منظومة التعليم في أي بلد من العالم من المنظومات المعقدة والحساسة وكلما كانت هذه المنظومة منضبطة وفاعلة ومتكيفة مع المستحدثات الاجتماعية والدولية والعلمية وغيرها كلما زادت مرونتها وجودة مخرجاتها.

عانى التعليم في العقد الأخير من بروز ظاهرة سلبية للغاية تمركزت في ضعف انضباطية الحضور والانصراف للطلاب والطالبات في شتى المراحل وصل الى ان الطلاب في الفصل الواحد لا يمكنهم معرفة أسماء بعضهم ولا حتى التعرف على وجوه بعض .

هذه الظاهرة هددت بفشل مخرجات التعليم وضعف التحصيل الدراسي الذي اصبح واضحا وجليا في الاختبارات والمحكات التي تنفذها وزارة التعليم بشكل دوري في مدارس التعليم العام .

ورغم بروز هذه الظاهرة الا ان التعاميم والضغوطات التي تمارسها الوزارة على المدارس من خلال إدارات التعليم لم يفلح ابدا في كبح جماح هذه الظاهرة واصبح الطلاب واولياء امورهم يعلنون التحدي للوزارة من خلال تعمد الغياب في فترات معينة من العام الدراسي لاسيما شهر رمضان المبارك .

ربما الاجازات القصيرة التي ابتدعتها الوزارة بشكل غير مدروس أسهمت في تعزيز هذه الظاهرة الا ان تقويم هذا العام عالج الكثير من تلك الاجازات غير المبررة .

الأخطر من ذلك هي ظاهرة غياب المعلمين والمعلمات الذي يجدون من عدم حضور الطلاب مبررا لهم للغياب المتعمد بعذر او بدونه ما جعل مدارسنا فارغة في بعض الفترات من العام الدراسي لاسيما في بعض المواسم ( الربيع والصيد ) الا ان فرض الوزارة تطبيق البصمة والحضور الالكتروني سيحد بشكل ملحوظ من هذه الظاهرة رغم استياء الكثير من المعلمين والمعلمات لهذه الخطوة الا ان الظرف يستدعي ذلك فليس مقبولا ابدا ان يتغيب المعلمون والمعلمات قبل أبنائهم الطلاب .

تطبيق البصمة جهد جدا مميز ومرهق للوزارة الا ان نتائجه ستكون رائعة وأتمنى ان تقوم الوزارة بوضع مرونة في بقاء المعلمين في مدارسهم لا سيما وانهم مرتبطين بأبنائهم في مدارس أخرى وكذلك المعلمات الأمهات لديهن فائض من الوقت يجعلهن حبيسات المدارس ما يحرم البيوت من جهد تلك الأمهات فأتمنى ان يكون هناك مرونة وساعات استئذان ذات نطاق مناسب يخدم ظروف هؤلاء المعلمون والمعلمات وعدم مقارنتهم بموظفي القطاعات الأخرى الذين لديهم ساعات مرنة في الدوام بالإمكان ان يعوضوا من خلالها عن تأخرهم ان وجد بساعات إضافية الا ان هذا لا يمكن تحقيقه في منظومة المدارس لارتباطها بمواعيد حصص ثابته وأيضا لا يمكننا ان ننسى ان المعلمين يداومون في مدارسهم قبل دوام القطاعات الأخرى بساعه او ساعتين وهذا التبكير مرهق للمعلمين والمعلمات الا انه لابد منه حتى يتمكن الموظفون والموظفات من احضار أبنائهم للمدارس .

التحدي الأكبر والأخطر هو كيف نجعل الطلاب والطالبات يحرصون على الانضباط المدرسي ؟؟

لا اعتقد ان منع المعلمين والمعلمات من الخروج من مدارسهم اثناء اليوم الدراسي اثناء فراغات الحصص المتاحة لهم في جداولهم المدرسية واحتجازهم قسرا الا من خلال ساعات استئذان سيتم استهلاكها بسرعه سيفيد في ضبط حضور الطلاب .

لابد ان تفكر الوزارة بحلول افضل فبيئة بعض المدارس غير جاذبة ومرهقه للطلاب لاسيما المدارس المستأجرة والمباني القديمة التي أنشئت بمواصفات لا ترتقي لمستحدثات التعليم الحالية والمستقبلية .

قضيت 34 عاما في التعليم عشت فيها الكثير من التجارب الوزارية من مبادرات وأفكار ومشاريع ومستهدفات استهلكت طاقة المدارس دون نتائج مرجوة بل كانت مجرد جهود تعبر عن قناعات بعض مسؤولي الوزارة سابقا لم يكن للمعلم دورا في اعتمادها او المشاركة في صياغتها ما جعلها تذهب ادراج الرياح وجهود ضائعة واموال مهدره واعتقد ان الوزارة لن تكرر ذلك .

اعتقد جازما ان الوزارة في جهودها الحالية من خلال ضم المدارس وتقليل المدارس المستأجرة والمعايير العالية التي يتم من خلالها تنفيذ المباني المدرسية ستنجح في خلق بيئات مدرسية رائعة الا ان ذلك يحتاج الى وقت وتفهم من قبل المعلمين والمعلمات لهذه الجهود .

أتمنى ان توجد الوزارة اوقاف تعليمية تفتح نافذه لأهل الخير ومحبي التعليم ان يسهموا في بناء المدارس والمعاهد والمراكز وفق ضوابط تحددها الوزارة .

اعيد وأكرر سؤالي السابق كيف نجعل الطالب والطالبة يحرصان على الحضور اليومي لمدارسهم دون تهديد ووعيد وخصم درجات وطرد من المدرسة او الحرمان من الانتقال للفصول الأعلى .

ان التهديد والوعيد الذي نسمعه في وسائل الاعلام والمنسوب للوزارة يتعارض مع توجيهات الوزارة وتحذيراتها التي توجهها للمعلمين والمعلمات من عدم ممارسته في الفصول الدراسية مهما كانت المبررات فكيف تسمح الوزارة لنفسها بتهديد اطفالها بمدارس التعليم العام بالحرمان والفصل وغيرها من تلك السلسلة من التهديدات التي اعتقد انها تتعارض أيضا مع حقوق الطفل مع الإحاطة ان الطفل في المفهوم الدولي ومفهوم منظمة الصحة العالمية هو من لم يتجاوز عمره ال18 عاما فلذلك أتمنى من الوزارة التفكير الحقيقي بحلول ارقى واجمل والطف للطلاب واولياء امورهم .

هيئة تقويم التعليم منظومة مساندة للتعليم وخطوة لتلمس مكامن الخلل والتحديات في المدارس او إدارات التعليم وتوسع الوزارة في تطبيق جولات متكررة هي خطوة ستسهم في دفع التعليم نحو المسارات المطلوبة لتحقيق رسالة واهداف التعليم في المملكة وفق ممارسات صحيحة وابداعية.