لم اكن اعتقد يوماً وانا متسمراً امام ذلك السبعيني الذي يحدثني عن الكارثة البيئة التي ستجلبها لنا وعد الشمال بأن كلامه سينطبق نسبياً هذه الأيام على مجريات العمل في هذه المدينة التي يعتبر عدد من مصانعها البتروكيماوية محظور اصلاً في الدول الأوربية .
كنت اجادل في الحديث مع هذا الحكيم بأحلام المواطن البسيط الذي يحاكي هذه المشاريع بأنها تنموية اقتصادية تدريبية تطويرية للشباب والمجتمع المحلي ولكن يبدو انني كنت قد احلم طيلة هذه السنوات ليصطدم هذا الحلم مع اول اتصال من الشاب "عليّان" والذي ذهبت معه في جولة يحكي لي من خلالها كيف تم رفضه مع ٢٠٠ شاب من زملائه في وظائف وعد الشمال واصبحوا معلقين على آمال هذه المدينة وفي ابتزاز رخيص للدخول في دوامة السعودة الوهمية .
كنت اعتقد ان هذه المدينة وضعت من اجلنا ولازلت ، ولكن حينما ارى هذا العدد الهائل من الأجانب بوظائف ادارية وفنية مرموقة ورواتب فلكية وارى "عليّان" يبحث عن وظيفة متدنية وراتب لا يتجاوز الحد الأدنى للحياة البسيطة الكريمة تتراجع نسبة اعتقادي بأن وعد الشمال هي بالفعل وعداً للشمال .
استرجعت ذكرياتي وانا اشاهد رئيس شركة موزاييك الشريك الثاني في مدينة وعد الشمال السير جيم بروكوبانكو يتم استقباله بحفاوة نادرة لم اشاهدها من قبل كيف لا وهي الشركة الأمريكية البريطانية والتي تعتبر خامس اكبر شركة في امريكا ذات الخمسين الف موظف في جميع عواصم العالم بمتوسط رواتب يبلغ 30 الف دولار شهرياً .
راجعت نفسي وقلت "لا تكن معقداً" فالتنمية بلا شك قادمة لطريف ولكن على الفور ارتطم هذا الإعتقاد ايضاً بشركة "بكتل" الأمريكية الأخرى والتي تعتبر من كبريات الشركات في العالم وهي المشرفة على بناء مدينة وعد الشمال وهي شركة امريكية عملاقة تبني مشاريع ضخمة على مستوى العالم كسد النهضة في اثيوبيا ومترو الرياض ومشاريع عملاقة في اوروبا وتركيا والصين والهند وحتى اسرائيل وبمتوسط رواتب يبلغ 20 الف دولار شهرياً .
نظرت الى "عليّان" وهو يتأمل اجابتي على تساؤلاته بعيون يملؤها التفاؤل والحيرة ، انه لا يريد وظيفة مرموقة ولا راتب عالي هو يطمع ان يشاهد وعد الشمال يتحقق فيه وفي زملائه فقط .
الرغبة ملحّة عند "عليّان" والطموح عالي وأصالة الفتى الشمالي تشع من عينيه ولكن يبدو ان لا رغبة للشركات العملاقة بتطوير "عليّان" ورفاقه بل دعم خزائنها وصرف مرتباتها الضخمة لذوي العيون الخضراء والزرقاء فهم احق من اصحاب الأرض بما ينبع من خيراتها واحق ايضاً بالتطوير والتدريب ومن ثم المناصب والقيادة لهذه المدينة الإقتصادية الضخمة .
شركة كندية وشركة كورية وشركات صينية وسويدية واوربية وحتى الاسبانية كل هذه الشركات قد توافدت على منطقة "ام وعال" الرعوية لإنشاء ومن ثم تشغيل وعد الشمال والتي كان والد "عليّان" يمتلك فيها حوشاً للاغنام هو مصدر رزقه قبل ان تصرفه هذه الشركات عن ارضه ومكانه ومصدر رزقه وتستخسر على ابنه التطوير والتدريب ومن ثم التوظيف والقيادة لهذه المدينة .
هناك يقف "عليّان" والرجل السبعيني ينظرون بجانب اغنامهم للمعدات العملاقة وهي تحتل مكان شبك اغنامهم وخيمتهم الصغيرة التي مازالت اطنابها مغروسة بجانب "ام وعال" ورفضت الخروج معهم بل وعجزت المعدات العملاقة من انتزاعها كما انتزعتهم .
اغرورقت عينا الرجل السبعيني وهو يشاهد هذا المنظر وبجانبه "عليّان" يشاهد بعينه الحادة هذه التفاصيل ولكن للأسف ابتعدت عنهم اخطف نظراتي الحزينة عن نظراتهم الحالمة فأنا ما زلت استرجع احلامي بأن مدينة وعد الشمال هي بالفعل وعداً للشمال .
الى ذلك الحين دعوني اعيش مع احلامي ...
منصور جابي الرويلي
طريف - غرة 1437 هـ
11 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓