[SIZE=5][B][COLOR=#040404]منذ عبد الحميد الكاتب و ابن المقفع حدث تزاوج بين الكاتب و السلطة في جميع الدول المتتالية في التاريخ العربي الاسلامي . كان كاتب ديوان البلاط ينال من الحظوة ما لا يناله الوزراء و كان هو فم الخليفة و عصاه السحرية و سفيره إلى مختلف الأقطار بعباراته المنمقة المدروسة و الموجهة جيدا !.
كان خطيب مسجد الخليفة هو الناطق الاعلامي للشؤون الداخلية في البلاد بعد أن ترك الخلفاء الخطابة شيئا فشيئا و تم ترسيم الخطيب عرفيا و رسميا كمتحدث بما في صدر الخليفة !. تطورت الأمور شيئا فشيئا و صار كاتب الديوان طبقة مستقلة بذاتها من مجموعة من الكتاب و الحكماء و الشعراء و المهرجين . كانت و مازالت كل خطط الحكومة العربية مجرد خطب و بيانات ليس لها أساس مدروس على الأرض هي في ذاتها امتداد لما كان عليه الثالوث القديم " الكاتب و الخطيب والشاعر " لكنها اليوم تطورت إلى صحافة و إعلام مرئي و دار للفتوى !.
لم يكن عبدالله القصيمي مجانباً للصواب حين قال " العرب ظاهرة صوتية " فهم يتشكلون اجتماعياً منذ القدم بصوت كاتب الديوان و خطيب الخليفة وشاعر البلاط , كأطول ظاهرة شعاراتية على مر التاريخ ! . و لو تأملت الحال اليوم لوجدت أن الأمر تحول إلى عقيدة مقبولة لدى هذا الشعب العربي العجيب ! . فالمشاكل كلها يتم حلها بخطاب !. الفقر بخطاب و التنمية بخطاب و الأمن بخطاب و مكافحة الفساد بخطاب و كل خطط حكوماته ستجدها ليست إلا خطاباً في خطاب !.
تستغرب مثلا في دول الغرب حين يحدث حادث كبير أن لا تجد من يصرح بأدنى شيء لبضعة أيام و مع هذا تجد شعوبهم مطمئنة و واثقة مما يجري ثم يقف المسؤول بعدها في مؤتمر صحفي يكشف فيه نتائج التحقيق أو توصيات الدراسة !. في العالم العربي يقوم عسكري أحمق بركل مؤخرة مشجع ٍ ما فيصدر " بيان " بالتحقيق في الأمر قبل أن ينتهي الشوط الثاني من المباراة ! , يكتفي الناس بتتبع الخبر لأنه قد تم حله !! لقد القي في شأنه بيان !!!.
الأوراق التي تنفقها الدوائر الحكومية في أي بلد عربي على التعاميم و التوجيهات و المديح المتبادل و الخطب الرنانة عبر سلسلة من البيروقراطيين ليقول أعلاهم لأدانهم :" تم التمديد لك في المنصب " تكفي لبناء ميزانية حكومة موازية و في النهاية كل ما يتم تداوله ورقيا هو ذاته ألاعيب الكاتب القديمة ! , حشو اللغة و تدبيج الديباجات لغرض واحد هو إيهام الآخرين بأن كل شيء على ما يرام !!.
حين كانت الأم الفقيرة تطهو الحجارة لتوهم أطفالها الجوعى أنها تعد لهم الطعام حتى يدركهم النوم نجحت في ذلك و لكنهم كبروا فيما بعد و لم تكن تحاول الضحك عليهم بنفس الطريقة ! . المشكلة في أمة كبيرة جداً كانت منذ طفولتها الأولى تصدق " فرقعة حجارة اللغة " في قدر الخطاب السلطوي و تنتظر منها الطعام و تنام جيلاً بعد جيل في انتظار الشبع الذي لن يأتي !.
و كما قال الجواهري :
نامي جياع الشعب نامي
حرستك آلهة الطــــعام
نامي على زبد الوعود
يداف في عسل الكلام ِ !!
جميل الرويلي[/COLOR][/B]
[url]http://twitter.com/#!/yatmz[/url]
[/SIZE]
2 pings