في عالمنا المليء بالضجيج والصراعات الداخلية، يظل الإنسان يبحث عن مكان للطمأنينة، عن صمت يمكن أن يسكن قلبه بعد طول اضطراب. هنا، يطل علينا مفهوم الإصطلاح مع الله، ليس كمجرد فكرة دينية، بل كرحلة عميقة نحو السكينة، نحو التفاهم مع الذات قبل العالم.
الإصطلاح مع الله يعني أن ينهي الإنسان صراعه مع الحقيقة التي لا تقهر، أن يرضى بما كتبه الله، ويقبل حكمته في تفاصيل حياته، سواء كانت بسيطة كهمسة نسيم على وجهه، أو شديدة كالعاصفة التي تعصف بروحه. هذا الإصطلاح ليس استسلامًا، بل هو قوة ناعمة تُحرّر النفس من أسر الغضب، والخوف، والقلق.
عندما يطمئن الإنسان إلى أن الله هو العدل المطلق، والرحمة الواسعة، يتوقف عن محاربة القدر، ويتعلم أن يرى في كل محنة منحة، وفي كل فشل فرصة للنمو. يصبح قلبه مرآة صافية تعكس الصفاء الإلهي، لا يعتليه الغضب تجاه الآخرين، ولا يثقل بالهموم التي لا طاقة له بحملها. الإصطلاح مع الله هو حرية من القيود الداخلية، هو السلام الذي لا يُقدّر بثمن، وهو الأمان الذي لا يُوجد إلا في حضن الحق.
الذين يصلون إلى هذه المرحلة، يرون الحياة بمنظار آخر. الأخطاء تصبح الصفوة من المعلمين، والأوجاع تتحول إلى مدارس للحكمة، والليالي الحالكة تحمل وعد الفجر. وعندها، لا يكون الإنسان وحيدًا في معاناته، بل رفيقًا مع الله في كل خطوة، متيقنًا أن كل شيء يسير وفق حكمة لا تُدركها العقول، ولكنها تُطمئن القلوب.
الإصطلاح مع الله ليس لحظة عابرة، بل عملية مستمرة، رحلة يومية من التسامح مع الذات، والتصالح مع الواقع، والتواصل العميق مع الخالق. ومن يختبر هذا الإصطلاح يجد نفسه قادرًا على مواجهة أي عاصفة، بهدوء يشبه البحر العميق الذي لا تهزه أي موجه، وطمأنينة تشع من قلبه إلى من حوله.
في النهاية، الإصطلاح مع الله هو المفتاح الذهبي للسلام الداخلي، هو القوة الهادئة التي تحول الخوف إلى يقين، والحزن إلى رضا، والضعف إلى توكل. من يصالح قلبه مع الله، يصالح حياته بأكملها، ويكتشف أن أرقى درجات السعادة ليست في امتلاك الأشياء، بل في امتلاك السلام مع الأسمى.