صلة الرحم ..... ما أروعها من عبارة تحمل كل معاني الإنسانية والرحمة والإحســان، حثنا الإسلام على وصل أرحامنا، وأمرنا بها الله تعالى في كتابه العزيز فقال تعالى " وَأُولُو الأَرحـــامِ بَعضُهُم أَولى بِبَعضٍ في كِتابِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ " آية 75 سورة الأنفال.
فصلة الرحم تعني الإحسان إلى الأقربين بفعل الخير لهم ودفع الشر عنهم، فبها تزيد البركة في الرزق والوقت والعمل والصحة والعمر، وتعد الجســـر المتين الذي يغرس الإنسانية في نفوس من يتحلون بصلة الأرحام، فترفع عنهم مكـــائد الحياة وعقبـــات الأيام فتحيا نفوســــهم راضية مطمئنة سعيدة.
وبهذا الوصل ... أليس يكفي أن الله يصل من وصــلها ويقطـع من قطعها ؟! فعلى أي منزلة تـقف أنت الآن أمام الله ؟ موصول بسبب وصلها أم مقطوع بسبب قطعهـــــا ؟ يقــــول النبي صلى الله عليه وسلم " مَن أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ".
فصلة الرحم تعني البر والإحسان، وكلمة الرحم تعني ما يحمله رحم الأم كموضع لاستقرار الجنين والمعنى يوضح مدى القرابة والتلازم بين الجنين وأمه، وبذلك فإن صلة الأرحام تبدأ بالأقارب من الأب والأم وإن بعدوا، فكلما زادت القرابة اشتدت ووجبت الصلة، وتكون صلة الأرحام ببر الأرحام والتواصل معهم، ومشاركتهم الأفراح والأحـــــزان وأوقات اليسر والعسر.
ولا تقتصر صلة الرحم والبر بالأم في محياها فقط فهناك من يصل رحم أمه حتى بعد موتها، كأن يواصل الدعاء لها أو الصدقة، فهذا يدل على أن الرحم موصول حتى بعد الموت، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه سلم :- " نمت فرأيتنى فى الجنة ، فسمعت صوت قارئ يقرأ ، فقلت من هذا ؟ قالوا : هذا حارثة بن النعمان . فقال لها رســـول الله - صلى الله عليه وسلم :- كذاك البر ، كذاك البر ، وكان أبر الناس بأمه ".
ولما نتعجب فهذا ديننا وهذه وصية نبينا صلى الله عليه وسلم لنا بأن نصل أرحامـــنا، فما بالكم بدرجــة الــرحم الأولى التي تتمثل في الأب والأم فقد جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقال جِئتُ أُبَــايِعُك علَى الهِجـــرةِ وتركتُ أبويَّ يبكِيانِ فقــال : " ارجِع إليهِما فأضْحِكْهُما كما أبكيْتَهُما ".
فهل نقف مع أنفسنا وقفة بعد تدبرنا ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل، و يا أسفا على ما نراه الآن، فمنا مــــن يقطع رحمه ومنا من يهجر والديه ومنا من يجعل الميراث والمال حاجزا مدى الحياة أمام أخواته وإخوانه، فهل نرجع ونتذكر صلة الأرحام ؟ وهل ترق القلوب وتتراحم فيما بينها كما أمرنا ربنا عز وجل ؟
فعلينا جميعا أن ندرك أهمية وصل الأرحام وأن نتمسك به فهو أفضل ما يتقــرب بها العبد إلى الله من الأعمال، كما أن صلة الرحم من الأعمال التي تكون سببا في كثرة النعم ودفع البلاء والنقم وإكرام الفرد بحســن الخاتمــة، وهي وســـيلة لزيادة الود والتراحم والتآخي بين الأفراد والأسرة والعائلة ثم وصولا بالمجتمع ككل .
فلا تبخلوا على أنفسكم وعلى أرحامكم بالزيارات بحجة ما يسمى بالتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فشاركوهم مناسباتهم وردوا الأذى عنهم وتفقدوا أحوالهم وعاونوا فقيرهم ومريضهم ولا تعاندوا أنفسكم وتكابروا في الإصرار على الخصــــومات، ولو رأيتم متخاصمين فكونوا عونا للإصلاح ذات بينهم فلا تتركوا التخاصم والبعد يأكل في عقولنا ويوســوس لها كمـــا تأكـــل الأرض الأجساد يوم لا عودة ولا مفر إلا دعاء أهل الرحم لك .