من أعمق مظاهر النضوج الإنساني أن يتجاوز المرء مساحات التلهف على زينة المديح وأن يرتقي عن الانحناء لصغائر الغايات الناضج لا ينتظر تصفيق الحشود ولا يغريه لمعان الإنجازات الصغيرة إنه يدرك أن القيمة الحقيقية تكمن في العمل الصامت والدأب المستمر نحو الأهداف الكبرى
النضوج ليس مجرد حزمة من الإنجازات بل هو قدرة على أن يهدأ قلبك وأنت ترى من حولك يحققون ما كنت تتمناه يومًا دون أن يتسلل الحسد إلى قلبك إنه أن تدرك أن العالم واسع بما يكفي لنجاحات الجميع وأن سعادتك لا تنقص إذا زادت فرحة غيرك
إن اختيار ما يشبه روحك بدلاً من ملاحقة ما يرضي الآخرين هو جوهر النضوج أن تعيش وفق هويتك غير مكترث بمجاراة التيار هو انتصار حقيقي ومن أسمى علامات هذا الانتصار أن تتوقف عن انتقاد ما لا يطعن في القيم أو المبادئ فالناضج يعلم أن العثرات جزء من إنسانية البشر وأنها قد تكون نوافذ جديدة نحو التعلم
الناضجون لا يضيعون أوقاتهم في انتشال عيوب الآخرين بل يركزون على إصلاح أنفسهم إنهم لا يرون في الزلات إلا فرصة لفهم أعمق للنفس وللآخرين
إنهم يدركون أن الغوص في الصغائر ينزع عنهم وضوح الغاية ويجعلهم أسرى لحظات عابرة لا وزن لها
وحين ينشغل الإنسان بالمظاهر ويتهافت على التصفيق فإنه يبتعد عن أفق الحياة الحقيقي تصبح همته أسيرة للأشياء الزائلة وتضيع هويته بين ما يريد أن يظهر عليه وبين ما يحتاجه حقًا ليعيش بسلام
النضوج هو أن تعيش حياتك كما خُلقت لها ثابتًا في قيمك متصالحًا مع ضعفك، وراغبًا في التعالي على كل ما يستهلك طاقاتك دون معنى إنه أن ترفع رأسك إلى السماء لا لتتباهى بل لتتذكر دائمًا أن لك غاية أسمى من صغائر الأرض
كتبه: متأمل في معاني النضوج
• خبير تنموي