ما تزال مجموعات الواتس أو مايسمى بالقروبات هي إحدى وسائل التواصل الإجتماعي المهمة والمثيرة للجدل بين أبناء المجتمع لأسباب عديدة فالبعض يراها نعمة لأنه يجعل الناس على تواصل مستمر مع بعضهم حتى لو كان هذا التواصل افتراضيا وليس حقيقيًا ، وهناك من يراه نقمة ولعنة وذلك للسلبيات الكثيرة التي يتسبب بها ، وقد اكون اكثر من كتب وحذر من وجود نوعيات من القروبات السيئة وخصوصا تلك التي تكون غير منضبطة، أو غير أخلاقية أو غير محددة عدد المشتركين أو قرويات غير ملتزمة بالأهداف التي أنشئت من أجلها،حيث تحول بعضها لمعول هدم ،ولمكان للقيل والقال،ونشر الشائعات ،وتبادل الشتائم والإهانات ،والفهم الخاطيء والإسقاط على الاخرين ،ونشر المعلومات والمواضيع المغلوطة نتيجة تواجد أعداد ضخمة من الأشخاص يزيد بعضها بالقروب الواحد عن(١٥٠)شخص أو أكثر ولايربط بين معظمهم أي رابط فكري،أو ثقافي، أو علمي أو على الأقل توافق بالسن فكل مايربطهم هو مجرد انتماء لمجموعة بشرية متفرقة تحمل اسما لعائلة، أو عشيرة،أو قبيلة يعيش أفرادها بمناطق ومدن متفرقة وربما لم يتقابلوا في حياتهم مع بعضهم قبل انضمامهم للقروب، ففي هذه القروبات يوجد الصغير، والمراهق، والشاب، والرجل والشيخ الكبير.
كما أن فيهم الأمي والمتعلم ،كما ستجد بينهم حامل الدكتوراة ، وحامل الابتدائية،وفيهم صاحب المنصب والمتقاعد وفيهم الموظف البسيط والطالب والباحث عن وظيفة والعاطل وفيهم الرصين والحكيم والمتابع الصامت، والمشارك بموضوعات دون تعليق، كما ان فيهم ايضا المنفلت، وسليط اللسان، والمتربص، والمهابط ،والباحث عن الأخطاء، والمتعصب والمتنمر والمتشدد والسفيه والطيب ،وحلال المشاكل والمغسول وجهه بالمرق .
ومن البديهي في بداية الأمر أن يتحمس الكل للمشاركة في مثل هذه القروبات خصوصا عندما يتم تأسيسها تحت شعارات رائعة وبراقة وجميلة كصلة الرحم،او متابعة اخبار العائلة او مشاركتهم بالأفراح والأتراح ،ولكن وللأسف سرعان مايكتشف الجميع العكس وذلك نتيجة وجود هذه الأعداد غير المحدودة من البشر ولصعوبة سيطرة مدير القروب على هذا الحشد او خجله منهم حيث يحدث الكثير من اللغط والإساءات بالاضافة لاختلاف البيئات والوعي والثقافة بين المتواجدين مما يتسبب في مشاكل لاتحمد عقباها ،وبدلا أن تتحول هذه القروبات لمصدر خير وتعاون على البر والتقوى تتحول إلى ساحات للمعارك والمهازل والأحقاد ،حتى لايمر يوم الا وينسحب شخص أو أكثر من هذه القروبات وهو غاضب فيتم بعد تهدئة خاطره إعادته من جديد للقروب،وكأن البقاء بمثل هذه القروبات هو واجب لابد منه ،بينما يمكن لاي شخص عاقل ان يتواصل بالواتس عن طريق الخاص مع من يريد من أهل أو أصدقاء وبخصوصية كاملة وراحه ودون تدخل أو متابعة أو تنمر من بعض أفراد هذه الحشود الهائلة من البشر .
وقد يرى البعض أنه يمكن لمن يريد أن يشارك ضمن مجموعات الواتس كمجاملة لمن معه من أهل أو أقارب أن يشترك معهم دون أن يتداخل أو يبدي رأي أو يرسل أي مشاركات قد تغضب البعض ،ولكن حتى لو حدث ذلك فالمشكلة هنا ان السكوت او الصمت قد يفسر لغير مصلحة الساكت، فقد يتورط أحد المشاركين بالمجموعة بالحديث بأمور خطيرة ومخجلة قد لاتتفق مع أخلاقك،أو قناعاتك،أو رأيك فتسكت ولا تعلق لسبب انك لم تقرأ الموضوع اصلا نتيجة كثرة المواضيع المنشورة والكتابات بالقروب فيتصور جميع المشاركين بالقروب ان سكوتك هو دليل على موافقتك ورضاك حول مايقال،وقد يقوم احد المشاركين بهذا القروب بحسن نية او بسؤ نية بمناشدتك للتدخل او يبدي استغرابه من سكوتك عما يحدث،فتجد نفسك متورطا في قضية لاناقة لك فيها ولا جمل وفي وضع لا تحسد عليه أمام نفسك أو أمام الآخرين.
أما الأسوأ من كل ذلك فهو أن تجد مراهقا أو شخص لايعرفك ولاتعرفه فيتصور أن اشتراكه بالقروب يعطيه الحق بالسخرية من أي مشارك آخر سواء كان في سن والده أو حتى في سن جده،ولهذا فانني أرى شخصيا أنه من الأفضل عدم المشاركة باي مجموعة واتس لا تعرف جميع المشاركين بها،وليس بينك وبينهم اي توافق فكري او مصلحة عمل وان تكون مجموعة الواتس الوحيدة هي المقتصرة على عائلتك الصغيرة أو أهل بيتك بهدف متابعة الأبناء والأهل والاطمئنان عليهم، كما يمكن إعداد قرويات صغيرة ومحدود جدا ومؤقته لمصلحة محددة ،أو مجموعة تضم من ترتاح لهم ويرتاحون لك من زملاء المهنة أو الدراسة، أما القروبات التي تضم المئات من الأشخاص وتحت شعارات كاذبة وبراقة فلا مبرر ولا معنى لوجودها بدليل أن الكثير من المشاركات لا يمكن متابعتها لكثرة المشاركين وعدم التمكن من قراءة كل ما يكتب أو يتم إرساله .
ومع تقديري وحبي واحترامي وتعاطفي مع عشاق القروبات المزدحمة والباحثين عن تتبع اخبار الناس خلال ٢٤ ساعه باليوم والذين منحهم الله الصحة والعافية ولا يعانون من الأمراض المزمنة كالضغط والسكري والقلب ولديهم صدور واسعة ويعشقون تتبع اخبار الغير فإنني ومن وجهة نظر شخصية ارى ان القروبات تحولت بالفعل لمعول هدم ومجال لهواة النسخ واللصق ونشر الموضوعات التافهة والمشوهة او القديمة او المضللة والتي تساهم في زيادة التخلف ولا تنشر الوعي خصوصا عندما يصل الأمر ان يرسل احدهم بالخطأ صور او مواضيع خاصة للقروب فيقع في حرج ومشاكل هو في غنى عنها امام هذا الحشد الكبير من البشر .
ولعل الأمر الجميل والإيجابي في ظني لكل من تورط في الدخول بنفسه أو بدون علمه بأحد القروبات المئوية العائلية أو تويتر او غيرها من وسائل التواصل ،ويريد أن يخرج باقل الخسائر والأضرار الممكنه فعليه ان يمتلك الإرادة والشجاعة ويسارع بالضغط على زر الخروج من هذا الوكر المسمى بقروب الواتس وعدم التفكير بردة فعل من يرضى او يغضب منك لهذا التصرف ، لأن إرضاء الناس غاية لاتدرك ،فالداخل لهذه القروبات مفقود، والخارج منها مولود .
فيا أيها العقلاء اذا كان الله قد اكرمكم وأغناكم وأبعدكم عن التعامل المباشر مع بعض النماذج المحبطة والسيئة من البشر والتي لاتتوافق مع أخلاقكم ،او افكاركم ،او نهج حياتكم ،فلماذا تتورطون وتذهبون بأنفسكم بحثا عن المشاكل في هذه القروبات الافتراضية الضخمة والتي هي اشبه بسوق الحراج حيث تزيد من معاناتكم وأمراضكم وهمومكم ،ومشاكلكم ،فلا احد يتحمل احيانا التصرفات البسيطة لأبنائه داخل البيت، فكيف سيتحمل سلوكيات وتصرفات اكثر من (١٥٠) شخص ويتابعهم ويرد عليهم ويتحمل نزواتهم؟
وفي الختام فإنني أحمد الله أن العديد من الزملاء ممن اختلفوا معي حول هذا الموقف من القروبات الكبيرة اصبحوا متفقين معي تماما بعد أن جربوا الاشتراك في مثل تلك القروبات ورأى بعضهم بنفسه الكثير من المواقف السلبية والمؤسفة التي أوقعت أصحابها بمشاكل كانوا في غنى عنها وابسطها خسارة علاقة الاحترام المتبادلة بين الكثير من الأهل والمعارف والأصدقاء،وبدلا أن يكون القروب مكان لجمع العائلة والمشاركة بمناسباتهم يتحول لمكان لاثارة الفتنة وزيادة الفرقة والتشرذم بين ابناء القبيلة ،أو العشيرة او العائلة الواحدة.
د. فهد سحلي الخناني
1 ping