المملكة ضمن وحدتي وحارساً على حدودها مع زملائي في كل من حقل وتبوك وحفر الباطن وشرورة ونجران وجازان والمنطقة الشرقية وشاركنا في حرب تحرير الكويت وشاركت مع وحدتي في تمارين بالذخيرة الحية ضمن المناورات درع الجزيرة في دول مجلس التعاون والكثير من المهام التي لا أستطيع ذكرها هنا لكونها كانت مهام حماية حدود الوطن وحماية المواطنين ومكتسباتهم مع رجال (صدقوا ما عاهدوا الله عليه).
الزمالة في الإستراتيجية
. هل تم ابتعاثك وما أول بعثة؟
– إن الضابط في القوات المسلحة ومنذ أن يتخرج ينتظم في مسار علمي تخصصي ووفق منهج دقيق يشمل تدريب تأسيس متقدم وحتمي وقيادي ودورات متنوعة لصقل مهاراته القتالية على اختلاف أنواع الأسلحة، وأنا أحد هؤلاء الضباط الحمد الله الذي تخرج من هذه المدرسة العظيمة مدرسة القوات المسلحة، حيث تم تأهيلي على المدفعية الخفيفة ثم المدفعية الثقيلة والآلية ثم راجمات الصواريخ وحصلت على الدورات التأسيسية والتأهيلية كافة المتخصصة على السلاح ثم انتقلت إلى التأهيل العملياتي والإستراتيجي والقيادي، وهذه التخصصات عسكرية من الكليات العسكرية العليا حصلت على الماجستير للعلوم العسكرية من كلية القيادة والأركان السعودية ثم حصلت على درجة الزمالة العسكرية في الإستراتيجية والأمن القومي من أكاديمية ناصر العسكرية العليا بجمهورية مصر العربية ثم كملت برنامج الدكتوراه في الإستراتيجية والأمن القومي في الأكاديمية نفسها وهي تخصصات في الفكر الإستراتيجي القيادي للقادة العسكريين، وكذلك دبلوم الدفاع من كلية الدفاع العليا في جمهورية الصين الشعبية.
علم مهم
. لواء علي حدثنا عن تخصص الإستراتيجية خاصة أننا نسمعها دائماً تردد في وسائل الإعلام؟
– إن الإستراتيجية أحد العلوم الإنسانية وهو علم القادة ومن أبرز رواده القائد الصيني سان تزو الذي عاش قبل أربع آلاف سنة. علم له نظرياته وله طرائقه ويخضع للبحث والملاحظة والتجربة وقراءة المستقبل خاصة أنه يعتمد على الاستشراف المستقبلي. والتعامل مع القضايا وفق التخطيط والرؤية المستقبلية والإستراتيجية؛ فهو نهج في التفكير وأسلوب في العمل لأنه علم جامع وشامل الاستخدام في جميع المجالات الحياتية العلمية والتطبيقية. وكانت بداية في التخطيط للمعارك لكسب الحروب؛ فهو علم خرج من رحم الفكر العسكري واقترح أن يدرس الفكر الإستراتيجي في المرحلة الجامعية ويعطي جرعة تعليمية مناسبة لطلبة المرحلة الثانوية للأهمية.
سر تطور الغرب
. عشت ودرست في دول الغرب كيف وجدت الحياة في تلك المجتمعات؟
– نعم لقد عشت ودرست في دول متقدمة وأدركت تماماً أن سبب تطور هذه المجتمعات هو حبهم للعلم والعمل واحترامهم وإدارتهم للوقت.
. واصلت مشوارك الدراسي فكيف وفقت بين العلم والدراسة وهل تبحث عن العلم أو اللقب؟
– إن المسار العلمي الذي سلكته هو في إطار منهجي تطبيقي فهو تخصص وعلم عسكري وهو برنامج تأهيلي ومطلوب لعملي.
أفرّغ له تماماً في حالة الدراسة؛ ولذلك لم أواجه أي مشكلة أو عوائق لأنني مبتعث من وزارة الدفاع ومهيئة لي السبل كافة، أما عن العلم واللقب فأنا اعتبرها رحلة علمية وأطبقها عملياً في عملي لأنها في صلب تخصصي، وأما اللقب فلدينا نحن العسكريين الكثير من الألقاب حسب تخصص الضباط ولكنها كلها حقوق مكتسبة كلواء أو ركن أو زميل دفاع وحرب أو دكتور أو خبير إستراتيجي ذلك وفق ما يتم التأهيل عليه.
أحلام وطموحات
. هل حققت طموحاتك أم إن هناك أحلاماً مؤجلة لم تتحقق حتى الآن؟
– الأحلام والطموحات ليس لها حدود في حياة الإنسان النشيط وهي عجلة الحياة التي لن تتوقف لكني أعتبر نفسي قد حققت طموحاتي في خدمة ديني ومليكي ووطني وهو الطموح الذي رسمته لنفسي عندما تخرجت من الكلية الحربية؛ وذلك بتوفيق الله سبحانه وتعالى ونحن لانزال نتطلع إلى تحقيق أحلام وطموحات وطننا الغالي.
. حدثنا عن مرحلة عملك كمساعد الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي للشؤون العسكرية؟
– عينت حسب أمر المقام السامي مساعداً لصاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي وكانت هذه المحطة من أهم المحطات في حياتي العملية كوني انتقلت من مستوى التعامل التكتيكي العملياتي في القوات المسلحة إلى مستوى التعامل مع المستوى الإستراتيجي فيما يتعلق بالأمن الوطني السعودي الشامل والأمن القومي العربي ولقد عملت بالقرب من سموه الذي يعتبر مدرسة قائمة بذاتها في مجال تحقيق الأمن الشامل.
شخصية مؤثرة
. ما الشخص المؤثر الذي تأثرت به في حياتك العملية؟
– إن الشخص الذي تأثرت به هو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام – رحمه الله- فقد كان سموه اليد التي تبني واليد التي تحمل السلاح وجعل من وزارة الدفاع رافداً تنموياً يشارك المؤسسات التنموية الأخرى التي تقدم خدماتها للمواطن، حيث قدمت خدمات صحية وتعليمية وإدارية وسكنية إضافة إلى مهمتها وهي حماية الوطن والمواطن وحماية مكتسباته وتأمين حدوده فقد كان – رحمه الله- النموذج الأمثل في خدمة دينه ومليكه ووطنه وكان مدرسة وقدوة لجميع منسوبي وزارة الدفاع.
. العسكريون في الغرب والشرق يكتبون ذكرياتهم وخبراتهم فلماذا لم تكتب تجربتك؟
– توجد خبرات مكتوبة على شكل أطروحة لنيل دراجات الماجستير في العلوم الإستراتيجية بكلية القيادة والأركان من قبل الضباط المتخرجين من هذه الكلية وجميعها تصب في الفكر الإستراتيجي وتحقق الأمن الوطني الشامل، أما أنا فقد صدر لي كتاب في بيروت عن الأمن الوطني السعودي وهو الآن يعرض في جميع المكتبات في المملكة والوطن العربي وكذلك في المكتبات الإلكترونية والآن على وشك الانتهاء من تأليف كتابين الأول في إدارة الأزمات والثاني في العلوم الإستراتيجية وأتمنى أن تأخذ مكانها في رفوف المكتبات العربية.
العسكري لايفشي سراً
. ما السر الذي تفشيه لأول مرة في حياتك؟
– لا شك لدينا نحن العسكريين أسرار لكننا تعلمنا في أخلاقياتنا المهنية ألا نفشي سراً حتى لو كلفنا حياتنا؛ ولذلك أرجو ألا تسأل عسكرياً عن سر يمتلكه.
. أنت الآن تعمل في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية عضو هيئة تدريس وهو عمل مدني كيف ترى ذلك؟
– التحقت بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية للمشاركة في التدريس في كلية العلوم الإستراتيجية وهي الكلية الوحيدة في العالم العربي التي تدرس العلوم الإستراتيجية؛ وهو صلب اختصاصي ثم عينت مدير التدريب الخاص في الجامعة المعني بالتدريب والتأهيل في المجالات الأمنية، وجامعة نايف أحد أوجه العمل العربي المشترك الذي قام على إنشائها صاحب السمو الملكي الأمير نايف – رحمه الله وطيب الله ثراه – لما قدمة من خدمة للدول العربية كافة.
. حدثنا عن حياتك الخاصة وعن أمنياتك؟
– حياتي الخاصة والحمد لله خالية من الأمراض الصحية والاجتماعية ولدي أسرة مستقرة وحياتي خالية من التعقيد؛ أبنائي يعملون في وزارة الدفاع الابن بندر رائد في إدارة الحرب الإلكترونية والابن محمد طبيب في الخدمات الطبية، وبناتي متخصصات في الفيزياء والرياضيات والابن مشعل وخالد يدرسان في المرحلة الثانوية وهما متفوقان ولله الحمد والفضل لله أولاً ثم برعاية والدتهم وحرصها عليهم ومتابعتهم وحتى أجد راحة وفسحة من الوقت لأن أقرأ وأكتب وأنا أتابع نشاطي العلمي والعملي الخاص.
. هل أنت من عشاق السفر حدثنا عن ذلك؟
– نعم أنا من عشاق السفر وقد زرت أكثر من خمسين بلداً في العالم واطلعت على ثقافة شعوب وحضارات إنسانية وطبيعة أرض لكني عندما أعود أقبل تراب وطني وأحمد الله أنني في هذه الأرض وإليها أعود.
. ما أمنيتك الآن؟
– أمنيتي أن يحفظ الله ولاة أمرنا وقائدنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والشعب السعودي من كل مكروه في ظروف تتلاطم بها أمواج المشاكل والصراعات وانعدام الاستقرار والأمن من حولنا ونشاهدها على مرأى من عيوننا ونحن نعيش في واحة من الأمن والأمان ولذلك أقول كما جاء في قوله تعالى: (ربي اجعل هذا البلد آمناً).
2 pings