[SIZE=5]
قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
هناك بعض المواقف التي تجبر القلم على أن يسطر ما بخلجات الصدر ، وأن ينزف حبر الوداع ، مواقف تجبر القلم على أن يرسم حروف الأسى ويترجم كلمات الحزن ، فلم يكن ذلك الرحيل عادياً ، ولم تكن تلك الرسالة التي جاءتني بالخبر عادية ، بل لم تكن تلك الليلة عادية ، فعندما تموت الشهامة فمن المؤكد لن تكون تلك الميتة عادية ، وصدقوني عندما يموت الكرم لن يكون ذلك الموت عادياً ، وانتم شهداء الله في أرضه .
طوال الفترة القليلة الماضية التي جاءت بعد رحيله لم أستطع التعبير عن الحزن الذي يعتصر قلبي لأنني فقدت إنساناً كريماً صادقاً بكل معنى الكلمة فالكثير من الناس تكون حياتهم عادية ، وكذلك ميتتهم عادية ، ولكن هناك أناس كتب الله أن تكون لهم قيمة ، وتكون لهم حشيمة ، ويكون لهم قدر ، في حياتهم وعند مماتهم ، ولكنهم قلة ، وأحسب أن يكون أبا غنام رحمه الله منهم ، فهو أجدر بالحديث ، أبو غنام رجل اجتمعت به جل الصفات ، لا أقول كل الأخلاق بل أدمثها ، ولا أقول كل المبادئ بل أنبلها ، ولا أقول كل القيم بل أنفسها ، طبت حيا وميتا .
لن استطرد بالكلام وسأقول أنني على يقين تام بأن في رحيل ذلك الكريم فقدت قبيلة عنزه هامة الكرم ، وبفقد أبا غنام فقدت قبيلة الرولة يداً من أيادي النبل ، وبموت أبو غنام فقدت الفرجة رمزاً من رموزها ، وبفقد أبا غنام فقدت المد هرشه( علم ) لا اعتقد أن تنجب الأمهات لهم مثله .
في كل ساعة بل في كل دقيقة يخف وزن الأرض بانتزاع أرواح بعض البشر، وهناك البعض من البشر وهم تحتها يثقلون وزنها، بسيرتهم العطرة، وكرمهم، وشهامتهم، ورجولتهم، وأحسب أن يكون أبا غنام واحدا منهم .
انه ذلك الرجل الشامخ صاحب القامة العالية والمقام الرفيع شجاعاً إذا أقدم كريماً إذا استضاف حاد الطباع عندما تكون الحدة مطلبا، يحلو المجلس بوجوده.واعتقد جازماً انه عندما تموت الرجال(العملة النادرة) فأن دروسهم وذكراهم لاتموت.
لقد علمنا التاريخ أن الرمز لايموت فالرمز لم يصل إلى درجة كونه رمزا إلا بالمبادئ التي يحملها فما بالكم بمن هو رمزا لمبدأ الرجولة والكرم والشهامة والصدق ،الصدق الذي تعلمناه جميعا ولكن قلة منا طبقه .
لم يكن رحمه الله شيخ علم و لاشيخ مال ولم يكن من شيوخ البشوت الحساوية الراقية التي يرتديها البعض لغرض في نفس يعقوب أو للفت الأنظار إليه , بل كان رحمه الله بعيداً كل البعد عن النفاق والدجل , أنه "شيخ الكرم" الكرم الصادق الحقيقي الذي لم يتغير مع مر السنين , كما كان رحمه الله محباً لعمل الخير ومساعدة الناس فدائم الحضور في مناسبات الآخرين أفراحا وأتراحا ،
كان مجلسه بالأمس مدرسة لمكارم الأخلاق، تُعلم كل فضيلة وتنبذ كل رذيلة، ابتداءً من التربية وانتهاءً بالمعرفة بعلوم الرجال ، ودروس الشجاعة والكرم والعفة والخلق القويم والبعد عن الدنايا والارتفاع والرفعة بالفرد عن كل نقيصة، كما يتولى غرس الخير والفضيلة في النفوس من خلال ما يمكن أن نسميه منهج الابتعاد عن العيب، وبهذا يتربى من في مجلسه على مكارم الأخلاق التي بموجبها يتماسك المجتمع وتسوده المحبة والتعاون والتفاني .
الجسم يفنى ويبقى الذكر والأثر فاعمل لأخراك ما يبقى ويُذكر
تسموا الحياة بما تأتيه من عمل جم الفوائد منه يجتني ثمر
كم مات قوم وما ماتت لهم شيم وذكرهم أبدًا يعلو وينتشر
فالكريم أيها الإخوة ليس كريم النسب والحسب فقط بل الكريم هو البذل بعينه ، فمتى استولى عندك الفقير والغني في مجلسك فأنت كريم وإلا هناك طائفة من الناس اتخذت الكرم ذريعة لمآرب دنيوية وإني أتحفظ على كلمة كرم ، فمثل هؤلاء لايعدون كرماء طالما أن الفقير إذا دق بابهم لووا أعناقهم ......
هيهات أن يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لضنين"
أعرفه شخصا طيب المعشر حسن الأخلاق ملتزم في مبدأه حتى مات رحمه الله وقد فتح بابه ليل نهار للضيوف فقيرهم وغنيهم .
ولا تنسوا أحبتي حديث الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال : (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث قيل ماهي يارسول الله؟ قال: صدقة جاريه أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له)) . واحسب نفسي واحدا من أبنائه .
اعلم أنني قصرت في واجب العزاء لعدم تواجدي بالمحافظة ولظرف عصيب يعلمه القاصي والداني ولكن عزائي الوحيد هو أنني أعرف للرجال قدرهم.
اللهم ياحنان يامنان يابديع السموات والأرض ياذا الجلال والإكرام ياحي ياقيوم اغفر ( لاباغنام ) وارحمه وعافه واعف عنه ، وكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم جازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفراناً ، اللهم أفتح أبواب السماء لروحه وأبواب رحمتك وأبواب جنتك أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم هذا عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ، ومحبوه وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر فجعله روض من رياض الجنة ، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمد عبدك ورسولك وأنت أعلم به ، اللهم يمن كتابه ، وهون حسابه ، ولين ترابه ، وألهمه حسن جوابه ، وطيب ثراه وأكرم مثواه وأجعل الجنة مستقره ومأواه .
عريف حسيان الرويلي
[email]Areef997@hotmail.com[/email][/SIZE]
8 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓