(قصة ساري بين الناس***تمشي دمعة مع موال)
إذا كنت تذكر هذا البيت من الشعر فأنت من جيل يقال له جيل المخضرمين لكن إذا استطعت أن تدندن به كما سمعته أول مرة فأنت من جيل يسمى جيل الطيبين أو بمعنى آخر (جيل معايدين القريتين) اما إذا كنت لم تسمع به فأغلب الظن أنك من جيل (ستيف جوبز) مخترع جهاز الآيفون الذين بنقرة على اليوتيوب سيكتشفون لمن الأبيات و متى قيلت.
البيت السابق هو من مقدمة للمسلسل البدوي (ساري) ، حقيقة لا أذكر متى أول مرة شاهدت مسلسل ساري أو إحتمال إني أذكر لكن أحاول أن اتناسى حتى لا اتفاجأ بعدد السنين التي انقضت من عمري فالذى اعرفه جيدا و متأكد منه أن أغلب ممثلي هذا المسلسل قد انتقلوا إلى رحمة الله.
المسلسل يحكي قصة واقعية للشاعر الفارس (عبدالله الفاضل) من الحسنة من ضنا مسلم من عنزه.
لن اتطرق للمسلسل من ناحية فنية لأن المسلسل عُرض بزمن الأبيض و الأسود و نحن الآن بزمن ال تش دي و النت فليكس كذلك لن اتطرق له من الناحية التاريخية لأن من عرض لهم فى ذلك الزمان كانت مرجعيتهم التاريخية و الثقافية برنامجي (مضارب البادية) التلفزيوني و ( من قائل هذا البيت) الإذاعي و نحن الآن ننعم و لله الحمد بزمن الشيخ (قوقل) ،كذلك لن أناقش قصائد بطل المسلسل التي تُعرف بشعر العتابة فمعرفتي بهذا النوع من الشعر لا تتجاوز معرفة (بيل غيتس) بتحضير مضغوط الحاشي.
إذن مالهدف من الحديث عن مسلسل اكل عليه الزمن و شرب؟!
الهدف هو تسليط الضوء على عرف سائد عند البادية في الزمن الماضي اضطروا لتبنيه بسبب ظروفهم المعيشية و انعدام الرعاية الصحية.
عندما أصيب الشاب عبدالله فارس القبيلة وابن شيخها بمرض الجدري الذي يعتبر مرض معدي و نسبة الشفاء منه ضئيلة جدا أن لم تكن معدومة، كان العرف لدى البادية في ذلك الوقت أن يطلبوا من المريض -خوفا من العدوى- مغادرة مضارب القبيلة ليلاقي مصيره بعيدا عنهم فلم يكن هناك حجر او عزل صحي كما هو متوفر الآن .
ولأن المصاب كان فارس القبيلة و ابن زعيمها شعروا بالحرج أن يطلبوا منه الرحيل فقرروا أن يرتحلوا هم بأنفسهم تاركين له بعض الزاد و كلبه الوفي (شير).
تغلب الوالدان على عاطفتهم الفطرية فقدموا مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد فنجوا كجماعة من إنتشار وباء الجدري بينهم فعوضهم الله بعد سنين أن عاد لهم أبنهم و قد شفي من الجدري و لم يبقى من آثاره الا بثور في وجهه و اسمه الذي تغير من عبدالله الى ساري في قصة درامية تستحق المشاهدة في (اليوتيوب).
هذه العادة التى كان يتبناها أبناء البادية فى ذلك الزمان كان لها دور رئيسي بالحد من الخسائر البشرية لانهم كانوا يتعاملون بواقعية مع المشكلات التي واجهتهم و لم يدفنوا رؤسهم بالرمال او يتهربوا منها بالإنكار و المكابرة.
تغيرت الأمراض الوبائية من ذلك الزمان إلى وقتنا هذا فاختفت أمراض وظهرت أمراض جديدة.
من وجهة نظري أن المخدرات أكثر خطورة من مرض الجدري لأن من ادمنها أصبح قنبلة مؤقوتة قد تنفجر بأي وقت ملحقاً الضرر بنفسه أو بالاخرين و لنا فى حوادث الانتحار و القتل خير شاهد على ذلك، كذلك إحتمالية تحول المدمن لبعوضه ناقلة للمرض بتحوله من مدمن على المخدر لمروج له.
أعتقد لو أن وباء الإدمان و الترويج ظهرا فى زمن البادية لطبقوا عليهم العرف الإجتماعي السائد و أجبروا ذويهم بوضع المصلحة العامة قبل المصلحة الفردية.
لكن للأسف اختفت أعراف البادية و حل بدلا منها القوانين المدنية التى شجعت على الأنانية الفردية و فاصبح الفرد لا يلقي بالاً لمصلحة الجماعة من حوله أو حتى بقية افراد أسرته فتجد الأب يظلم بقية أفراد أسرته و مجتمعه بتستره على مدمن أو مروج إلى أن تقع الفأس بالرأس و تنتقل العدوى للاصحاء بسبب مروج طليق و تزهق الأرواح بواسطة مدمن رفع عنه القلم.
لذلك من الآن إلى أن نسترجع قوانين البادية أو يبعث الله في مجتمعاتنا رجال ذوي رأي و قرار ليس أمامنا ألا أن نردد ما جاء فى الاستعاذة في الحديث الصحيح :
(اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة فإن جار البادية يتحول).
مقال للكاتب شايز عوض
1 ping