تلك الإنجازات وهذا التميز الذي أضحى عليه وطننا اليوم لم يُشيّد بين ليلة وضحاها، بل هو نتاج لتاريخ طويل ومسافات مجهدة من الصبر والتحدي ومغالبة الظروف، لقد أتينا من بعيد، عبر أجداد وملوك عظام عرفوا جيدًا كيف يلملموا الفرقة ويوحدوا الصف ويسيروا بهذا الوطن المبارك نحو ما يستحقه من ازدهار وخير عميم.
حق لهذا الوطن أن يحتفل بيومه الوطني، وأن يعود أدراجه إلى مساحات من الفخر والاعتزاز بهذا اليوم الخالد في وجداننا، يوم الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1932، الذي توج فيه الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -يرحمه الله- مسيرته الطويلة وجهده المضني على طريق إحياء المملكة العربية السعودية، وترسيخ الوحدة، حين سرى إعلانه الخالد بتوحيد البلاد وجمعها تحت راية واحدة ومسمى جديد هو "المملكة العربية السعودية".
إننا ها هنا ضمن يوم نجدد فيه عهد الولاء والانتماء والحب والشغف لهذا الوطن العظيم، الذي يجمعنا ويربت على أرواحنا، ذلك الوطن الحنون الذي نفخر به ونزهو بإنجازاته، وندعم خطواته المباركة نحو ذاك المستقبل المبهر الذي رسمه لنا ودفع في اتجاه ترجمته واقعًا، سيدي سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، عبر رؤيته الطموحة 2030، كل هذا في ظلال من قيادة رشيدة لمليكنا سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله.
كما جمع الملك المؤسس شتات هذه الأمة وبث فيها روحًا جديدة من العمل والجهد فانبجست له الأرض مُخِرجة خيرها وكنوزها، ها هو ولي العهد يجمع شتات جهدنا ويبلوره ضمن رؤية خلاقة وطموحة، رؤية كُتِب فيها كل حرف بدقة وعناية، لتضمن لهذا الوطن الغالي فصلًا تاريخيًا جديدًا من الازدهار والتماسك، لا على أساس مورد غالٍ وعزيز حبانا الله به؛ ألا وهو النفط، وإنما على أساس آخر أمتن وأفسح وأكثر واقعية، يراعي المستقبل ويوازن بين المجالات، وينوع من الاستثمارات وقطاعات العمل كي نكون أوثق خطى وأكثر قدرة على مواجهة مستجدات المستقبل وما يمكن أن يحمله من مفاجآت وتغيرات.
صارت إنجازات المملكة تغطي كافة القطاعات والمجالات، فها هو الناتج المحلي الإجمالي ينمو في الربع الثاني من 2022 بمعدل 11.8 عنه في نفس الفترة من العام الماضي، وها هو التحول الاقتصادي يعبر عن ذاته على أرض الواقع عبر عديد من المجالات الجديدة التي انخرطنا فيها، مثل مجال تصنيع السيارات الكهربائية وغيرها، وها هي المشاريع المستقبلية المذهلة تخطو خطواتها الجادة نحو التجسد والتحقق، وربما المثال الأكثر تعبيرًا عن هذا السياق هو مدينة "ذا لاين" المبهرة والمنتظرة، والتي ستنتقل بمعمار البشرية جمعاء إلى آفاق جديدة كليًا من الابتكار لم يشهدوا لها مثيلًا من قبل.
وها هو صندوق الاستثمارات العامة يسير نحو تحقيق مستهدفات رؤية 2030 عبر ذلك التنويع الهادف المقتنص للفرص الاستثمارية الواعدة في كافة أنحاء العالم، أما عن طاقات المجتمع السعودي فها هي تتفجر وتساير بانشراح وإبداع ما جرى في حيزها من تغييرات ونقلات نوعية، أما الأمكنة التراثية والأثرية فقد أضحت في مكانتها وقيمتها التي تستحق بعد عقود من النسيان، إنها إنجازات أكثر من أن تحصى وأضخم من أن يتسع المجال لسردها.
إن ما تحظى به مملكتنا اليوم من مكانة سامقة بين دول العالم، لم يأتِ من فراغ، وإنما تحقق عبر جهد مضنٍ وتضحيات لا نهائية فضلًا عن فكر قويم ورؤية حصيفة، تمتع بها قادتنا وملوكنا منذ التأسيس، ولم يكن لشيء من كل هذه الإنجازات التي تزدحم بها ساحتنا اليوم، أن يتحقق لولا ذلك التماسك والتكامل النوعي الفريد، والثقة الأكيدة الراسخة بين قادتنا وبيننا نحن أبناء هذا الوطن.