إن من طبيعة البشر الإختلاف وتعارض الأفكار ، ولكل فريق حججه التي يقتنع بها في وجهة نظره وفكره الذي يعتنقه وبنفس الوقت هو يناقض تماماً أو يخالف في جزئيات أشخاصاً أو مجتمعات أخرى .
إن من نعم الله علينا أن خلقنا مسلمين ، مسالمين له متبعين لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، خير البشر ديناً وخلقاً ومعاملة ، فحين أنزل الله تعالى عليه قوله : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي) ، نفذ التعليم الإلهي بنفسه في المدينة ، وكذلك أمر بها أصحابه الذين ولاهم شيئاً من المسؤولية لتطبيق نفس التعاليم الربانية التي تكفل استدامة الحياة الرائعة للجميع ، تلك التعاليم التي تفرض على المخالف لنا ولديننا احترامنا فرضاً وبالأخص عندما يُعايش هذه السماحة في المعاملة .
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتَهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرَدُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائمَ أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجابٌ))؛ متفق عليه
لم ينطق عليه السلام عن الهوى ، بل هو وحي إلهي أخبر به معاذاً بوجوب الدعوة الى الله تعالى وأن ذلك أهم وأوجب الاعمال ، ولكنه بالمقابل نبهه الى أن هناك احتمالية رفض ذلك ( فإن هم أطاعوا) ، فيفهم كل ذي علم ان اختلاف أهل اليمن مع معاذ وارد ولكن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأمره بقتل أو قتال المخالف ، بل قال في الأخير : (واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجابٌ) ، ولم يقل المظلوم المسلم فقط ، بل يشمل ذلك كل من ستخالطهم يا معاذ ، فكن على حذر من الظلم .
إن أعظم مصائب المجتمعات عموماً هو العداء الفكري الذي تسبب بكوارث عالمية كبيرة ، مع أن الدين السماوي والتعاليم الإلهية بريئة من ذلك حتى في التعاليم الوضعية المنسوبة للمولى جل جلاله .
يصر بعض معتنقي الأفكار المتطرفة البعيدة عن سماحة ديننا على فرض و(تصدير الثورة) وذلك الفكر لأكبر بقعة جغرافية ممكنة حتى ولو تطلب ذلك الصعود على جماجم المخالفين بمختلف انتماءاتهم ، ومع الوقت اتضحت مآربهم التي تخالف ما يُنظِّرون إليه كثيراً ، فحب السلطة والمال هو المحرك الحقيقي لهم ، وليس الدين أو تعاليمه ، والتحافهم بعباءة الدين ماهو إلا العمل السحري الذي يبقون فيه أتباعهم تحت السيطرة ورهن الإشارة في تنفيذ الأمر والله المستعان .