[SIZE=6]رمضان شهر الصيام ,أيام وليالي ويدخل علينا ذلك الضيف في قلب الصيف والصيام كأنه ضرب بالسيف .
رمضان ذلك الشهر الذي يعتبر من احب الشهور الى الله وعباده .
ولرمضان ذكريات كثيرة فما أجمل رمضان وما اجمل ذكرياته .
فمع لقيمات من الرطب وعبق الهيل الذي يفوح من فناجين القهوة في كل منزل "و (الفيمتو و التانج ) فهذا طابع خاص لذكريات الشهر الفضيل .
فالبعض يذكر من رمضان بذكر عباداته والبعض يقبل عليه بروحه وصلاته وطاعاته وصدقاته وزكاته .
ولصلاة "التراويح "والتهجد"طابع خاص عند كل عابد لله .
فعندما يرفع اذان العشاء تهب الهمة استعداداً لتراويح فمنا من يتنقل من مسجداً الى اخر لكي يداوي قريحته بصوت شيخ فاضل وصوت شيخ جليل رائع.
ومن الاصوات التي لا تنسى ذلك الصوت !!
ففي ليلة 23 / من رمضان من سنة 1409 هـ. اختفى ذلك الصوت عن جنبات المسجد الحرام .
وكانت تهاويل ذلك الجمال تتجلى في تلك اللحظات التي تسبق الركوع بآية أو آيتين، حين يهيؤ الشيخُ مَنْ وراءه لنقلة, هي كالبرزخ بين عالمين ، أتذكرونها ؟
إنها تلك الأجزاء من الثانية التي تستلُّكَ من عالم المادة في حالة أشبه بالنعاس كالأمَنَة من ألطاف الرحمن ، أو كمرتحل على خوافق طير خضر نحو السماء ، بعيداً بعيداً عن دنس النفوس ووطأة الأرض ، ورياء القلوب وزيفها وجمع المال وحذوها.
في تلك الفجوة بين عالمي المادة والحس كانت تتبدى عبقريته.
فبين رائحة "الزعفران و الهيل " ورائحة القهوة العربية"والمسك والعنبر والعود (والكمبودي) وبين صوت المذياع وصوت التلفاز يتجلجل ذلك الصوت الاسطوري الذي يكتمل رونقه بجمال اكتمال جهورية الصوت وكانت إمامته ليالي رمضان سنواتٍ ثمانيَ متقطعة نبعاً لا ينضب من الطمأنينة والجلال وألق السماء ، والصبا تهدهد كل من لاذ بالبيت وعانق الملتزم ، أو تسمر أمام التلفاز أو أصاغ بسمعه إلى الراديو ، ولأن الصوت الحسن يزيد القرآن حُسْناً ، فقد كان ليلتها ضرباً من البهاء لا يتكرر. لقد كان جوهرة أتت إلى هذا العالم ثم مضت ، فلا مثال على منوالها ، ولا حنجرة تدانيها.
كلما وجه الى القبلة وأستقبلها واستقبل الكعبة المشرفة عشاءٍ وتراويحٍ أصغت الدنيا اذنيها لصوت الأمين ، فارشة روحها على أجنحته من آية إلى آية ومن سماء إلى سماء ، تاركاً لعيوننا رقرقة عصيّ الخشوع ولأرواحنا تقليب مدفون الأشجان ، يعرج بنا في مثاني البيان ونفحات رمضان.
اتدري من هو أنهُ "علي جابر"
لقد اختفى ذالك الصوت قرابت 16 عام عن منابر المسجد الحرام .
وفي يوم 13 من ذي القعدة سنة 1426 هـ اعلنت وكالات الصحف السعودية رحيل الشيخ الدكتور "علي جابر " (الى جوار ربه الى جنات النعيم بأذن الله)
صوت بين الأرض و السماء ، يقرأ لكل سامع وحده ، مطمئنا واثقا ما كأنه يؤم مئات الآلاف وأسماع الملايين ، ندي النبرات كضوء قمر يفيض على وادي حرير أبيض لا نهاية له.
لعل من ينضر الى هذه الكلمات يقول اني قد بالغت أو أخذت نوعاً من "البذخ "فيما قلت ولكن كيف ابذخ وقد اهتدى عشرات الشباب على صوت ذالك الشيخ.
وتبلغ الرواية ذروتها وكمالها حينما يصدح "رحمه الله " بآية سورة (يس) ناعياً ظلم العباد لأنفسهم موقظاً القلوب كطرقات القَدَر او كاهتزاز الاِرض ) بقوله تعالى &يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون&
لقد ترك الشيخ د . "علي جابر" يرحمه الله فراغا كبيرا لم ولن يسد بسهولة .. يقول هذا من أدرك تلك الليالي الخالدة التي لا تنسى في الحرم المكي .. لقد كان مدرسة مستقلة.
محمد العدوان.[/SIZE]