[SIZE=6]
هبطت الطائرة القادمة من إحدى الدول الغربية وعلى متنها أحد أبناء هذا الوطن المتميزين علميا الذين تم ترشيحهم للابتعاث الخارجي وهو المهندس عبدالله وبصحبته عائلته، بعد رحلة دراسية استمرت بضع سنوات تكللت بالنجاح وحصوله على درجة الماجستير والدكتوراه في تخصص إدارة الاعمال.
اتجه مباشرة إلى قريته ليقضي فيها بعض الوقت قبل أن يباشر عمله في إحدى الشركات الكبرى في العاصمة ولم يشعر بأي ندم لرفضه العرض الوظيفي المغري في البلد الذي قدم منه..
عاد المهندس عبدالله إلى العاصمة ليباشر مهام عمله وكعادته في أيام الابتعاث نهض مبكرا ليمارس رياضة المشي لمدة نصف ساعة قبل الذهاب للعمل، بحث عن مكان مهيأ لممارسة هذه الرياضة في الحي الذي سكنه بعد عودته من الدراسة، ولم يجد !!.
توجه عبدالله لمقر عمله مبتدئا ً بربط حزام الأمان أثناء القيادة ملتزما بجميع أنظمة السير ومنها احترام حق المشاة في الطريق، وعند وصوله مقر عمله واختياره أبعد مكان في مواقف السيارات حتى يعطي الفرصة للموظفين المتأخرين في استغلال المواقف القريبة من مقر العمل، تفاجأ بأحد الموظفين يوقف سيارته في المواقف الخاصة بالمعاقين، والذي تبين أنه لا يعاني من إعاقة أثناء نزوله غير مكترث بلوحة "مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة" !!!...
بعد أول أسبوع عمل ، قرر اصطحاب عائلته في عطلة نهاية الأسبوع في جولة بالمدينة التي غاب عنها طويلا...
خرجوا من المنزل تملؤهم السعادة والحماس وانطلقوا بسيارتهم ، وأثناء سيرهم إذ بسيارة تتجاوزهم بسرعة فائقة ، فتح قائدها النافذة ورمى كيسا من النفايات على قارعة الطريق ، كان منظرا مؤسفا...
أقبل عبدالله على الإشارة الضوئية واضطر للوقوف والانتظار لأن المسار الأيمن مغلق بسبب أن أحدهم يرغب الذهاب باتجاه اليسار وسلك المسار الأيمن لأنه اقل في عدد السيارات مما أدى إلى تأخير من هم خلفه دون وجه حق وكان تصرفا سيئا بالفعل...
استمرت العائلة في التجول منبهرين بالتوسع الهائل للمدينة في وقت قصير وقد استغربوا من عدم توفر وسائل نقل جماعي وقطارات لتخفيف الازدحام الواضح كما استغربوا من عدم تسوية الطرقات التي قلما تخلو من الحفر الكبيرة والصغيرة...
توقف عبدالله عند أحد محلات القهوة وعندما دخل رأى مجموعة من الشباب في ركن المقهى، ترتفع أصواتهم غير مبالين بالآخرين ، ويلبسون بعض الملابس الغير لائقة اجتماعياً ولا تتوافق مع عقيدتهم قبل عاداتهم ، كما لاحظ وجود بعضهم من صغار السن يدخنون أمام الآخرين ولوحة "ممنوع التدخين" فوق رؤوسهم تماما ، كان المحل مزدحما فوقف عبدالله في صف الانتظار ثم ما لبث أن دخل احدهم ذاهبا في طريقه إلى المحاسب غير آبه بمن هم قبله..!!
أخذ عبدالله قهوته واستأنف جولته باتجاه وسط المدينة حيث المجمعات التجارية الراقية ولكن هذه الرحلة قد طالت كثيرا بسبب أعمال الإنشاءات والحفريات في بعض الطرق السريعة والمستمرة أعمالها منذ عدة سنوات..!!
وفي طريق العودة توقف عبدالله عند أحد المحلات وعندما خرج وجد سيارة وقفت خلفه مما اضطره للانتظار طويلا ثم خرج صاحب السيارة من المطعم المجاور وركب سيارته ورحل دون ادنى اهتمام..!!
ثم اتجه الى المنزل وكان الوقت متأخرا فإذا بمجموعة من المراهقين يمارسون "التفحيط" غير مبالين بأرواحهم أو أرواح الاخرين.
عندما وصل للحي كان من الواضح انقطاع الكهرباء ثم فوجئ بوجود سيارة تقف امام باب المرآب المخصص لدخول سيارته مما اضطره لإيقاف سيارته خارجا...
جلست العائلة في اليوم التالي تناقش رحلة يوم أمس التي بات جليا بعدها وجود خلل كبير في ثقافة المجتمع واحترام النظام واحترام الآخر..
اتقفوا على أن هذا الوضع لا يمكنهم قبوله ولا بد من العودة إلى البلد التي كانوا فيها حيث ان عرض العمل لا زال قائما..
حزموا حقائبهم عائدين للبلد التي جاءوا منها ومن المطار اتصل عبدالله بوالدته مودعا فقالت له:-
"لا تهرب" ياولدي بحجة البحث عن حياة أفضل بينما كان يجب عليك مواجهة واقع وطنك بدلا من الهروب...
الوطن يتوقع منك ومن أمثالك العمل على التغيير للأفضل ولهذا تم ابتعاثكم وتعليمكم...
عد ياولدي وابدأوا التغيير بإصلاح أنفسكم وتربية أولادكم وستصلون الى جيل مثقف وواعي "ولو بعد سنين" يحترم النظام ويحترم الآخر..
تأثر عبدالله بكلام أمه كثيرا ومزق بطاقات صعود الطائرة وعدل عن السفر وعقد العزم على أن يكون عضوا فاعلا يساهم في رقي مجتمعه ووطنه...
"نتمنى أن يكتب الله التوفيق لعبدالله وأمثاله لتغيير ثقافة مجتمعنا"
سالم فرحان الرويلي
[email]salemf877@yahoo.com[/email][/SIZE]
2 pings