لاحظ أهل الحي ازدياد أعداد الكلاب الضالة في شوارعهم وفى بعض البنايات المهجورة فى حيهم، مما جعلهم يشعرون بالخوف على أطفالهم الصغار من هذه الحيوانات التى قد تهاجمهم في حالة شعورها بالجوع أو الخوف فجتمعوا يوما بعد صلاة المغرب و تحدثوا بهذا الخصوص وأن عليهم أن يتواصلوا مع البلدية لتجد لهم حل لهذه المشكلة.
اتفقوا أن يوكلوا المهمة لأحد المتقاعدين حديثا ليكسب هو الأجر برفع الضرر عنهم و يكسبون هم الأجر برفع الضرر عن زوجته و أبنائه الذين اشغلهم بعد تقاعده.
ما أن صلى الفجر اليوم التالى ألا وهو يدور بالحي من شارع إلى شارع و من بناية مهجورة إلى أخرى يصور الكلاب من جميع الزوايا و الأبعاد لدرجة أن من يراه يعتقد أنه مصور محترف يعمل مع قناة (ناشيونال جيوغرافيك).
ما أن دقت الساعة السابعة تماما إلى وهو على بوابة الأمانة ينتظر موظفيها عند المدخل، فالإحساس بثقل المسئولية الملقاه على عاتقه من قبل سكان الحي جعله يتقمص شخصية المفوض السامي لحقوق الجيران.
و كعادة المفوض السامي لا يعترف بصغار الموظفين و لا التسلسل الإداري للشكاوي فكلاب الحي بازدياد و الجيران مذعورون و الحل سيكون عند سعادة الأمين و لا أحد غير الأمين.
دخل صالة المراجعين و هو يهدر و يزمجر بصوتٍ جهوري، أين مكتب الامين؟ اين مكتب الامين؟
انطلق له المشرف على الصالة محاولا أن يتفهم مطلبه وإذا كان بإمكانه أن يخدمه فى الموضوع الذي أتى من أجله .
لكن صدى نباح الكلاب ما زال يدوي في اذنيه فقال له: بصوت مرتفع موضوعي ما يحله الا الأمين!!
أين مكتب الأمين؟؟
لا تقل لي أن أمينكم ما حضر إلى الآن أو أنه ممن يغلقون ابوابهم بوجه المواطنين!!
سمع الأمين الضوضاء و الجلبة التي في صالة المراجعين فاستفسر من موظفيه و بعد أن عرف السبب كظم غضبه و طلب إيصال المراجع صاحب الصوت العالي إلى مكتبه.
دخل على الامين رافع الرأس واثق الخطى يمشي ملكا أو كانه سفير يقدم أوراق اعتماده للرئيس الامريكي.
صحيح أن الأوراق التى يحملها معه مجرد معروض شكوى ممهور بتواقيع مجموعة من سكان الحي و صور متنوعة لسلالات من الكلاب الضالة ولكنها الثقة بالنفس و تقدير المسئولية.
رحب به الأمين و استمع لشكواه وإن جيرانه قد فوضوه لحل هذه المشكلة التى أرقتهم و أنه لن يرجع لهم إلا وقد حصل على وعد من الأمين بحل جذري لمشكلتهم.
هون عليه الأمين المشكلة و قام بشكره على تحمل المسئولية نيابه عن جيرانه و تواصله مع الأمانة بخصوص هذه المشكلة و وعده أن مشكلتهم ستحل خلال ثلاثة أيام كحد أقصى .
عندما همَّ المفوض السامي بالمغادرة قال له الأمين: كي لا تعود المشكلة مرة ثانية نحتاج تعاون أهل الحي فستدار عائدً و هو يكاد يطير من الفرح بأن هناك مهمة أخرى ستوكل له و أنه سيكون المتحدث الرسمي بأسم الأمين لدى سكان الحي.
رد على الأمين قائلا : أعين و اعاون بما ترون أنه يخدم الحي وأهله فأنا امثلهم ولدى تفويض منهم كما ترى.
هُنا كشر الأمين عن أنيابه و أراد أن يلقنه درساً لما بدر منه من فوضى و رفع للصوت فقال له: اخاف أن مسئوليتك و التفويض الذي لديك محدود الصلاحية بالكلاب؟؟!! و الموضوع الذي نحتاج لتعاونكم حوله يحتاج تفويض يختلف عن تفويض ملاحقة الكلاب الضالة.
شعر المتقاعد بالصفعة التى وقعت على خده من الأمين لكنه ظل متماسكا بعد ان خفت نباح الكلاب في اذنيه فقال ماذا تقصد؟؟!!
عرف الأمين أن الرجل فقد توازنه و تخلى عن عنجهية المفوض السامي و اصبح جاهزا للإستماع.
فقال له: أنت تعرف ان هذه الكلاب قد احضرها مروجي المخدرات من ابناء حيكم و هم من اطلقها بالشوارع و كنتم تخافون من التعرض لها لإن حشمتها من حشمتهم و كنتم تحشمونهم من حشمة ابائهم فتكاثروا في حيكم هم و كلابهم الضالة التى تشتكون منها و بما ان هولاء المروجين من ابنائكم هم سبب إنتشار الكلاب فهم فى حقيقة الامر أكثر خطورة عليكم و على أبنائكم وبناتكم من الكلاب فلماذا لا ترفعون أصواتكم بالمطالبة بالتخلص منهم؟!!.
فمثلما تنظرون للبلدية بإنها جهة خدماتية تلومونها في حال التقصير بالنظافة او ملاحقة الكلاب السائبة فإن مكافحة المخدرات هي أيضا جهة خدماتية مطالبة بتخليصكم من الوباء الذي انتشر بينكم بسبب هولاء المروجين او كما يطلق عليهم (البعوض).
من المؤسف ان يكون رجل بقدرك و سنك خدم البلد لسنين طويلة و لديه من الحكمة و الشجاعة و بعد النظر ، يهدر وقته الثمين بملاحقة كلاب لا حول لها و لا قوة بينما أساس المشكلة يعيش بينكم معزز مكرم و الجهة المسئولة عن محاربته لا يتجرأ أحد بشكواها أو نقدها.
و انا أتوقع أن من فوضوك لمطاردة الكلاب لو بينت لهم السبب الحقيقي للمشكلة و انك تطلب منهم تفويضا لمراجعة (مكافحة المخدرات) و إخبارها بتقصيرها بتنظيف حيكم من البعوض الذي انتشر فيه فمن الغالب انهم سيقولون لك بصوت واحد:
(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
لكن إذا كان هناك احد غيرك من سكان الحي لديه الشجاعة و محل ثقة الجميع و يثقون به في موضوع أهم من ملاحقة الكلاب فدعهم يفوضوه بمراجعة مكافحة المخدرات لايجاد حل لهم و إذا لم تستجب لهم مكافحة المخدرات فعليهم تصعيد الأمر للحاكم الاداري ليرفع الضرر عنهم.
أما إذا لم يكن من بينكم من هو أهلاً لهذه المهمة، فنصيحتي أن لا تشغلوا انفسكم بموضوع الكلاب فانها ستكون من أهون الأضرار التي ستواجهونها فى حيكم العامر.
شايز عوض