أصحاب القرار ممن يتسنمون قمة الهرم الإداري في المنشآت والمنظمات والمناصب الكبيرة في حاجة لاستباق الحاجات المستقبلية والتفكير في مسائل ليست من أمر اليوم والتفكير فيما لايفكر فيه أو ما لا يسعفهم متسع أوقاتهم للتأمل فيه لتحويل المقترحات والأفكار إلى سياسات وخطط فضلا أن تكون قابلة للتطبيق حتى تجد طريقها للتنفيذ فعلا.
كلما صعبت المشاكل وتعقدت العمليات وتداخلت مسارات القرار وقنوات الاتصال في المنشآت ذات الهياكل الإدارية الضخمة ظهر عجز أصحاب القرار عن إيجاد الحلول السريعة والناجعة لعدم قدرتهم على توفير الوقت اللازم للتفكير والتأمل العميق لحلها فضلا عن تشتت ذكاء بعضهم الحاد وتبعثر قدراته الذهنية في هوس تجميع المناصب وتكديس الصلاحيات ومَرّكَزَة القرارات ، ووقوع البعض منهم في متلازمة السعي للمكانة.
الشجاعة الظاهرية في اتخاذ القرار تتطلب شجاعة باطنية تؤمن به وتعطيه الوقت والتركيز الكامل قبل اتخاذه ،وتتطلب تقبل النقد والاستماع للافكار المستقلة من خارج المنشأة وداخلها والثقة المطلقة في الذات حين اتخاذه والتخلص من افخاخ التزلف التي ينصبها لأصحاب القرار المنتفعون من تمركز التفكير داخل المنشأة ، والتخلص قدر المستطاع من المكاسب الاعلامية المجردة.
تؤثر ثقافة صنع القرار في الشركات بشكل كبير على صحة قرارتها ، فالأنا المتورمة للمديرين التنفيذيين محجوبي الرؤية هي السبب الجذري لمعظم القرارات السيئة. إذا كنت تعتقد أنك أذكى شخص في المنشأة ، فأنت لست ذكيا بما فيه الكفاية ، فالقرارات الجيدة مقرونة بالتواضع والاعتراف بأن الآخرين مهما صغرت مناصبهم أو اعمارهم لديهم أيضا أفكار ، فمن المؤكد أن الشركات التي تشجع الموظفين على الشعور بالحرية في التحدث تتخذ قرارات أفضل قطعا.
الاستماع للرأي الآخر حتى ولو كان مخالفا لفهم صانع القرار يولد أفكارًا جديدة، فكما يقول تزو في ( فن الحرب ) : ” لا يوجد سوى خمسة ألوان أساسية : أصفر، أزرق، أحمر، أبيض، أسود لكن مزجهم معًا يخرج لنا الكثير من الألوان“.
تطوير مهارات التفكير النقدي ، وجمع أكبر قدر من المعلومات الصحيحة الصادقة ، ومشاورة فريق العمل الموثوق به هي اعمدة في اتخاذ القرار الصحيح، فالقيادة يدور مفهومها حول جعل فريقك يؤمن بك وبالاتجاه الذي تأخذ فيه المنشأة.
الجمع بين مفارقة ( مرّكَزَة التفكير ) و ( مرّكَزَة القرار ) معضلة أزلية في كواليس عالم الإدارة لأنها مرتبطة بموردين هامين : الوقت والتفكير السوي ، وكونهما موردين محدودين و متضادين في أحايين كثيرة فاستغلالهما والجمع بينهما بكفاءة هو العلاج الأنجع لتفتيت صخرة هذه المعضلة . ولايمكن أن يستفيد صانع القرار من موارد لا محدودة من الافكار والمعلومات والموظفين وحتى الناقدين إلا بالتخلص من مرّكَزَة التفكير المنغلق ليصفو له مرّكَزَة قراره الصحيح.