طالما طرح العديد من الكتاب والمفكرين في دول مجلس التعاون الخليجي ومنذ سنوات طويله سؤالًا حائرا لم يجدوا له اجابة شافية او مقنعة وهو:-
لماذا تحول المواطن العربي والخليجي الى بئر بترول او بنك متحرك وهدف سهل للمحتالين الذين يستهدفونه في كل بقاع العالم حال معرفتهم ببلده وجنسيته؟
ولماذا لا يستهدف زوار وسياح من بلدان اجنبية قد تكون اكثر ثراء ورفاهية وارتفاع في مستوى المعيشة؟
هذه الأسئلة وغيرها طالما حيرت ابناء هذا الجزء من العالم ، فالمؤسف ان معاملة المواطن الخليجي عند سفره لبعض الدول تختلف عن معاملة غيره من الجنسيات العربية او حتى من بقية الدول المعروفة عالميا برفاهيتها وارتفاع مستوى معيشة أفرادها، واذا كان النصب والاحتيال متواجد بالكثير من البلدان ومرافق للفقر والحاجة بأي مكان بالعالم ، فان السؤال لماذا لا يستهدف السائح السويسري، او الياباني، او السويدي مثلا بالرغم ان مستواهم المعيشي مرتفع جدا ولماذا يستهدف المواطن العربي الخليجي فقط حتى في البلدان القريبة التي يفترض انها الأقرب اليهم والأعرف بهم وبظروفهم من السائح الأجنبي؟
وللرد على هذه الأسئلة وغيرها فلا بد ان نطرح عدة حقائق لا يمكن إنكارها وهي على النحو التالي؛-
أولآ:- السياح الأجانب وحتى الأثرياء منهم لا يظهرون امام الاخرين بصورة ملفتة للنظر ولا يركبون السيارات الفخمة التي يستخدمونها للمفاخرة والمباهاة او يحملون الساعات والمجوهرات الثمينة
ثانيا:-السياح الاجانب لا يحاولون التباهي بما لديهم من أموال بطريقة مضحكة ومستفزة ولايظهرون أمام الآخرين كمجرد سفهاء حصلوا على اموالهم بطريقة سهلة لا يستحقونها وبالتالي يجوز سرقتهم والنصب عليهم من وجهة نظر من يتعامل معهم
ثالثا:- السياح الأجانب لا يتصفون بالهياط والكرم الحاتمي الكاذب عند دفع البقشيش او في المطاعم وأماكن اللهو بل أن كل شخص يحاسب عن نفسه ويتعاونون فيما بينهم لدفع فاتورة حساب المطعم
رابعا:- من الطبيعي ان السفر لأي دولة بالعالم يعاني اقتصادها من مشاكل وتدهور خطير سينعكس بالسلب على الأمن والأمان والاقتصاد، ويعرض السائحين لخطر فقدان حياتهم أو اموالهم او ومجوهراتهم وما يمتلكونه من أشياء اغلى من المال وهي الكرامة
خامسا:- أساليب ابتزاز السائح الخليجي ليست جديدة ولاتتتم بالصدفة، وانما قديمة فهناك عصابات متخصصة في مطاردة السياح من دول الخليج وغيرها ومنذ لحظة هبوط طائراتهم بتلك الدول بهدف ابتزازهم أو استغلالهم والحصول على أموالهم حيث تبدأ الحكاية من موظف الجوازات، او حامل الحقائب، أو سائق التاكسي أو موظف الاستقبال بالفندق أوالشقق المفروشة، حيث يتحدث بعضهم بلغة عربية ركيكة حتى يرتاح لهم السائح، وهنا يبدأ مشوار النصب والاحتيال الذي قد يدفع البعض أموالهم وربما سلامتهم ثمنًا له
سادسا:- تزداد خطورة النصب اذا كان السائح وحيدًا او ضمن عائلة صغيرة من الاطفال والنساء حيث من السهولة وبسبب ضعف اللغة ان يتم توريطهم او استغلالهم او استغلال ظروفهم
سابعا:- وسائل التواصل ساهمت وللأسف بتسهيل عمليات النصب والاحتيال بالسفر وخصوصًا صغار السن والمراهقين عند تعاملهم مع العالم الافتراضي، بالإضافة لخطر ما يعرف بالإنترنت المظلم الذي تسيطر عليه عصابات متخصصة بالنصب والاحتيال والخطف وغسيل الأموال ،وتهريب البشر والمخدرات وبيع الأعضاء
ثامنا:- من الواضح ان السياح الاجانب أكثر حذرًا وتواصلا مع سفارات بلادهم بالخارج من المواطن العربي والخليجي والذي قد لايلجأ لسفارة بلاده إلا بعد فوات الأوان وحينها لن يكون من السهل التدخل أو مساعدته وهذا لا يعني تزكية كاملة لجميع السفارات التي يفترض ان تقوم بدورها كاملا لحماية رعاياها بتلك الدول
وفي نظري فإن الصورة النمطية في عقول الآخرين عن المواطن العربي الخليجي تتحملها عدة جهات منها المواطن الخليجي ذاته وتصرفاته العشوائية كما تتحملها وسائل الإعلام الغربي وافلام هوليود التي أظهرت المواطن العربي بصورة الشخص الغبي الجاهل الذي يمتلك الاموال والنفط ولا يعرف كيف يتصرف بها، كما يتحملها في نظري البعض من الأثرياء العرب الذين رسخوا هذه الصورة وأساءوا إلى أنفسهم ومجتمعاتهم منذ وقت طويل وما زالوا حتى الان يتسببون بهذه النظرة الجائرة عند سفرهم للبلدان الأجنبية
ومن اجل ازالة مثل هذه النظرة الجائرة والمترسخة فان المسألة تحتاج الى وقت وجهد وتدخل من الدول العربية عامة ودول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة من أجل تشجيع السياحة الداخلية في هذه البلدان وتحذير المواطنين بهذه الدول من السفر للبلدان التي يتعرض بها هؤلاء المواطنين للنصب والاحتيال، أو استغلالهم والتعامل معهم كبنوك متحركة أو مجرد آبار نفط، بالإضافة للقيام بحملة إعلامية وتوعوية كبيرة بين السياح ليكون التعامل معهم قائم على الاحترام المتبادل بين الطرفين بعيدا عن أساليب الاستغلال والانتهازية
ولعل الأمر الإيجابي الذي سيساعد بالقضاء على هذه النظرة السلبية هي تلك الفعاليات الرائعة والكبيرة التي تشهدها بلادنا تحقيقًا لرؤية ٢٠٢٠ والتي جذبت العالم إلينا وهي مثال يحتذى به من اجل ان يدعم السائح العربي والخليجي السياحة داخل وطنه بدلًا من السياحة الخارجية وما يتعرض له السائح هناك من عمليات نصب واحتيال وتشويه سمعه، خصوصا ان دول الخليج العربي اثبتت حاليا قدرتها على جذب السياح عالميا كالمملكة العربية السعودية، والإمارات، والبحرين ،وعمان
ويبقى السؤال متى يتم التعامل مع السائح العربي الخليجي كإنسان وليس كبئر نفط او بنك متحرك؟
د. فهد سحلي الخناني