[SIZE=6]ربما لا تعلم أن الروائي المشهور باولو كويهلو كان مدمناً وحبيساً في مستشفى الأمراض العقلية لمرتين، حيث أودعه أبوه هناك، وأنه التحق بالمذهب الهيبي، وفي نهاية الأمر تعلم السحر! ولكن بعد أن تقرأ روايته الشهيرة الخيميائي التي وزع منها أكثر من مائة وخمسين مليون نسخة بمختلف اللغات ستدرك أن هذا الرجل لديه صفاء ذهني واضح لا يتناسب مع تاريخه المضطرب. قرأت مذكرات كويهلو «مذكرات مسافر حاج» ولمست كم جاهد ليتخلص من حالة التشتت الذهني التي كان يعيشها، وذكر أن ما توصل إليه كان قناعة شخصية أكثر منه أي شيء آخر. ذكر في مذكراته قصيدة تقول ترجمة بعض ما جاء فيها: «الإطار الفارغ الذي أوصلك لهدفك البعيد لم يكن ليوصلك لو لم يكن محشواً بالفراغ!». نعم، هذه هي الفلسفة الشخصية التي توصل إليها بعد طول صراع، فلسفة أنك كلما أفرغت نفسك من الداخل من زحام الأفكار كلما استطعت أن تجد نفسك أكثر.
يخدعنا التنوع كثيراً ويوهمنا بأنه هو الثراء ولكن حين نتورَّط فيه نجد أننا نعيش في شتات داخلي لا هدف له سوى التنقل التائه من اهتمام لآخر. هذا هو الثراء الفارغ، أن تكون محشواً كمخزن منزل رجل عازب بكل شيء تحتاجه أو لا تحتاجه، وحين تحتاج شيئاً ما بعينه ستبحث عنه ولن تجده! في الحقيقة لا يمكن للإنسان أن يعيش كل أدوار البشر ولا أن يمارس كل اهتمامات الحياة، والذين يحددون أهدافهم ويعيشون لأجلها هم وحدهم من يشعرون بأنهم يتحركون ويتطورون بشكل يجلب الطمأنينة والثقة في النفس. هذا هو الفراغ الثري، أن يكون في داخلك من الفسحة ما يكفي للشعور بالهدوء وتمييز قناعاتك وترتيبها ومراقبتها والاعتناء بها براحة وطمأنينة. الفوضى الخلاقة قد تكون نظرية منتجة على مستوى المجتمع ولكنها في «الداخل النفسي» لن تكون إلا فوضى مدمرة يقتل بعضها بعضاً. ثم أعود لتلك القصيدة من جديد: «الإطار الفارغ الذي أوصلك لهدفك البعيد لم يكن ليوصلك لو لم يكن محشواً بالفراغ!»، هذا إن أردت أن تصل!![/SIZE]