إن العلاقات السعودية-الأميركية، بلا شك، هي علاقات استراتيجية بين البلدين، منذ أن وضع لبناتها الأولى الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، خلال لقائه مع الرئيس الأميركي روزفلت على ظهر الطراد الحربي كوينسي Queen Sea عام 1945 في البحيرات المرة.
سبقه إرسال الملك عبدالعزيز ابنيه الأميرين فيصل وخالد إلى واشنطن؛ لمقابلة الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1943، بعد أن اعتذر عن عدم تلبية دعوة زيارة واشنطن؛ رغبة من الإدارة الأميركية في كسب موافقة السعودية لعبور الطائرات العسكرية الأميركية أجواءها بين الهند ومصر وإيران، واستعمال مطار الظهران، إضافة إلى دعم شركاتها النفطية التي اكتشفت النفط في السعودية قبل ذلك، وهو ما جعل وجود عدد من الخبراء والمستشارين الأميركيين في السعودية أمراً يستوجب تعزيز العلاقات مع هذه الدولة الفتية، والتي أصبحت أكبر مملكة في وسط الجزيرة العربية، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تخرج من العزلة السياسية التي فرضتها على نفسها، وبدأت تبحث لنفسها عن دور فيما وراء البحار، ولاسيما بعد أن أسهمت في قيادة العالم للتخلص من النازية في الحرب العالمية الثانية، وحلولها محل الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية في منطقة الشرق الأوسط.
لقد قامت العلاقات السعودية-الأميركية منذ نشأتها وتطورها في نهاية أربعينات القرن الماضي على مرتكزات عدة، منها السياسية والاقتصادية والتنمية، فالولايات المتحدة أدركت منذ ذلك الوقت الأهمية التي ستتمتع بها المملكة، ومدى الثقل المستقبلي لهذه الدولة في العالمين العربي والإسلامي، وحتى الدولي، سواءً أكان سياسياً أم روحياً أم اقتصادياً، وهو ما جعلها تطور علاقاتها معها وتصبح الدولتان أنموذجاً للصداقة والعلاقات المتطورة والمستقرة، المبنية على الاحترام المتبادل والثقة وتنمية المصالح المشتركة والحفاظ عليها، فخلال ما يقارب الـ70 عاماً استطاعتا أن تحافظا وتطورا علاقاتهما إلى درجة قريبة جداً من التحالف، لتشمل التبادل التجاري، والذي زادت نسبته بين البلدين خلال الأعوام العشرة الماضية 300 في المئة، فوصل إلى حوالى 70.8 بليون دولار أميركي في 2013، وفقاً لمكتب الإحصاء الأميركي، كما بلغ حجم الاستثمار من الشركات الأميركية في السعودية، أكثر من 30 بليوناً، منها 20 بليون دولار في شراكة تجمع بين أرامكو السعودية وداو الأميركية، كذلك مجمع الألمنيوم ألكوا-معادن الذي يقف على 10.8 بليون دولار أميركي. كما أن التبادل الثقافي بين البلدين وصل إلى درجة عالية جداً، فهناك أكثر من 80 ألف طالب يدرسون في الجامعات الأميركية، ناهيك عن العلاقات العسكرية والسياسية المتطورة بين البلدين.
لكن، هناك نقاط تباين في العلاقات بين واشنطن والرياض في بعض الملفات، فالقضية الفلسطينية كانت -ولا تزال- محل تباين وخلاف بين الإدارات الأميركية المتعاقبة والسعودية، فالسعودية تطالب أميركا بأن تكون لاعباً فاعلاً وضاغطاً على الكيان الصهيوني، وهي تختلف مع واشنطن في معالجتها للقضية الفلسطينية، كذلك المعالجة الأميركية للوضع في العراق بعد احتلاله وتسليمه لإيران عن طريق حلفائها في المعارضة العراقية، كانت محل خلاف وتباين بين الدولتين، ناهيك عن الموقف الأميركي الضبابي تجاه الأزمة السورية وليبيا ومصر، وغيرها من المناطق العربية والشرق أوسطية الأخرى، فالسعودية بدأت تقلق من التوجهات الأميركية تجاه المنطقة، منذ انسحابها من العراق، ولاسيما بعد دخول الإدارة الأميركية في حوار مباشر مع إيران من خلال مفاوضات الملف النووي الإيراني، والذي أظهر ليونة أميركية تجاه التوجهات الإيرانية، ابتداءً من تدخلها في العراق وسورية ولبنان، وانتهاءً بالاتفاق النووي الذي تحاول إدارة أوباما إنهاءه معها بأسرع وقت.
إن السعودية ودول مجلس التعاون الأخرى، تبحث في قمة «كامب ديفيد» عن إعادة الثقة بالولايات المتحدة، وإثبات حسن النوايا وعن تطمينات أميركية، ولاسيما بعلاقاتها ومحادثاتها مع إيران تجاه المنطقة، فعدم حضور الملك سلمان بن عبدالعزيز طرح تساؤلات في الشارع السياسي العالمي حول إعادة الثقة وحسن النوايا الأميركية، ولاسيما ما نرى في الوقت الحاضر من نتائج للسياسات الأميركية في المنطقة العربية وخير مثال الوضع في العراق وسورية وليبيا واليمن، فعدم حضوره أقلق الإدارة الأميركية، وهو ما جعل الرئيس أوباما يتصل هاتفياً به لمناقشة العديد من القضايا التي تهم الطرفين، لذلك اتفق الزعيمان على تعزيز القدرات المشتركة مع الدول الخليجية الأخرى لمواجهة التهديدات التي تواجه المنطقة، والعمل على حل الصراعات المشتعلة في المنطقة، سواءً أكانت محلية أم إقليمية. لكن العديد من الخبراء والديبلوماسيين يقولون إن عدم حضور الملك سلمان هو إشارة واضحة على عدم ارتياح السعودية إزاء سياسة أوباما ومفاوضاته مع إيران بشأن برنامجها النووي، فهناك تباين واضح بين رؤية أوباما لإيران ما بعد الاتفاق النووي (المحتمل)، وبين السعودية ودول الخليج الأخرى، فدول الخليج تنظر إلى إيران على أنها تعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة، ولن تتغير بعد الاتفاق النووي، بل العكس ستزيد من وتيرة تدخلها، مستفيدة من رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وهو ما يساعدها على زيادة دعمها لحلفائها في لبنان وسورية والعراق واليمن، وهو ما يمس أمن الدول العربية بشكل عام، وأمن دول الخليج بشكل خاص، لذلك ستستمر في زعزعة الاستقرار في المنطقة العربية.
أعتقد بأن «قمة كامب ديفيد» سترسم ملامح خطة أمنية استراتيجية للمنطقة، بين الولايات المتحدة من جانب ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية من جانب آخر، فالإدارة الأميركية تدرك مدى أهمية العلاقات مع السعودية، ولاسيما في هذه المرحلة، فهي تتمتع بثقل سياسي واقتصادي وديني في المنطقة والعالم، والاستجابة لقلقها تجاه الاتفاق النووي مع إيران مبرر، لذلك ستشهد القمة مصارحة ومكاشفة بين الأطراف كافة، والرسائل التي أرسلتها دول الخليج إلى الإدارة الأميركية واضحة ولا تحتمل اللبس، وهو ما يجعل الإدارة في وضع يلزمها؛ لاتخاذ إجراء يطمئن دول الخليج تجاه الاتفاق مع إيران يبين حسن النوايا وإعادة الثقة بين الطرفين، باتخاذ إجراءات سياسية وعسكرية مشتركة.