(( 2024 عام الإبل))
لقد أثلج صدري وصدر جميع محبي الإبل هذا الخبر الذي زفته لنا وسائل الإعلام ألا وهو موافقة مجلس الوزراء السعودي في جلسته الأخيرة برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود العام المقبل 2024 بعام "الإبل" في إطار الاحتفال بمكانتها وقيمتها الثقافية وتعزيز حضورها المحلي والدولي .
الإبل سفائن البدو ومهور الحرائر
احتلت الإبل في حياة البدو مكانة مرموقة لا يضاهيها أي كائن على وجه الارض إذا استثنينا من ذلك الخيل العربية الأصيلة ، بل إنهم في حديثهم عن مضمون المال في زمانهم فإنهم يقصدون الابل.
«دجنت الإبل وتآنست في حقبة الحجر المصقول . كالبقر والضأن والماعز ومهدها الأصلي في آسيا -الجزيرة العربية- ولم تنتقل إلى «إفريقيا» إلا فى أوائل النصرانية – القرن الأول الميلادي – وهى اليوم منتشرة في أقاليم الشرق العربي ووسط آسيا وفى فارس وتركيا وشمال إفريقيت حتى أقصى حدها الجنوبي، وهى تنسب علمياً إلى الجنس الحيواني المسمى «كاملوس».
أول ما يلفت النظر عند ذكر الإبل في القرآن الكريم مقارنة خلقها برفع السماء وما ذلك إلا دلالة على عجيب الإبداع في هذا المخلوق – الإبل – إذ هو شيء بديع في تكوينه الجسمانى ومع قوته ينقاد للصبي الصغير والشيخ الكبير ولا يمل من حمل الأثقال ولا يئن ولا يشكو كما يفعل بنو آدم ، وورد ذكر الناقة في القرآن الكريم في سبع آيات: ثلاثة منها مضافة إلى الله إضافة خلق إلى خالق تشريفاً وتخصيصاً في سورة الأعراف الآية 73 وسورة هود الآية 64 وسورة الشمس الآية 13 وثلاثة منها معرفة- بال – في صورة الأعراف الآية 77 وفى سورة الإسراء الآية 59 وفى سورة القمر الآية 27 وواحدة منكرة فى سورة الشعراء الآية 155 والمراد بها في جميع هذه الآيات ناقة صالح عليه السلام (16) .
يقول تعالى : «اَفَلا يَنْظُرُونَ إلَى الاِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَاِلَى السَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وإلَى الاَرْضِ كَيْف سُطِحَتْ» (الغاشية: 17- 20).
الآية الكريمة "أَفَلَا يَنظُرُونَ إلى الْإِبِلِ" أفلا صيغة استفهام إنكاري، وهي أفضل صور الحث على النظر، وعلى إعمال البصر، والعقل والقلب للوصول إلى ما عليه الإبل من خلق بديع وفيها دعوة للنظر إلى الإبل بما هي عليه من الخلق البديع من عظم جثتها ومزيد قوتها وبديع أوصافها، فقد خلقت جميلة جداً، فهي تبهرك حين تمشي وحين ترد الماء وحين تبرك. حين تدر الحليب وحين تسحب المتبقى منه إلى داخلها عندما يرتوي صغيرها ، حينا تجوب الديار في ظلمة الليل ولا تتوه عن مواردها البعيده ولو بعد سنين.
قال تعالى: "وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" (النحل، آية : 5 ـ 6).
هذا الكائن العجيب في كل تفاصيله حير العلماء في بديع الخالق في تكوينه وفي تأمل مجمل الآيات الكريمة التي أوردت الإبل، نتيقن أن الإبل آية من آيات إعجاز الله سبحانه في خلقه؛ ولهذا مازالت مثار دراسات علمية وطبية على أرفع المستويات الأكاديمية والعلمية التي تحاول معرفة ما في هذا المخلوق من أسرار، وعلى الرغم من كل الأبحاث العلمية التي أجريت على الإبل وتركيبها الفيزيولوجي، فما زالت أسرار كثيرة في تركيب الجمل غير معروفة، وهي بحاجة إلى مزيد من الدّراسات والأبحاث وخصوصاً حول الأجزاء الداخلية في جسمه.
وما جاء في السنه و أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حول قيمة الابل - قال رسول الله عليه الصلاة و السلام : "لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم ومهر الكريمة"، نهى نبينا الكريم سبّ الابل و إيذائها لأن لها مكانة عظيمة بين الناس، فقد كانت تُقدّم في الديات و مَهر في الزيجات.
- عن أنس رضي الله عنه من صحيح البخاري : "أن اناسا اجتووا في المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا براعيه يعني الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها فلحقوا براعيه فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت أبدانهم فقتلوا الراعي وساقوا الإبل فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في طلبهم فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم".
- قال رسول الله عليه الصلاة و السلام : "السكينة والوقار في أهل الغنم والفخر والخيلاء في أهل الإبل"، يبرز هذا الحديث النبوي قيمة الابل عند العرب، فمالكها تزيده فخرا و هيبة و من أجلها خاضوا حروبا و معارك كما ضحى الرجال بأرواحهم من أجل الحفاظ عليها و الدفاع عنها.
والإبل أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وقد قيل عن الإبل الكثير حيث إنها مصدر العطاء والخير، قال بعض من عظّم شأن الإبل: إن الله تعالى لم يخلق نعماً خيراً من الإبل، إن حملت أثقلت، وإن سارت أبعدت، وإن حلبت أروت، وإن نحرت أشبعت. ولذلك لم يترك أجدادنا العرب شيئاً من الإبل أو مما يتصل بها إلا وتمثلوا به الأمثال، وهي أمثال أنتجتها الخبرة والحنكة ومصارعة الأيام والتجارب المتنوعة التي تعرض لها أجدادنا، وتلك الأمثال نتداولها حتى يومنا هذا وهي تغنينا عن آلاف المقالات على الرغم من قلة عدد كلماتها، ونذهب إلى جولة في عالم الأمثال المرتبطة بالإبل، فهناك مثل يقول (الجمل من جوفه يجتر)، وهو يضرب لمن يأكل من كسبه، أو ينتفع بشيء يعود عليه منه ضرر.
ربما من معايشتي للابل خلال عقود تعرفت على صفات فريدة فيها قد تخفى على الكثير منها أن الخلفاء عندما يضيع صغيرها ( الحوار ) هناك اتفاق فطري بينهم أن يعود إلى مكان اخر موقع أرضعته فيه وتجده سواء كانت الأجواء غبار شديد أو ضباب و ليل شديد الظلمة وقد حدث معي في الترحال أن فقدت ناقة حوارها وعند المبيت حنت لعدم مشاهدتها له وذهبت مسافة عشر كيلوات ووجدته يدور في مكانه وحملته للمراح لأنني كنت أعرف هذه المعلومة وفي المحيل للربيع أرصد أماكن درار الخلفات على حيرانها لمثل هذا الموقف ، والقصص المشابهة لمثل هذه العجائب كثيرة ،
سبحان الله على جمال خلقه ،،
عبدالرحمن بن سعود صقر العتيبي